من البنية الخضراء للغابات الحضرية: نهج جديد لحماية التنوع الحيوي

توفير البنية التحتية الخضراء، والغابات الحضرية، والتخطيط لاستخدامات الأراضي المراعية للتنوع الحيوي، يعد نهجا مستداما عبر تسخير الفوائد المتأصلة في الطبيعة لمواجهة التحديات البيئية.
وتفرض الطبيعة الديناميكية للمناطق الحضرية في الأردن أن يتجاوز هذا النهج جهود الاستعادة التقليدية للتنوع الحيوي، ليشمل تدابير استباقية تحول دون المزيد من تدمير الموائل الطبيعية.
ولضمان استدامة التنوع الحيوي الحضري على المدى الطويل، لا بد من إحداث تحول جوهري في النهج المتبع، إلى جانب زيادة كبيرة في حجم وسرعة جهود الاستعادة والحفاظ على الطبيعة.
وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية “الموئل”، تقوم وزارة البيئة بالعمل على إعداد تقييم للأثرين البيئي والاجتماعي، لتحديد المخاطر المحتملة ومعالجتها، ضمن مشروع يهدف لتعزيز قدرة كل من الأشخاص النازحين والمجتمعات المستضيفة على الصمود في مواجهة التحديات المائية المرتبطة بتغير المناخ في الأردن ولبنان.
ويقترح المشروع إجراءات لتجنب المخاطر، أو الحد منها، أو التخفيف من آثارها، حيث تشمل العملية عقد مشاورات عامة، وفحص التدخلات لضمان الامتثال للمبادئ البيئية والاجتماعية لصندوق التكيّف، وفق تفاصيل المشروع الذي تنشرها الـ”الغد”.
فعلى سبيل المثال، تراقب عمليات إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لمنع تلوث المياه الجوفية نتيجة أي تسرّبات، بما لا بد من ضمان الالتزام بمعايير منع التلوث.
وبالإضافة إلى ذلك، يتم الحد من تلوث التربة والمحاصيل الناتج عن ارتفاع الملوحة، أو وجود المعادن الثقيلة عبر تنظيم عمليات الري، وتعزيز الوعي بممارسات النظافة والصحة المهنية لدى العاملين في الزراعة.
ولا يقتصر الأمر على ذلك المشروع؛ فبقيادة معهد أبحاث الزراعة المستدامة (PRI)، وبدعم من البلديات المحلية، جرى العمل على تحويل أرض قاحلة ومالحة إلى موقع زراعي منتج عبر تطبيق تقنيات الزراعة المستدامة (البرماكالتشر).
و”البرماكالتشر” نظام تصميم بيئي يعنى بإيجاد حلول مستدامة ومتوازنة بين الإنسان والطبيعة، ويهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الموارد الخارجية عبر تطبيق مبادئ تصميم تسعى لتعزيز التنوع البيئي وزيادة كفاءة استخدام الموارد.
وشملت الإستراتيجيات الرئيسة استخدام القنوات الترابية (Swales) لالتقاط كميات الأمطار الشحيحة والاحتفاظ بها، مع زراعة محاصيل وأشجار مقاومة للجفاف مثل الزيتون والتين والمورينغا.
وأسهمت هذه التدابير بتحسين خصوبة التربة، وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، والحد من التعرية، وصولا لإيجاد نظام مستدام لإنتاج الغذاء ضمن سياق حضري، كما دمج المشروع ممارسات التسميد العضوي لتعزيز صحة التربة وتقليل الحاجة إلى المدخلات الكيميائية. ويعد دمج الحلول القائمة على الطبيعة في التخطيط الحضري والإقليمي أمرا أساسيا لبناء مدن مستدامة وقادرة على الصمود، ولكن ورغم ذلك يظل الأثر الإيجابي للجهود استثمار المدن المحلية في مبادرات استعادة الطبيعة “غير كافية”، وتفتقر إلى التنسيق والتخطيط الإستراتيجيين، ولا تواكب الوتيرة السريعة لتدهور الأراضي في المناطق الحضرية، وفق تقييم برنامج “الموئل”.
وينبغي على المدن إعطاء الأولوية لتدابير تخفيفية تكاملية تمنع تدمير الموائل الطبيعية خلال عمليات التخطيط والتطوير الحضري، ومع ذلك، فإن المنهجيات المتاحة حاليا للحلول القائمة على الطبيعة، والتي تدعم إدماج هذه التدابير في سياق التخطيط الحضري، ما تزال محدودة.
ولعل مرد ذلك إلى أن معظمها يركز بشكل جامد على قضايا محددة، مع ضعف في دمج السياق الحضري الأوسع أو عملية التخطيط ككل، فضلا عن أنها لا توفر خطوات واضحة تمكن البلديات من دمج الطبيعة في السياسات التخطيطية الأوسع، أو من الدعوة إلى هذا الدمج ضمن هياكل الحوكمة متعددة المستويات، وفق ما ورد في تفاصيل وثيقة الموئل ذاتها.
ولذلك ينبغي أن تكون الحلول القائمة على الطبيعة مكمِّلة للحلول الحضرية القائمة لا بديلا عنها، ويتطلب ذلك تقييم وثائق السياسات الحضرية لتحديد الثغرات والفرص، وتحسين أنظمة السياسات القائمة، ووضع آليات مناسبة للرصد والتنفيذ والامتثال.
ويعد إشراك جميع الأطراف المعنية، من مرحلة التخطيط وحتى الصيانة والرصد، عاملا حاسما لتحقيق النجاح على المدى الطويل، ويضمن ذلك النظر إلى الحلول القائمة على الطبيعة ليس فقط كحلول بيئية، بل أيضا كفرص لتعزيز الرفاه الاجتماعي والاقتصادي في المناطق الحضرية.
ويسهم تبادل الخبرات والتعلُّم من التجارب الأخرى في تعزيز تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة.
وتساعد هذه الممارسات العالمية في تحديد الإستراتيجيات والمقاربات الفعّالة، ونماذج الحوكمة، ومصادر التمويل

