أزمة اليرموك… والجامعات… !


د. مفضي المومني

تواجه ميزانيات الجامعات الاردنية معضلة كبيرة، فهنالك عجز تراكمي يصل 190 مليون دينار، وهنالك ديون للجامعات على الحكومة والجهات المبتعِثة قد تغطي حجم المديونية في بعض الجامعات أو تقل عنها، وهنالك رواتب تأكل ثلثي الموازنة بالغالب، وما يتبقى للمصاريف الجارية، والنذر اليسير الشحيح للتطوير والبنية التحتية والفنية والبحث العلمي، وهنا تقف إدارات الجامعات ومجالس الأمناء عاجزة عن تحقيق الطموحات ضمن ميزانيات شحيحة ومقيدة، ولا ينفع فيها الفزعات..ولا الحلول الترقيعية، وهنالك الموازي الموسوم بعدم دستوريته… مع انه اصبح من الروافد الأساسية لدعم مالية الجامعات، واقتراحات إلغاؤه تبقى رهينة بتعويضه..!، وفي المقابل هنالك أعضاء هيئات تدريسية وإدارية لم تحصل زيادة على رواتبهم منذ أكثر من عقدين، وتآكلت رواتبهم مع التضخم وارتفاع التزاماتهم وتكاليف حياتهم، وتسرب الكثير منهم إما مرحلياً أو بشكل دائم لدول أخرى وأصبحت جامعاتنا تعاني من هجرة الكفاءات، ومع بروز الموازي وتخصيص نسب منه كمكافاءات مقننة على العاملين أكاديميين أو اداريين، أصبحت نظرة الجميع للموازي جزء لا يتجزأ من الراتب الشهري، بغض النظر عن إرتفاعه أو إنخفاضه وتم تسخير تصنيفة ولو بشكل غير رسمي أو قانوني من قبل الإدارات الجامعية والعاملين على أنه حق مكتسب لا يجوز المس به.
وهنا برزت المشكلة بعد قرار مجلس أمناء جامعة اليرموك بعكس نقص إيرادات الموازي على المخصصات والتخفيض منها بمبالغ متفاوتة، وهذا لم يعجب العاملين وتنادو للإحتجاج بطرق مختلفة، وإذا سألت مجلس الأمناء سيقال لك عملنا حسب القانون وعكسنا نسب الإقتطاع من الموازي الحقيقية، وهي بالمناسبة متغيرة في كل فصل وكل سنة… ولكن يرد العاملون؛ لماذا لم يتم ذلك من قبل..؟، وهنا برأيي تقع المسؤولية على مجالس الأمناء السابقة سواء في اليرموك أو بقية الجامعات الأردنية، إذ كان من الأولى تطبيق ذلك من البداية ليعرف ويسكن العاملين لفكرة وواقع الموازي أنه متغير يزيد وينقص مع تغير إيراداته، والآن ينظر العاملون إلى قرار مجلس الأمناء (حتى مع قانونيته إن وجدت أو صحت) على أنه تغريد خارج السرب، إضافة لخوف مستتر من أن تمتد اليد لمخصصاتهم في مقبل الأيام… ، وبرأيي الشخصي وكما عرفت أن مبلغ الموازي المقتطع يدور حول المليون دينار يزيد أو ينقص، وهنا ربما كان من الحصافة ممن يصنع القرار العمل بروح القانون وليس نصه، وتعريف العاملين بالوضع الحقيقي وتعويض النقص من أبواب أخرى وبموافقة مجلس التعليم العالي وهذا ممكن، بدل الإقتطاع من مخصصات الموازي، اليرموك من جامعاتنا العريقة، وتعرضت لهزات مختلفة عبر مسيرتها، وهنالك إعتراف بتراجعها بين الجامعات الحكومية، والإعتصامات والمساجلات والوقفات ستؤثر على سمعتها واستقطابها للطلبة من الدول العربية والأجنبية، إضافة لمكانتها وتصنيفها، ولو حسبنا مردود إنعكاسات ذلك على الجامعة لوجدناه اكبر بكثير من مبلغ مليون دينار زاد أو نقص، وربما كان من الأولى أن ينظر مجلس الأمناء في قراره نظرة إستراتيجية كلية لا آنية لمنظور الربح والخسارة من القرار، وأعتقد أنه من الأفضل عدم جر العاملين للتصعيد بغض النظر عن أحقيتهم أو لا، فالمصالح العليا تعلو المصالح الدنيا في التفكير الوطني والمؤسسي… ، وأيضا في ديابيج القوننة؛ الرحمة تسبق العدل، والأوضاع العامة واضحة للجميع أمناء أم رؤساء… أم مجلس تعليم عالي.
قضية اليرموك الأخيرة بدأت تجر جامعات أخرى مثل مؤته وآل البيت، واطلعنا على بعض البيانات التي نشرت… ولا نريد أن تنشغل الجامعات منارات العلم والبحث بمناكفات ومشاحنات… ومساجلات… أساسها المال، والإنشغال عن ما هو أولوية تعيد الألق لجامعاتنا.
وإذا اخذنا الأمور من منظور كلي، وقد اقترحت سابقاً، أن توحد الأنظمة المالية في جامعاتنا، وأن لا يكون هنالك هذا التفاوت الكبير بين جامعة وأخرى، وخاصة في مكافآت الموازي، والذي صنع غبناً مستتراً لدى البعض وينعكس بشكل أو بآخر على الأداء.
القضية الأخرى أن يصبح التعليم والتعليم العالي أولوية وطنية، وأن تضاعف مخصصات الجامعات وأن تطفئ مديونياتها، الجامعات يجب أن لا ينظر لها كشركات ربحية أو بنوك أو مؤسسات تجارية، نواتج التعليم وعوائده لا تكون آنية..! ولها حسابات في اقتصاديات التعليم، أكبر بكثير من الأرقام الصماء… فالتعليم رافعة للدول اقتصادياً واجتماعياً، لذا يجب أن يتنادى الجميع حكومة وتعليم عالي وإدارات جامعية وخبراء، للقاء أو خلوه وطنية جادة ( وليس من الضروري أن تكون في البحر الميت..!) لوضع حلول عملية تنفيذية لإطفاء مديونيات الجامعات والتخلص من الموازي ورفع رواتب وحوافز العاملين، وأن لا تترك الجامعات الحكومية وإداراتها لقدرها، وجرها لمساجلات ومناكفات ليست لها، وجر مجالس الأمناء لمواجهات لديه أولويات أكبر منها، سيما وأن تجارب مجالس الأمناء في جلب المال والتمويل للجامعات يقترب من الصفر في ظل تجاربنا وأوضاعنا الحالية، لسنا بحاجة أن تصبح جامعاتنا (فرجه للغريب والقريب)، إذا خلصت النوايا واستشعرت الحكومة أولوية التعليم فسنتجاوز كل هذا نحو تحقيق الرؤى والطموحات، والعودة للطليعة ولو عربياً، قضية اليرموك يجب أن تقرع الجرس للجميع، وأن نخرج بحلول ممكنة؛ تعيد عضو هيئة التدريس لطلبته ومختبراته وأبحاثه، عوضاً عن الوقفات والإعتصامات التي تريق ماء وجهه وماء وجه الإدارة والجامعة والوطن..!، ونأمل أن يبادر الجميع لطي هذه الصفحة، والإنتقال لما هو أكبر… حمى الله الاردن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.