قبور الجن و بيوت الغول.


د. كمال الزغول

=

 

عندما نتحدث عن الثقافة المحلية فهي نتاج للثقافة الشاملة والكلية لما تحتويه المنطقة من تاريخ وتراث يتواجدان في الأردن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام ، فهناك محاكاة حقيقية بين المكان والإنسان نسجته ثقافة المنطقة.

في الأردن ، المحاكاة مختلفة حتى أنها تدخل لتشارك في تسمية المكان كما حدث بالفعل في محمية البتراء السياحية ، فقبل الوصول الى سيق البتراء هناك مكعبات حجرية تسمى “قبور الجن” وهي ليست كذلك ، وإنما هي معابد نبطية ، وأيضا جرى تسمية قبر الملك النبطي الحارث الرابع بالخزنة، هذه التسمية تخلق لديك نوعا من الأمل بإيجاد هذا الكنز وهو ليس بالمعنى الحقيقي المادي وإنما بالمعنى المتطور بالحركة السياحية والتجارية وطرق ووسائل الفن المعماري ، وعندما نذهب باتجاه مركز المدينة السياحية ، وفي واجهة القبور الملكية ، نجد قبر الجرَّة وهو ليس بقبر جرة ،وإنما هي محكمة الأنباط التاريخية التي تربط بين قيمة الكنز والقضاء العادل لإعطاء أمل جديد للمتخاصمين في احقاق الحق وتحقيق العدالة. وفي أعالي الجبال المطلة على وادي عربة ، هناك يربض دير لا يشبه مجمع الكنائس، ولكن موقعه يعطي ثراءً لموقع الدين واحترامه لدى الأمم ،وهو أمل كبير نحو الأفق بأتجاه القارات الثلاث ، افريقيا وآسيا وأوروبا والذي يقابله مرتفعات الشراة ،حيث يعادل موقعها الإستراتيجي جبال الجولان السورية.

وعلى ذكر التسميات التي جرت في البتراء ،اليوم وبتاريخ 11 تشرين الأول 2021 ذهبت مع وفد سياحي الى منطقة الفيحاء في مادبا ، حيث كنا نجري متابعة ل 12 ألف بيت حجري لما يعرف بقبور الدولمنز والتي يعود تاريخها الى العصر البرونزي وتنتشر في الأردن بأعداد كثيرة حيث تتواجد هذه الطاولات الحجرية (قبور الدولمنز)في 13حوضا في الأردن، وما تبقى منها فقط 2500 قبرا ، وصلنا المنطقة المعنية وكانت الحجارة منتشرة في كل مكان، لكننا اردنا أن نصل الى الحقل الرئيسي بعد زيارتنا لمنطقة الوادي الجديد الذي يحتوي تلك الطاولات الحجرية ،وكان هناك أعمال فتح طرق لا تدخلها السيارة، فإستعنا بمزارع وسألناه عن بقية القبور فقال : انتم تبحثون عن “بيوت الغول” ؟ وعلى الفور التقطت الرسالة التي تحاكي قبور البتراء وقلت له “نعم بالضبط” وكنت أعرف انه يقصد “قبور الدولمنز” في المنطقة .

لقد تبِعنا هذا المزارع الذي يحاكي المكان بداخله وهو يقود “تراكتور” الحراثة الى المكان ووصلنا بالفعل ، وعندما اراد المغادرة قال لنا ” اذا وجدتم ذهب على النص إن شاء الله ” قالها على شكل نكته تُحاكي المكان، وتُعطي أمل في استثماره، تلك المحاكاة هي من تخلق الأمل وتجعله قريبا من مكانه، وهكذا تنشأ حكاية المكان، فسُميت المكعبات الحجرية في البتراء “قبور الجن” وكذلك قبور الدولمنز في فيحاء مادبا سُميت “بيوت الغول” وهكذا تستمر الحكاية الى الأبد، وما علينا الا استثمار المكان والحكاية معا .

الدكتور كمال الزغول
كاتب ومحلل سياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.