مزارعو إربد.. من مأزق خسائر الزيتون إلى أزمة ارتفاع أسعار الأسمدة

إربد- بعد موسم زيتون وصف بأنه الأسوأ منذ سنوات، نتيجة قلة الأمطار وانخفاض الإنتاج بشكل كبير، يواجه المزارعون في محافظة إربد أزمة جديدة لا تقل خطورة، وتتمثل بالارتفاع الحاد في أسعار الأسمدة العضوية المعالجة، التي قفز سعر الطن الواحد منها من 320 إلى نحو 620 دينارا خلال الأشهر الماضية.

ويعد السماد من الاستخدامات الضرورية في الزراعة، لما يحتويه من عناصر غذائية متوازنة للنبات، مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، التي تسهم في تعزيز نمو المحاصيل وزيادة إنتاجيتها وجودتها.
ويرى مزارعون أن هذه الأزمة الجديدة تأتي لتكمل سلسلة من الخسائر التي لحقت بهم في الأشهر الماضية، إذ لم يتعاف قطاع الزيتون بعد، حتى وجدوا أنفسهم أمام تحد آخر قد يفشل الموسم الشتوي المقبل، ويدخل الزراعة في المحافظة في حالة شلل شبه تام.
وقال مزارعون من مناطق الطيبة والكورة وبني كنانة والمزار الشمالي إن الموسم الماضي للزيتون كان كارثيا من حيث الإنتاج بسبب شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في مراحل الإزهار، ما أدى إلى تدني كميات الزيت المستخرجة بشكل غير مسبوق.
وأضافوا أن المزارعين كانوا يعولون على تعويض خسائرهم في الموسم الشتوي المقبل بزراعة القمح والشعير والكرسنة، لكنهم فوجئوا بارتفاع أسعار السماد إلى الضعف، ما دفع الكثيرين إلى الامتناع عن الزراعة خلال العام الحالي بعد أن أصبحت تكاليف الإنتاج أعلى من العائد المتوقع.
ولم يقتصر الأمر على المحاصيل الحقلية فقط، بل أشار المزارعون إلى أن الأشجار المثمرة، وخاصة الزيتون، بحاجة إلى السماد لتعويض العناصر الغذائية المفقودة نتيجة الجفاف وقلة الأمطار، لضمان بقاء الأشجار صحية وقدرتها على إنتاج الثمار في الموسم المقبل.
ضعف نمو الأشجار
وأكدوا أن عدم توفر السماد في الوقت المناسب قد يؤدي إلى ضعف نمو الأشجار وتراجع الإنتاج في الموسم القادم، وهو ما يزيد من مخاوفهم.
وأشار المزارعون إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بارتفاع الأسعار، بل بغياب السماد من السوق المحلي، في حين يتم تصدير كميات كبيرة إلى الخارج.
كما أكدوا أن بعض التجار والموزعين الكبار يقومون بتخزين الأسمدة بانتظار ارتفاع الأسعار أكثر، مستغلين غياب الرقابة وضعف المتابعة من الجهات الرسمية.
وقال أحد المزارعين من لواء بني كنانة، إن سعر طن السماد ارتفع تدريجيا خلال أشهر قليلة من 320 دينارا إلى 400 ثم إلى 500، حتى بلغ اليوم أكثر من 620 دينارا، ما جعله يفكر جديا في ترك أرضه بورا هذا الموسم بعد أن أصبح الاستثمار الزراعي خاسرا.
وفي مناطق، مثل دير أبي سعيد والطيبة، يؤكد مزارعون أن عددا كبيرا من زملائهم قرروا التوقف عن زراعة الحبوب، مشيرين إلى أن تكلفة دونم القمح ارتفعت بنسبة تفوق 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي، والسبب الرئيسي هو ارتفاع سعر السماد.
ويخشى المزارعون أن يؤدي هذا التراجع في الزراعة إلى نقص في الإنتاج المحلي للحبوب والأعلاف خلال العام المقبل، ما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعار الدواجن والألبان واللحوم.
وطالب المزارعون، الحكومة ووزارة الزراعة، بوقف تصدير الأسمدة إلى الخارج، وتوجيه الشركات المنتجة إلى تغطية احتياجات السوق المحلي أولا قبل السماح بأي تصدير.
كما دعوا إلى تشديد الرقابة على المستودعات الزراعية لمنع الاحتكار والمضاربة، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية لتوزيع الأسمدة على المزارعين بسعر عادل.
وأكدوا أن تدخل الحكومة العاجل أصبح ضرورة، لأن المزارع لم يعد قادرا على تحمل مزيد من الخسائر بعد موسم الزيتون الضعيف الذي أنهك القطاع بالكامل، ولأن الأشجار بحاجة إلى التغذية بشكل عاجل لضمان استمرارية الإنتاج.
التركيز على التصدير
ويرى المزارع محمد عبابنة أن الأردن يمتلك وفرة من المواد الخام اللازمة لصناعة الأسمدة، مثل الفوسفات والبوتاس، إلا أن سياسات التصدير غير المنظمة وغياب التنسيق بين الجهات المعنية يؤديان إلى نقص المعروض في السوق المحلي وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
وأشار إلى أن الطلب العالمي على الأسمدة ارتفع خلال العامين الماضيين، ما دفع الشركات المحلية إلى التركيز على التصدير لتحقيق أرباح أعلى، على حساب المزارعين المحليين.
وأكد عبابنة، أن الحل يبدأ من إعادة تنظيم عملية التصدير وربطها بحاجة السوق المحلي، بالإضافة إلى دعم الصناعات المحلية الصغيرة لإنتاج الأسمدة العضوية والبديلة بأسعار مناسبة.
وقال أحد المزارعين محمد جبر بركات، إن أرضه بحاجة إلى شاحنة لنقل السماد والمستلزمات الزراعية، وتبلغ تكلفة الشاحنة نحو 30 ألف دينار، وهو مبلغ يفوق قدرته في ظل ارتفاع الأسعار وغياب الدعم المباشر، ما يزيد من صعوبة تجهيز الأرض للزراعة في الوقت المناسب.
وأكد أن ارتفاع الأسعار أدى إلى امتناع العديد منهم عن الزراعة هذا الموسم خشية أن تصبح التكاليف أكبر من العائد المتوقع، مشيرا إلى أن نقص الأسمدة في السوق المحلي نتيجة التصدير يزيد من حدة الأزمة ويهدد الموسم الزراعي بأكمله.
وأضاف بركات، أن ما يجري في محافظة إربد ليس مجرد أزمة عابرة، بل مؤشر خطير على تهديد الأمن الغذائي الوطني، خصوصا أن المحافظة تعد من أهم المناطق المنتجة للحبوب والأعلاف والزيتون في المملكة.
وبين أن تراجع المساحات المزروعة وامتناع المزارعين عن الزراعة خلال العام الحالي سيؤديان إلى انخفاض الإنتاج المحلي، وبالتالي زيادة الاعتماد على الاستيراد في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات وتقلبات في الأسعار.
وطالب المزارعون في إربد، بتشكيل لجنة وطنية تضم وزارتي الزراعة والصناعة والتجارة وممثلين عن الجمعيات الزراعية، لمتابعة ملف الأسمدة بشكل مباشر وتحديد الأسعار العادلة ومراقبة التوزيع، كما دعوا إلى تحديد سقف سعري للطن لا يتجاوز 350 دينارا، وإلزام الشركات المنتجة بتوريد كميات كافية للأسواق المحلية.
وشدد المزارع محمد التميمي على أهمية تشجيع الزراعة المستدامة التي تعتمد على التدوير واستخدام السماد العضوي المنتج محليا، لتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية المستوردة أو المخصصة للتصدير، وضمان تغذية صحيحة للأشجار المثمرة لضمان استمرار الإنتاج.
وأشار إلى أن المزارعين في إربد يعيشون موسما صعبا يتسم بالإحباط والقلق، فبعد موسم الزيتون الذي خيب الآمال، جاء ارتفاع أسعار السماد ليضع الزراعة أمام امتحان جديد.
وطالب الحكومة بضمان توافر السماد المركب في السوق المحلي بأسعار مناسبة، وإعطاء أولوية للمزارعين المحليين قبل التصدير، إضافة إلى دعم الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على الاستيراد.
وقال التميمي “إن الأشجار بحاجة إلى الأسمدة لتعويض نقص العناصر الغذائية، لكن ارتفاع الأسعار جعلنا نعيد حساباتنا ونقلل الكميات المستخدمة خوفا من ارتفاع التكاليف بشكل أكبر”.
اختلاف الأسعار
بدوره، قال مدير الأراضي والري في وزارة الزراعة المهندس مصطفى العتوم “إن أسعار سماد DAP شهدت ارتفاعا منذ بداية العام، وإن هذا الارتفاع مرتبط أحيانا بالمصدر والشركة المنتجة، لا سيما أن إحدى الشركات تعد من أهم المصادر التي تؤثر على السعر”.
وأكد العتوم أن الوزارة، وفي إطار جهود دعم المزارعين، ستعقد لقاء مع القائمين على شركات الأسمدة لمناقشة إمكانية خفض الأسعار وضمان توفر السماد بأسعار مناسبة وجودة عالية.
وأضاف أن أسعار الأسمدة المركبة لم تشهد أي تغير خلال الفترة الحالية، مشيرا إلى أن السعر يختلف بحسب تركيبة السماد ومصدر المواد الأولية.
وأوضح أن العناصر الأساسية في الأسمدة المركبة هي النيتروجين والفسفور والبوتاسيوم، مشيرا إلى أن اختلاف نسب هذه العناصر يؤدي إلى اختلاف الأسعار، مبينا أن بعض المواد الأولية، مثل النيتروجين، يتم استيرادها بسبب عدم وجود مصادر محلية، فيما يوفر البوتاسيوم والفوسفات من خلال شركات محلية وأخرى خارجية.
وبحسب العتوم، فإن الأسعار الحالية تعد منافسة عالميا ومناسبة للمزارعين، حيث عاد السعر بعد تقلبات شهدتها الأسواق أثناء الحرب الروسية الأوكرانية إلى مستواه الطبيعي.
وأشار إلى أن السوق المحلي للأسمدة مستقر وأن الأسعار العادلة لا تتغير بشكل مفاجئ، مؤكدا أهمية التركيبة والمصدر في تحديد السعر النهائي.
وقال العتوم، إن التصدير للخارج لا يؤدي إلى رفع أسعار الأسمدة في السوق المحلي، مشيرا إلى أن الأردن يتمتع بصناعة أسمدة متطورة وقادرة على المنافسة عالميا.
وأكد أن الأسمدة الأردنية تصدر لمعظم دول العالم، بما فيها أسواق مثل أميركا، وهذا يعد نجاحا للصناعة التحويلية ويحقق دخلا جيدا للبلاد، لكنه لا يؤثر على الأسعار المحلية التي تعد مناسبة ومنافسة عالميا.
وأضاف أن توفر الأسمدة في الأسواق الأردنية جيد وجودتها عالية، وأن المصانع المحلية متقدمة وتنتج أنواع متنوعة من الأسمدة المركبة.
كما أوضح العتوم أن الأسعار الحالية متقاربة جدا مع الأسعار العالمية، مبينا أن الأسعار المحلية للأسمدة ليست مدعومة من الحكومة لكنها تبقى في متناول المزارعين.
وأشار إلى أن بعض أنواع الأسمدة المستوردة تخضع لتنظيم وزارة المالية، حيث يتم تطبيق ضريبة صفر على بعضها وفرض ضريبة على أنواع أخرى حسب القانون، لضمان انتظام السوق المحلي واستقرار الأسعار.

 أحمد التميمي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة