ذيبان.. إرث تاريخي في مواجهة شبح البطالة

مادبا- تتشابك آمال أهالي لواء ذيبان جنوب محافظة مادبا مع واقع اقتصادي صعب، ففي الوقت الذي يمتلك فيه اللواء كنوزا سياحية ومقومات صناعية ما يزال يعاني السكان من تفاقم نسب الفقر والبطالة التي تعتبر من أعلى النسب في المملكة.
ففي ظل غياب المشاريع التنموية الفاعلة تبرز البطالة كأحد أبرز التحديات المستعصية على الحل، وشبح ينهش أحلام الشباب الذين لم يجدوا بديلا سوى البحث عن لقمة العيش في المدن الكبرى.
أرقام صادمة وتداعيات اجتماعية
ورغم أن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن معدل البطالة في محافظة مادبا يعتبر من النسب المرتفعة على مستوى الأردن، إذ بلغ 21 % بحسب المسح الذي أجرته وزارة العمل عام 2023، إلا أن الصورة في ذيبان تبدو أكثر قتامة، إذ ترتفع البطالة بين الشباب الجامعيين، وتصل إلى مستويات غير مسبوقة بين الإناث، مما يجعل المنطقة بؤرة لأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
ويؤكد أهالي ذيبان أن الأزمة ليست مجرد رقم في إحصاء، بل واقع يومي يعيشه الشباب والأسر على حدٍ سواء في منطقة تمتلك تاريخا عريقا ومواقع طبيعية وأثرية ذات قيمة عالمية، موضحين أن جزءا كبيرا من مؤشرات البطالة في محافظة مادبا تعود إلى واقع ذيبان والمناطق المجاورة.
يقول المواطن نهار علي: “يتميز لواء ذيبان بأنه يملك تاريخا عريقا وشاهدا على حضارات امتدت لآلاف السنين كتل ذيبان الأثري ومواقع من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية، فضلا عن الطبيعة المتنوعة في أماكن مثل وادي الهيدان والواله وعطروز والتي بمجملها تشكل بيئة خصبة لأنماط متعددة من السياحة”، مضيفا “لو استخدمت هذه الإمكانات بشكل صحيح وفعال، لاستطاعت أن تقدم فرص عمل متعددة للشباب، وتخفف من هجرة اليد العاملة إلى المدن الكبرى، وتخلق نشاطا اقتصاديا متناميا ينعكس إيجابا على المستوى المعيشي لأهالي اللواء”.
ويرى أن غياب الترويج والتسويق الدولي لهذه المواقع كان سببا رئيسا في غياب الاستثمارات، إذ إن غالبية السياح والمستثمرين لا يدركون قيمة ما تمتلكه ذيبان من إرث تاريخي وطبيعي، ما يحرم السكان من فرصة حقيقية لتحقيق التنمية عبر القطاع السياحي، قائلا: “لم تعد البطالة في ذيبان مجرد رقم إحصائي، بل تحولت إلى أزمة اجتماعية ضاغطة، إذ إن غياب المشاريع التنموية أدى إلى انخفاض مستويات الدخل وزيادة هشاشة الاستقرار الاجتماعي مما دفع العشرات من الأسر لمواجهة خطر الفقر نتيجة تعطل المعيلين وتوقف عجلة الإنتاج المحلي”.
السياحة كطوق نجاة
يشير المواطن زيد القبيلات إلى أن ذيبان ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي مركز حضاري يمتد لآلاف السنين، يضم “تل ذيبان” الأثري ومواقع تعود للعصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية، لافتا إلى أن استغلال هذه المواقع إلى جانب الطبيعة الخلابة في أودية الهيدان والواله ووادي عطروز كفيل بخلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
ويشاركه الرأي المواطن عبدالله الحيصة قائلا: “موقع قلعة مكاور الأثرية من أبرز المشاريع التي تحظى باهتمام بالغ، إذ تم إدراجها ضمن مسار الحج المسيحي المعتمد من الفاتيكان في الأردن إلى جانب مواقع أخرى، ما يمنحه قيمة سياحية عالمية ضمن برامج الحج الدينية المتداولة بين المسيحيين من مختلف جنسيات العالم”، موضحا أن ضعف الترويج الدولي للمقومات السياحة البيئية والتاريخية التي يندر وجودها في مكان واحد وخصوصا المواقع الأثرية أبقى ذيبان خارج خريطة الاستثمار السياحي العالمي.
ويرى المواطن عليان سلامة أن الحكومة تقوم بجهود كبيرة في توفير بيئة مناسبة لدفع عجلة التنمية في اللواء من خلال المشاريع الإستراتيجية التي نفذتها كإنشاء مركز زوار ذيبان والذي يعد بمثابة نقطة انطلاق لزوار المواقع الأثرية، لافتا إلى أن هذه الخطوة تعد ركيزة لتحويل ذيبان إلى منتج سياحي متكامل يمكن أن يستقطب الزوار المحليين والأجانب ويمنحهم تجربة تلائم ما يمتلكه المكان من قيمة ومعنى.
ويرى الأهالي أن ذيبان يمتلك من المقومات ما يجعله يستحق أن يكون جزءا فاعلًا في هذه النهضة السياحية لا فقط كموقع تاريخي بل كمركز تنموي يقدم فرصًا حقيقية للاقتصاد المحلي وسكانه خصوصا مع ارتفاع أعداد السياح الوافدين للمملكة وتنوع برامج السياحة الدينية والثقافية.
من جانبه يؤكد مدير سياحة مادبا وائل الجعنيني أن المشاريع السياحية في ذيبان تمثل أولوية قصوى، مشيرا إلى أن مركز زوار ذيبان الجاري تنفيذه سيكون نقطة محورية لاستقبال الزوار وتقديم المعلومات والخدمات اللازمة لهم، إضافة إلى تسهيل ربطهم بالمواقع الأثرية المختلفة في اللواء.
ويضيف أن الوزارة عملت على تحسين وترميم قلعة مكاور، بما في ذلك السور الدفاعي، المعبد النبطي، الحمام الروماني، والكنيسة، وتجهيز المرافق والخدمات لاستقبال الزوار ضمن برامج السياحة الدينية، لتصبح القلعة واجهة رئيسة للسياحة الدينية المسيحية في الأردن.
ويبين الجعنيني أن الوزارة تعمل أيضا على تأهيل وتطوير مسارات سياحية تربط المواقع المختلفة في ذيبان بالشبكة الأوسع للسياحة في محافظة مادبا، مما يعزز من طول إقامة الزائرين في المنطقة، ويدعم من تدفقهم إلى المواقع المتعددة بدلا من التركيز على موقع واحد فقط، لافتا الى ان هذه المسارات تساهم في تنشيط الحركة السياحية وتوزيع فوائده على مجتمعات محلية عدة، كما تزيد من فرص العمل في خدمات الإرشاد النقل والضيافة.
ويشدد على أن الوزارة لا تكتفي فقط بإنشاء المرافق الجديدة، بل تتمسك بالحفاظ على المواقع التاريخية وترميمها، وذلك من أجل حماية إرث ذيبان التاريخي من عوامل الطبيعة والأثر، ولتقديمه بشكل مناسب للزوار. وقد شملت هذه الجهود مسارات للزيارة، وترميم أجزاء من القلاع والآثار، إضافةً إلى العمل على رفع جاهزية العديد من المواقع لامتلاكها البنية الأساسية لاستقبال الزوار.
المدينة الصناعية.. فرصة اقتصادية منتظرة
يوضح المواطن ليث أبو قاعود أن هذه المدينة لا ينبغي النظر إليها ككتلة أسمنتية للمصانع فحسب، بل هي “حاضنة تنموية” قادرة على امتصاص البطالة في ذيبان ومادبا بشكل عام، قائلا: “من هنا تبرز المدينة الصناعية في مادبا كبوابة أمل جديدة”.
ويضيف أن جذب الاستثمارات للمدينة الصناعية سيخلق سلسلة من الوظائف في قطاعات اللوجستيات، والنقل، والتجارة، مما يساهم في تحقيق توازن اقتصادي مستدام يقلل الاعتماد على الوظائف الحكومية المحدودة.
ويشاركه الرأي المواطن سليم سليمان، منوها إلى أن الفرص الاستثمارية في لواء ذيبان لا تفتصر على القطاع السياحي فقط بل يوجد بيئة مناسبة للاستثمار الصناعي إذ تمثل المدينة الصناعية في مادبا نافذة مهمة يمكن أن تسهم في خلق وظائف مباشرة وغير مباشرة لأبناء محافظة مادبا ومن ضمنها ذيبان.
ويضيف: “المدينة الصناعية ليست مجرد أرضٍ فيها مصانع بل هي فرصة حقيقية لخلق بيئة اقتصادية متكاملة تستوعب الشباب الباحثين عن عمل، سواء في الإنتاج أو الخدمات اللوجستية، أو في المجالات المرتبطة بها مثل النقل والتجارة،” مؤكدا أن جذب المستثمرين لإقامة مشاريع صناعية وخدمية داخل المدينة الصناعية يمكن أن يوفر عشرات وربما مئات من فرص العمل، إضافةً إلى دعم الكوادر المحلية بالتدريب والتأهيل، ما سيعزز قدرة الشباب على المنافسة في سوق العمل دون الحاجة إلى الهجرة إلى المدن الكبرى.
ويُجمع مواطنون على أن الاستثمار المتكامل بين السياحة والصناعة يمكن أن يكون مفتاحا حقيقيًا لتخفيف البطالة في ذيبان، حيث أن السياحة ستخلق فرص عمل تتراوح بين الإرشاد السياحي والخدمات والضيافة والتسويق، بينما المشاريع الصناعية في المدينة الصناعية ستوفر وظائف مباشرة في الإنتاج والإدارة والدعم اللوجستي، مؤكدين أن تكامل هذه الاستثمارات يمكن أن يشكل نموذجا تنمويا ناجحًا لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يعيشها اللواء وسيسهم في تحسين حياة الشباب وأسرهم، وتخفيف ضغوط البطالة والهجرة الداخلية في المستقبل القريب.

