مؤتمر فيلادلفيا يناقش الفلسفة في اللغة والفنون

– بمشاركة “33” باحثا وباحثة من جامعات ومؤسسات أكاديمية أردنية وعربية، ومشاركة تسع دول عربية هي “مصر، المغرب، الجزائر، العراق، السعودية، عُمان، ليبيا، فلسطين، تونس”، انطلقت أول من أمس فعاليات مؤتمر فيلادلفيا الرابع والعشرين بعنوان “الفلسفة في اللغة والفنون والعلوم الإنسانية”.
وتنتهي فعاليات المؤتمر الذي عقد عبر تقنية “مايكروسوفت تيمز”، اليوم الخميس، وتشتمل محاوره على؛ المدخل المفاهيمي، والفلسفة في اللغة والأدب، والفلسفة في الفنون، والفلسفة في التاريخ والاجتماع، والفلسفة في علم النفس.
ورأى المشاركون أن تهميش وإهمال الفلسفة ليس بريئا في عالم اليوم، العالم الذي يريد فرض ثقافة الطاعة لا ثقافة السؤال والمشاركة، مؤكدين أن الفلسفة هي أم العلوم وهي المحرك للعقل والنقد، كما أن جامعة فيلادلفيا ملتزمة برسالتها العلمية والحضارية من خلال مؤتمر فيلادلفيا الذي يشكل علامة فارقة في مجال البحث العلمي.
وأشار المتحدثون الى أن السؤال الفلسفي في شعر المعري يشكل تجربة شعرية مثيرة تميز بها عن شعراء العرب، كما أن العديد من قصائد محمود درويش تضم أسئلة المعرفة والكينونة والوجود، كما تأثر النقاد والبلاغيين العرب المسلمين بالفكر الفلسفي الوافد لهم من “اليوناني خاصة”.
ورحب د. مروان كمال خلال جلسة الافتتاح، بالمشاركين والحضور، مثمنا الدور الذي يقوم به الباحثون والأكاديميون في مشاركاتهم وجهودهم في الفكر والعلوم، لافتا الى أن جامعة فيلادلفيا ملتزمة برسالتها العلمية والحضارية على المستوى الوطني والعربي والإنساني.
من جهته أكد رئيس الجامعة د. معتز الشيخ سالم أن استمرار مؤتمر فيلادلفيا يعد علامة فارقة في مجال البحث العلمي، حيث إن الجامعة تحرص على دعم البحث العلمي وتطويرِه من خلال هذه المؤتمرات العلمية المتخصّصة، فتدعمها وتحافظ على استمرارِها، وتحرص من خلال عمادة البحث العلمي على تحكيمِ أوراقِها ونشرها في كتب متخصّصة، وفي طليعتها منشورات “مؤتمِر فيلادلفيا الدولي”، وتشكّل إصدارات هذا المؤتمر منذ سنوات طويلة مصادر ومراجع مهمّة في المكتبة العربية، وتضم عناوين مثل: الحرية والإبداع، الحداثة وما بعد الحداثة، الثقافات الشعبية، استشراف المستقبل، ثقافة المقاومة، الخطاب النسوي في الوطن العربي، وغير ذلك من إصدارات مهمة تحمل عناوين ومضامين مفيدة نافعة للقراء والباحثين.
وفي جلسة الافتتاح التي أدارها د. يوسف ربابعة، تحدث رئيس اللجنة المنظمة وعميد كلية الآداب د. محمد عبيد الله قائلا: إن مؤتمرنا في هذا العام يعنى بالفلسفة وصلتها بالآداب والفنون والعلوم الإنسانية، والفلسفة كما تعلمون مهملة في بلادنا إلى حد كبير، ومهملة في مناهجنا الدراسية على المستوى المدرسي والجامعي، ولا تحظى بالاهتمام الذي يليق بها، ولعل تهميشها وإهمالها ليس بريئا في عالم اليوم، العالم الذي يريد فرض ثقافة الطاعة لا ثقافة السؤال والمشاركة.
وأكد عبيدالله أن الفلسفة ليست علما يدرس، ولكنها أبعد من ذلك إنها أساس الحوار وانفتاح العقل على المختلف. لها مكانتها التأسيسية في أكثر العلوم الإنسانية وفروع الآداب والفنون. فما من أدب حقيقي دون فلسفة، ودون تأمل يجابه الأسئلة الكبرى، وما من فن حقيقي مؤثر مغير دون فلسفة تقف وراءه وتطور معناه ومبناه. الفلسفة هي أم العلوم الإنسانية، وقلبها وروحها، وهي أهم محرك لتطوير العلوم والفنون، بحرصها على إثارة الأسئلة وثقافة الأسئلة، هذه الثقافة التي ما زلنا نفتقر إليها إلى حد كبير.
وفي الجلسة الأولى التي شارك فيها من الجزائر كل من: أحمد مداس، عبدالقادر أزداد، الحسن أسويق من المغرب، وأدارها د. غسان عبدالخالق أشار إلى أن الفلسفة هي أم العلوم وهي المحرك للعقل والنقد، وحالتنا اليوم أحوج ما تكون لمراجعات فلسفية عميقة. فيما تحدث د. أحمد مداس، عن: فلسفة التأويل في المنظومات المعرفية المشتركة؛ قراءة في المنجز اللساني والنقدي المعاصر، مبينا أن الفكر الكوني يقع على الاشتغال المباشر على المنظومات المعرفية المشتركة من دون فصل عرقي أو جغرافي، بما تبيحه المعارف في حياة الإنسان من إشاعة للمعرفة من منطلقات ذاتية وأخرى موضوعية، تجعل الطبيعة المعرفية إنسانية أكثر منها عرقية أو جغرافية.
ورأى مداس أن الانفتاح على نظريات التأويل الغربية الحديثة بوصفها دوائر معرفية تتقاطع بحكم الممارسة، وتصنع نموذجا معرفيا معاصرا يبتعد قدر الإمكان عن الانتماء والتموقع، ليظهر نشاطا معرفيا إنسانيا شاملا، لا على سبيل الانتماء، ولكن على سبيل تشكّل المعرفة الكونية القائمة على الانفتاح والتلاقح والتنمية والتطوير المعارفي.
وتحدث د. الحسن أسويق من المغرب عن: الأسس الفلسفية للمناهج الكمية والمناهج الكيفية في علم الاجتماع، التي ترتكز على التمييز بين البحث الكمي والبحث الكيفي، وأنه لا يعتبر ببساطة مسألة تتعلق بالمداخل المختلفة لعملية البحث، لكل منها مناهجها الخاصة؛ وإنما تتعلق بوجهات نظر متناقضة حول القضايا الجوهرية والمداخل النظرية التي يتم الانطلاق منها في تناول موضوعاتها، وأننا أمام طريقين مختلفين لإنتاج خطاب علمي حول الواقع نفسه؛ أي أمام عقلانيتين منهجيتين مختلفتين: التمامية المنهجية من جهة والفردانية المنهجية من جهة أخرى، لافتا الى انه يسعى لبيان الخلفيات الفلسفية للخصومات المنهجية في علم الاجتماع محاولين الكشف عن مسوغات هذه الخصومات انطلاقاً من نموذج إميل دوركايم “ممثلاً للمنهج الوضعي”، وماكس فيبر “ممثلاً للمنهج التفهمي”، مع التركيز بشكل خاص على المنهج الأخير.
وتحدث د. عبدالقادر أزداد عن: فلسفة الذهن والسيكولوجيا المعرفية، مبينا أن ثورة معرفية كبيرة قد حدثت داخل علم النفس في الخمسينيات من القرن الماضي، وعرفت تأسيس حقل معرفي جديد يهتم بالكفاءات الإنسانية تشترك فيه مجموعة من التخصصات، أهمها اللسانيات المعلوميات، المنطق، علوم الأعصاب، والسيكولوجيا المعرفية، وفلسفة الذهن، وتم الاهتمام لأول مرة بدراسة الظواهر الذهنية عن طريق التشخيص بالمحاكاة، لخصوصيات الذهن الإنساني. إذ أصبحت السيكولوجيا أكثر قربا من الظواهر الدقيقة أكثر من ذي قبل. كما أن بروز مبحث داخل السيكولوجيا يسمى بنظرية الذهن أو نظرية النظرية. فتح أفاقا جديدة داخل علم النفس المعرفي قادت إلى التقاطع العلمي مع النظرية الفلسفية.
وتحت عنوان “الفلسفة واللغة والأدب”، كانت الجلسة الثانية التي شارك فيها من الجزائر كل من د. رابح بوشعشوعة، عالمة خذري، ومن فلسطين حسين حمزة، أدارتها الدكتورة عرين خليفة، حيث تحدث د. رابح بوشعشوعة حول: الفلسفة اليونانية وتأثيراتها في الدراسات اللغوية والنقدية: دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني أنموذجا، مشيرا إلى أن أهم قضية دارت حولها الدراسات الحديثة وهي أن النقاد والبلاغيين العرب المسلمين تأثروا إلى حد بعيد بالفكر الفلسفي الوافد (اليوناني خاصة)، وتساءل: هل حقا تأثرت تلك الجهود النقدية والبلاغية القديمة بالفكر الفلسفي الوافد؟ وإن كان هناك تأثر فما أهم مظاهر هذا التأثر وما أهم تجلياته في هذه الجهود؟ ويرى أن هذه الأحكام ليست دقيقة وبخاصة في الحديث عن علم البلاغة.
وعن “السؤال الفلسفي في شعر المعري”، تحدثت د. عالمة خذري، مبينة أن السؤال الفلسفي يشكل في شعر المعري تجربة شعرية مثيرة تميز بها عن شعراء العرب إذ شغله فيها مسألة العقلانية وطرائق التعبير عن الذات وما تعانيه من ألم الوحدة والعمى، بين فيها اشتغال العقل في مضامير منطقية ولسانية وبلاغية وأصولية وفلسفية. وتمثل هذه الثقافة معلما بارزا في الفكر العربي والإنساني، وقد أشار إلى ذلك د. طه حسين في كتابه ” تجديد ذكرى أبي العلاء “، حيث التقط فيه بدقة روح إنجاز أبي العلاء الأدبي والفلسفي.
ومن فلسطين تحدث د. حسين حمزة عن: أسئلة المعرفة في شعر محمود درويش، قائلا إن القارئ لشعر درويش يلمس أسئلة المعرفة والكينونة والوجود في العديد من قصائده. كما أن الحضور والغياب موتيفان أساسيّان في شعره يرتبطان بمفهوم الكينونة بحسب هايدجر. وهو يتعامل مع هذه المصطلحات ببعدين: العام والخاص، فيتداخلان في نسيج القصيدة لتشكيل المعنى. وفي قصيدة “أوديب” من مجموعة “هي أغنية، هي أغنية”، 1986 طرح للصراع بين حدود المعرفة للذات وبين الحقيقة في الواقع. وسنحاول في هذا البحث أن نقف على هذين المفهومين من خلال القول الشعري، وما يمتاز به من جمالية شعرية.

عزيزة علي/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة