تداعيات خطاب الكراهية على مستقبل الشرق العربي // كريستين حنا نصر

الاعلام المرئي و منها التلفزيون و اليوتيوب و منصات التواصل الاجتماعي التي بالأصل هدفها الثقافة و التعليم و نشر المعرفة و الاخلاق بالتعامل بين شعوب هذه الأرض ، لكن للأسف في بعض بلدان الشرق العربي تحولت التكنولوجيا في الاعلام و تستخدم لبث خطاب الكراهية و عدم قبول الاخر المختلف في الدين و العرق و الذي يعد شريك أساسي و متجذر في تاريخ منطقة الشرق العربي و للأسف يكفر هذا الشريك من المتطرفين و الذي يعد شريك هام و يعيش في الوطن المشترك بدلاً من توحيده ، هذا خطاب الكراهية يفرق و يفكك الوطن الواحد في الشرق العربي المتشرذم اصلاً و مفكك حالياً ، و استخدام التقدم التكنولوجي و مواقع التواصل الاجتماعي الى تعمق الانغلاق الفكري و التطرف و عدم قبول الآخر المختلف و اقصاءه في المجتمع و الوطن المشترك بعبارات و نصائح مشوهة للدين الاسلامي الحنيف مثل عدم معايدة المسيحيين في عيد ميلاد – يسوع المسيح – النبي عيسى عليه السلام لضرب سمة التعايش في المملكة الأردنية الهاشمية ، و التي انبثقت من العاصمة عمان الهاشمية رسالة عمان التي اطلقها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في عام 2004 و التي تهدف هذه الرسالة الى توضيح جوهر الإسلام الحقيقي القائم على الاعتدال و التسامح و الرحمة و نبذ الفكر المتطرف و تحريم التكفير و هذه الرسالة الخالدة حظيت بدعم واسع من علماء المسلمين حول العالم .
هذا الخطاب الطائفي الذي تزايد في الفترات الماضية للعقود الأخيرة لمنطقة الشرق العربي و الذي للأسف أدى فيها الى تزايد التطرف و خلق شرخ كبير بين الأديان و الأعراق و تفاقم الحروب طائفية والمذهبية و خلق شرخ في المجتمعات و تشرذمها كما سعت بعض قادة خطاب الكراهية الى استقطاب بعض فئات المجتمع للانضمام لها بحجة الدين و منها الشباب العاطلة عن العمل الى تلك المنظمات مسلحة التي تصنف إرهابية مثل تنظيم داعش و اشباهها ، و الذي انتشر بكثرة و الأخص بمنطقة بلاد الشام سابقاً أي منطقة الشرق العربي و للأسف هذه العقول ذوات الافكار الإقصائية و التجريم اصبح متغلغل في فكر فئة من المجتمع العربي الذي يعد جديد على مجتمعاتنا العربية التي تتسم بالوسطية و التعايش المشترك و الانفتاح على جميع الأعراق و الأديان المتعددة متعايشة في وطن واحد موحد بسلام و احترام ، و للأسف أصحاب خطابات الكراهية تزايدت في الأوانة الأخيرة تنشر روح القتل و النحر و اقصاء مجتمعي للآخر المختلف و التكفير كما حصل في مدينة الموصل العراقية حيث قتل الأقليات و تم نحرهم اثناء مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي و اسقاط بعض الأنظمة الحاكمة فيها للأسف ، كل هذه التطورات السلبية التي حدثت في العقود الأخيرة في الشرق العربي أدت الى تفكيك المجتمعات و فصلها الى مجموعات منفصلة متناحرة وسببت شرخ بين مكونات المجتمع السني و الشيعي و العلوي و ايضاً شرخ مع باقي المكونات العرقية المختلفة والتي ادت الى تحليل القتل و النحر المعتدلين المسلمين و تكفيرهم و هؤلاء المتطرفين براءة من قيم الإسلام الحنيف ، و هذه الفئة التكفيرية التي دمرت النسيج المجتمعي و فككته و نجحت الى دخول منطقة الشرق العربي الى اتون حروب طائفية و عرقية و التي في المحصلة أدت الى اضعاف و نخر هذه الدول من الداخل و تفكيكها و اضعافها و إعطاء الفرصة للهيمنة عليها في قوى أخرى من خارج البلاد لتحقيق اطماعها في الهيمنة على موارد مقدرات الدولة التي أصبحت ضعيفة و فقدت سيادتها على كامل مفاصل الدولة المنهكة ونجحت في تدمير مؤسسات التعليم فيها و التي اثرت على التقدم العلمي فيها و أدت الى تدني المستوى التعليمي و ازدياد ارقام الامية و تفاقم اعداد الارامل جراء هذه الحروب الطائفية التي كان سببها الأساسي خطاب التحريض للكراهية و الطائفية و كذلك تحولت فيها بعض فئات المجتمع الى مجموعات منغلقة متزمتة لا تقبل الآخر المختلف و تكفره مؤديةً الى تدمير وحدة النسيج المجتمعي و أصبحت الحروب العرقية التي تعيشها بعض دول الشرق العربي للآن و التي كانت نتيجة مخلفات ثورات الربيع العربي التي بدأت بالمطالبة بالحرية والكرامة و بعدها خطفت الثورة من قبل أصحاب خطاب الكراهية الذين تعسكروا و تحولوا الى منظمات مسلحة إرهابية و نتج عنها تعسكر الثورة الى خريف عربي و سقطت أوراقه التي تحمل مبادئ المحبة و التعايش السلمي بين جميع و مختلف مكونات الدولة القوية الموحدة ، و دخلت بعض بلدان الشرق العربي الى حروب طائفية دموية و الى الآن مشرذمة و لا يعرف مستقبلها و متى ستنتهي هذه الحروب الطائفية للأسف ، كل هذه الثورات تحولت الى تجسيد خطاب الكراهية و نقله الى حروب فككت الشرق العربي و اضعفته حيث أصبحت بعض الدول تصنف من دول الموز أي لا تصنف دولة بالأساس و اصبح مهيمن عليها من عدة جيوش خارجية لا تملك أي سيادة على قرارها و اراضيها و على مواردها و مقدراتها و باتت غارقة بالديون و الفساد الإداري الذي زاد من اضعافها و تفككها لتصبح منهكة اقتصادياً و اجتماعياً و بدون سيادة على قرارها السياسي السيادي للأسف .
السؤال الأبرز هنا ماذا جلب لنا خطاب الكراهية و الطائفية و التطرف في الشرق العربي ؟ للأسف خطفت بعض فئات المجتمع العربي الى الظلام و التطرف و الالتحاق الى المنظمات الإرهابية المسلحة بدلاً من ان تدافع عن سيادة اوطانها و الولاء الى الوطن الموحد و فقدت بالمحصلة كرامتها و فقدت اوطانها التي لم تتمكن من حماية شعبها بعد اضعاف الدول و تفككها و على سبيل المثال ما حصل في العراق و سوريا و غيرها من بلدان الشرق العربي .
قبل أي ثورة و على سبيل المثال الربيع العربي ، قبل الثورة يبدأ ظهور المحرضين لخطاب الكراهية و فيديوهات على الاعلام و تبث خطابات طائفية و عدم قبول و احترام الآخر المختلف وتبدأ بـ تجيش لصفوفها جزء من المجتمع و بعدها تبدأ ثورات الربيع العربي و تتحول هذه الخطابات الطائفية و تتعمق الى المطالبة بإسقاط النظام الحاكم للدولة و تستغل الدين الذي هو براءة منهم ، و في بعض دول الشرق العربي نجحت هذه الثورات بإسقاط الأنظمة و بعدها تحولت الى حروب و دمرت البلدان ، الى الآن تعاني هذه الدول في لملمة اوراقها المبعثرة و كذلك لم تتمكن من جمعهم لإعادة بناء الدولة المبعثرة و المدمرة من جديد للأسف ، وهذا الخطاب الطائفي المقيت خطف ثورة و عسكرها على سبيل المثال ما حدت في العراق و اسقاط نظام صدام حسين و انهيار الجيش العراقي و التحاق بعض عناصره الى القتال مع المنظمات المسلحة الإرهابية كتنظيم داعش و في المحصلة كنتيجة تم خسارة سدة الحكم في العراق من الفئة الحاكمة فيها من المكون السني و استبداله بقوى حاكمة جديدة و الأخص بعد الثورة ضد صدام حسين وبعد تفاقم الصراع بين صدام و بوش الرئيس الامريكي آنذاك و الذي تم فيه اجتياح العراق و تاليها اعدام صدام حسين من قبل المكون الشيعي العراقي في عيد الأضحى المبارك و الذي عمق الصراع المذهبي بين الشيعة و السنة في المشرق العربي للأسف ، و الان العراق يعاني من الهيمنة الإيرانية و فصائلها المسلحة و احزابها الموالية لإيران بدلاً من ان يكون ولائها الى العراق .
بالمحصلة بدء التطرف بخطاب طائفي و خطاب الكراهية و تحول الى فئات مسلحة داعشية وهذا الخطاب الطائفي أدى الى فقدان السلطة للدولة و سلب الحكم من فئة الى أخرى التي تحكم العراق حالياً ، و الآن الهدف الاسمى للفئة الحاكمة الجديدة هو حماية الأقليات و إرساء نموذج التعايش المشترك ، حيث فر الكثير من المسيحيين بعد استيلاء داعش على مدينة الموصل و الآن يعيشون في سلام في إقليم كردستان العراق و في هذه السنة 2025 عايد رئيس الوزراء الكردستاني نيجرفان بارزاني المسيحيين في عيد ميلاد لمسيح ( تجدد التزام إقليم كوردستان العراق بحماية التراث العريق للتعايش و التسامح و قبول الآخر ) و بالمحصلة خطاب المحبة و نبذ الكراهية هو الأقوى حيث كلمة المحبة هي من الخالق و الكلام المقيت الطائفي هو الأضعف و لن يدوم لان الخالق هو الأقوى خالق السموات و الأرض و كلام الخالق و الاله الوحيد و لا غيره يطغى على الشر مهما غلب الشر على النور و بالمحصلة المحبة و السلام و النور يغلبان الشر في هذا العالم .
حافظو على اوطانكم و لا تنجروا الى التطرف و عدم قبول الأعراق و الأديان الأخرى المختلفة المتواجدة و موحدة معكم في الوطن الواحد لتبقى الأوطان في الشرق العربي متماسكة قوية و غير مفككة نتيجة الحروب الطائفية و العرقية التي افقدت السلام و المحبة و البركة من بعض بلدان الشرق العربي .

