أماني جرار والاخلاق


الدكتور موفق العجلوني

بقلم السفير الدكتور موفق العجلوني

المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.

 ===================

انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق

وأنك لعلى خلق كريم

ادبني ربي فأحس تأديبي

انما الام الاخلاق ما بقيت فان هموا ذهبت اخلاقهم ذهبوا

هي الاخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بما المكرمات

وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا


اطلت علينا زميلة الدبلوماسية في وزارة الخارجية لسنوات خلت من على منبر منتدى الفكر العربي الدكتورة أماني جرار الأستاذ المشارك ومديرة العلاقات الدولية والدراسات المستقبلية والاستشارات العلمية في جامعة فيلادلفيا ، في الأسبوع الماضي في  لقاءً حواري وجاهي وعبر تقنية الاتصال المرئي، بعنوان “التربية الإنسانية والأخلاقية .”


تناولت الدكتورة جرار أهمية دراسة التربية الأخلاقية والإنسانية في ظل الأوضاع المتردية التي يعيشها الإنسان وخصوصاً في الوطن العربي، مؤكدةً أهمية طرح منظومة فكرية تربوية أخلاقية إنسانية شمولية لضمان إرساء قواعد وأُصول التربية لبناء عالم أكثر إنسانية. واشارت الى أن التربية عملية مستمرة تشمل الجوانب العقلية والنفسية والعاطفية للوصول إلى روح السلام الداخلي للفرد.

 

وقد عرفت الاخلاق بانها مجموعة صفات نفسية واعمال الانسان التي توصف بالحسن او القبح.  وجميل ان يتحلى الانسان بالأخلاق الحميدة، التي تبعده عن الاذى النفسي الذي يسببه للأخرين. فعديم الاخلاق والخالي من الضمير وفاقد الاحساس، تتوقع منه اسوء الاحتمالات، خاصة إذا تربى في بيئة فاسدة ومجتمع يساعد الفرد على الانحلال.

 

ان من أسباب الرقي والتقدم الحضاري ومقومات النهضة الحقيقية: التمسك بالأخلاق الفاضلة، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو الاجتماعي أو الوطني أو الإنساني، فالأخلاق ركيزة أساسية في تهذيب السلوك الإنساني وتنظيم العلاقات على أسس قويمة من السمو الروحي والمعاملة الجميلة، وعنصر فعال في شيوع المحبة والألفة والتماسك والترابط في المجتمع، أفراداً وأسراً ومجتمع وقيادة، ومنبع رئيس للتعايش السلمي البناء مع الأمم الاخرى. وان الأخلاقي التي تتقدم جميع الصفات، وتعطي انطباعا متقدما في تقييم صاحبها، وهي التي ترسم ملامح الاحترام والتقدير لأصحابها، وتضعهم في خانة حسن الاستقبال و الترحيب اينما حلوا .

 

فالعقيدة الإسلامية ذات رسالة أخلاقية، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ألا أُخبركم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ ؟ فأعادها مرتَين أو ثلاثًا . قالوا : نعم يا رسولَ اللهِ ! قال : أحسنُكم خُلُقًا . وقد أصبحت أمتنا الإسلامية خير أمة أخرجت للناس كما قال الله  تعالى في كتابه العزيز : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .

 

هذا و تناول أرسطو فيما يستند إليه من الصلة بين الأخلاق والسعادة، إلى الصلة بين السعادة والفضيلة، فيُعَرِّف الفضيلة بأنها “سيطرة الإنسان على جسده وعقله وشهواته، وجعلها في صنفين، الأول، فضيلة السيطرة على الشهوات والأهواء بواسطة العقل، والثاني، في حياة التأمل، وهو أسمى من الأول بكثير ، و بالنظر الى  الصنفين  نجد أن أولهما عقلي يأتي من التعليم الجيد ويحتاج إلى التجربة والزمان، و ثانيهما أخلاقي يتولد من العادة والشيم.

 

من جهة أخرى تناول الشاعر احمد شوقي موضوع الاخلاق بقوله: ” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ” ، وقد أكد هذا المعنى فى كثير من روائع اشعاره  مثل قوله:” وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتما وعويلا ” ، وقوله :” وما السلاح لقوم كل عدتهم … حتى يكونوا من الأخلاق فى أهب ، وقوله: ” على الأخلاق خطوا الملك وابنوا.. فليس وراءها للعز ركن ” ، وقوله : “وليس بعامر بنيان قوم.. إذا أخلاقهم كانت خرابا “، و قوله : ” المجد والشرف الرفيع صحيفة … جعلت لها الأخلاق كالعنوان “.


أنا اتفق مع المحاضر الدكتورة أماني جرار فيما ذهبت اليه ، بأهمية دراسة التربية الأخلاقية والإنسانية في ظل الأوضاع المتردية التي نعيشها اليوم في العالم و خصوصاً  في عالمنا العربي، و بالتالي لا بد من طرح منظومة فكرية تربوية أخلاقية إنسانية شمولية تضمن إرساء قواعد وأُصول التربية، وتراعي التربية الأخلاقية ومنظومة القيم، وتهتم بموضوعات التربية البيئية والجمالية، وتركز على مبادئ الديمقراطية، وذلك لإعادة بناء الإنسان والوصول إلى المواطنة العالمية التي تراعي الإنسانية وقيمها وتحقيق السلام.

 

إن ما نلمسه و نشاهده اليوم نلاحظ ان هنالك تغيرات جذرية و شاملة في المقاييس الإنسانية والقيم الاجتماعية والاقتصادية، وإهمال القيم المدنية، و تتعرض الثقافة بعمومها والبنية الاجتماعية لكثير من التحديات والصعوبات نتيجة العولمة والانفتاح على الآخر ، الأمر الذي يستدعي مزيداً من العمل على الجانب التربوي  و الأخلاقي طفال ، و خاصة ان العملية التربوية  عملية مستمرة تشمل الجوانب العقلية والنفسية والعاطفية للأفراد و الجماعات وذلك من أجل الوصول إلى روح السلام الداخلي لديهم مما ينعكس على المجتمع بالإيجاب.


و بالتالي لا بد من  تأمين التعليم الجيد والشامل للجميع من خلال تعزيز الحوار الفكري البناء، والتلاقي والتكامل الثقافي، وبناء الحوار المبدع، والاهتمام بالجانب الاجتماعي والتنموي والسلوكي والنماء العاطفي للأفراد للوصول إلى التكامل النفسي وروح التضامن والتكافل بين المواطنين ، و ذلك من خلال توفير ادوات الى المؤسسات الحكومية وخاصة التربوية منها لان  فلاسفة التربية بالعموم يتأثرون بخلفياتهم الدينية والسياسية والفكرية، الامر الذي أوجد دراسات غربية عديدة تناولت موضوع الاخلاق  من جوانب مختلفة على عكس الدراسات في الوطن العربي.

 

و انا اتفق مع الدكتور أماني جرار، و طروحات كل من الأساتذة الكرام المشاركين، السيدات و السادة بطروحاتهم و بضرورة طرح منظومة فكرية تربوية أخلاقية إنسانية شمولية لإرساء قواعد وأُصول التربية لبناء عالم أكثر إنسانية و التي تمثلت بالتوصيات التالية :

 

  • هناك أزمة حقيقية حول فجوة الأخلاق في المجتمعات المعاصرة مرتبطة بما يجب أن تكون عليه وتطبيقها.
  • النجاح في تعليم القيم للأفراد يتطلب إدارة تربوية ناجحة ذات رؤية واضحة والخروج من الأنماط التقليدية للتعليم.
  • للتربية الإنسانية والأخلاقية دور مهم في حل أزمة القيم والوعي الأخلاقي وبناء القيم الاجتماعية.
  • السلوك الإنساني يمكن أن يكتسب ويتعلم من خلال قوانين التعلم وللثقافة والتنشئة أثر إيجابي في العملية الأخلاقية.
  • علاقة الإنسان العربي مع الأخلاق ما تزال غير متوازنة لكونها جزءاً من نظم معرفية متعددة.
  • توظيف مفاهيم التربية الإنسانية والأخلاقية وتطبيقاتها في مناهج التربية والتعليم بحاجة إلى تقييم وإعادة نظر.

 

من هنا ونظراً لتعرض الثقافة والمنظومة الأخلاقية بعمومها والبنية الاجتماعية لكثير من التحديات والصعوبات نتيجة العولمة والانفتاح على الآخر، الأمر الذي يستدعي مزيداً من العمل على الجانب التربوي الأخلاقي والإنساني تبدأ من دور الحضانة والمراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية والمعاهد والجامعات ودور العبادة والبيئات العائلية ومراكز التوجيه والإرشاد، والقيادات الاجتماعية ٬ ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ووسائل الصحافة والاعلام، وإعادة النظر في مناهجنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. و ذلك من اجل خلق منظومة فكرية تربوية أخلاقية إنسانية شمولية و ذلك لبناء عالم أكثر إنسانية .

 

 

مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

ajlounifamily@hotmail.com

muwaffaq@ajlouni.me

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.