الأردن إلى أين؟ في قلب اللهيب الإقليمي المتصاعد

د. سمير الزغول
✍️ تحليل سياسي – رأي عام
الدكتور .سمير عبد الرحيم الزغول
من عمّان إلى العقبة، ومن الكرك إلى إربد، تبدو المملكة الأردنية الهاشمية اليوم وكأنها تسير فوق جمر ملتهب، بينما تشتد النيران على حدودها من كل صوب.
في العام 2025، لم تعد الأسئلة الكبرى ترفًا فكريًا أو تحليلات نخبوية؛ بل باتت ضرورة وطنية ملحة:
إلى أين يتجه الأردن وسط الإعصار السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يضرب الإقليم؟ وهل يمكن للمملكة أن تواصل لعب دور “الوسيط العاقل” بينما العالم من حولها يتحول؟
أولًا: الجغرافيا السياسية الملتهبة
الأردن واقع بين أربعة محاور مضطربة:
• سوريا شمالًا، لا تزال في حالة انهيار جزئي، مع تمدد للميليشيات، وازدهار لتجارة التهريب.
• العراق شرقًا، رغم تحسن نسبي، إلا أن هشاشته الأمنية والسياسية تجعله غير مستقر.
• الضفة الغربية وغزة غربًا، حيث النزاع الفلسطيني الإسرائيلي دخل مرحلة “الحرب المفتوحة”، وأي تغير ديمغرافي أو سياسي فيها يؤثر مباشرة على الأردن.
• الجنوب الخليجي، حيث التحالفات تتحرك بوتيرة أسرع من التوازنات التقليدية التي عرفتها المنطقة لعقود.
في هذا السياق، لم يعد الأردن مجرد “ممر عبور آمن”، بل تحول إلى نقطة توازن حساسة بين القوى الكبرى والإقليمية، وهو ما يزيد الضغط على صناع القرار في عمّان.
ثانيًا: الأمن الوطني على المحك
على المستوى الأمني، شهد الأردن في الشهور الأخيرة تحولًا مهمًا في عقيدته الدفاعية.
فقد أصبحت الضربات الجوية الاستباقية على شبكات التهريب والميليشيات في جنوب سوريا مشهدًا متكررًا، ما يؤشر إلى انتقال المملكة من سياسة “الردع الصامت” إلى استراتيجية “الحماية النشطة”.
وليس خفيًا أن خطر تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية أصبح من أبرز التهديدات المباشرة، ويدور الحديث عن تورط ميليشيات مدعومة من إيران في إدارة هذه الشبكات.
وبينما تواصل الأجهزة الأمنية الأردنية عملياتها بفعالية عالية، يبقى السؤال: إلى متى يمكن السيطرة دون مواجهة مباشرة أوسع؟
كما يبرز تهديد سيناريو التهجير الفلسطيني من الضفة وغزة، والذي تراه القيادة الأردنية تهديدًا وجوديًا، وليس مجرد خطر ديموغرافي. وهذا ما دفع الأردن إلى تصعيد لهجته دوليًا، وتكثيف تحركاته السياسية والدبلوماسية.
ثالثًا: الأزمة الاقتصادية – الجرح المفتوح
وراء الأسوار السياسية والعسكرية، تعيش المملكة أزمة اقتصادية عميقة بدأت منذ سنوات، لكنها اليوم تقف على شفير الانفجار الاجتماعي:
• البطالة بين الشباب تجاوزت 40%.
• الدين العام فاق 114% من الناتج المحلي.
• أسعار السلع والخدمات ترتفع دون أن يقابلها تحسّن في الرواتب.
• الفجوة الطبقية تتوسع، والاحتجاجات الاجتماعية تتكرر.
ورغم حزم الإصلاح التي تم تنفيذها مع دعم صندوق النقد الدولي، لا يشعر المواطن العادي بثمارها. بل يرى أنها زادت العبء عليه دون مساس بجوهر الأزمة: الفساد، سوء الإدارة، وتآكل الثقة بين الشعب والحكومة.
ومع ارتفاع عدد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، الذين يشكّلون أكثر من 30% من السكان، يصبح عبء الخدمات والتعليم والصحة غير قابل للتحمل ما لم تحدث إعادة هيكلة حقيقية.
رابعًا: النظام السياسي وسؤال الإصلاح
يواجه النظام السياسي الأردني تحديًا ثلاثي الأبعاد:
1. انخفاض الثقة الشعبية بالمؤسسات: البرلمان يُنتقد لضعف أدائه، والحكومات تتغير دون أن يتغير النهج.
2. ضعف المشاركة السياسية: خاصة بين الشباب، في ظل غياب حقيقي للأحزاب الفاعلة.
3. تصاعد الدعوات لتجديد العقد الاجتماعي: وهي دعوات تتبناها قوى أكاديمية ومجتمعية تطالب بمزيد من الشفافية، والمشاركة، والمسؤولية.
وفي المقابل، لا يزال الملك عبد الله الثاني يتمتع بشرعية داخلية وخارجية قوية، ويُنظر إليه كقائد متّزن في منطقة تموج بالجنون. لكن الحفاظ على هذه المكانة يتطلب إصلاحًا سياسيًا جادًا، لا مجرد شعارات أو تغييرات تجميلية.
خامسًا: موقع الأردن في معادلات المحاور
تقف المملكة بين ثلاثة محاور:
• المحور الأمريكي – الخليجي الذي ظل الأردن حليفًا فيه لعقود، ويقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا، لكنه بات أقل التزامًا مؤخرًا.
• محور المقاومة (إيران – حزب الله – حماس) الذي يزداد تمددًا، ويقترب من حدود الأردن أكثر من أي وقت مضى.
• المحور التركي – القطري – الإخواني الذي لا يزال له امتدادات داخلية وتأثيرات غير مباشرة.
في هذا التوازن، يبدو أن الأردن يحاول الحفاظ على سياسة “اللا انحياز المتوازن”، لكنه يدرك أن اللحظة الإقليمية لا ترحم من يقف في منتصف الطريق طويلًا.
خلاصة: الأردن أمام مفترق حقيقي
في اللحظة التي تشتعل فيها المنطقة من حوله، لا يملك الأردن ترف الانتظار أو الاكتفاء بالحياد، كما في عقود مضت.
التهديدات اليوم وجودية: أمنية، اقتصادية، ديموغرافية، وسياسية.
والحل لا يكون بالمناورات المؤقتة، بل برؤية وطنية شاملة تعيد إنتاج الدولة على أسس جديدة:
• إصلاح سياسي يعيد الثقة بين الحاكم والمحكوم.
• نموذج اقتصادي عادل يعتمد على الإنتاج لا على القروض.
• دور إقليمي فاعل يستند إلى مصالح وطنية واضحة لا على المجاملات.
وإن كان الأردن قد عرف بقدرته التاريخية على البقاء في قلب العواصف دون أن يسقط، فإن المرحلة القادمة أخطر من مجرد البقاء. إنها معركة إعادة تعريف الذات الوطنية والسياسية والاجتماعية، قبل أن يُفرض عليه شكل جديد لا يشبهه.
وفقك الله دكتورنا
الله ينصر الحق