التطبيع مع إسرائيل جوهر المشروع الأمريكي


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم //  مهدي مبارك عبد الله

تقف الأمة العربية اليوم على مفترق طرق خطيرة أمام أكبر هجمة استعمارية للنيل من هويتها وسيادتها ووجودها القومي ان بقي منه شيء يذكر خاصة بعدما أصبح بعض العرب مرتهنين بالكامل للإرادة الاستعمارية الغربية والتي وصلت حد التوسل للولايات المتحدة الأمريكية من أجل قبول ورعاية الاستسلام الجماعي والتام للإرادة الأمريكية والصهيونية

والعمل بأسرار من اجل الغاء الحق الكامل للمواطن العربي في التفكير بقضايا وطنه وأمته ومستقبله حيث باتت ( ممارسة الخيانة القومية مجرد وجهة نظر ) وارتفعت رايات الاستسلام ثم راية التطبيع فوق معظم الوطن العربي بينما أضحت دعوة الصمود والمقاومة صوتاً شاذاً يُعمل على إخماده بكل الوسائل والسبل وقد خوصرت وانزوت أهداف التحرر والوحدة والسيادة والحرية التي ناضلت تحت رايتها أمتنا العربية وصاغتها الشعوب بنضالها المتواصل عبر قوافل الشهداء

خلال السنوات القليلة الماضية استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية لعب دور كبير في تهيئة الظروف المناسبة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي حيث كان الهدف الأكبر أن تبقى إسرائيل هي من يعمل في محاولة التحكم بمصير العرب وأن تبقى القوة الوحيدة المسيطرة في المنطقة

مؤامرة التطبيع القديمة الجديدة بدأت باستخدام آلية الحصار الاقتصادي على الدول الرافضة للمشروع الشرق أوسطي الجديد بالتزامن مع شل حركة المقاومة الفلسطينية والعربية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي حيث كان ما يسمى الربيع العربي خنجراً مسموماً في قلب الوطن العربي لتفتيت الشعوب العربية وسلب المواطن العربي هويته وخلق ثقافة جديدة ضد المواطنة العربية

ومحاولة التأثير في الفكر القومي العربي وعقول الشباب العربي والمنظمات الوطنية لخلق بيئة هشة وضعيفة لا يستطيع المواطن العربي فيها مقاومة الحصار الاقتصادي المفروض عليه من قبل الدول الكبرى وذلك من اجل اضعافه ومن ثم تهيئة الظروف المناسبة لإسرائيل لفرض شروطها ووجودها بين أبناء الامة العربية

في الحقيقة المرة لم نكن يوماً نشك بأن التطبيع بين بعض دول النظام الرسمي العربي وكيان الاحتلال الإسرائيلي سيكون ماضٍ نحو مألات خطيرة سيما وان التطبيع الذي نشأ يهدف الى إيجاد تطبيع سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي وحقوقي بين هذه الأنظمة وكيان الاحتلال بل وفرض التعايش معه من دون أن يتخلى عن سياساته في التهويد والاستيطان والضم وعليه يبدو لتبقى كافة مشاريع التطبيع مفروضة بشروط جبرية إسرائيلية أمريكية مشتركة

المتتبع الان لمشروع الشرق الأوسط الكبير يصل إلى ان جوهر المشكلة الحقيقية للصراع العربي- الصهيوني المستمر منذ عدة عقود التي تخللتها 6 حروب وحرب استنزاف واحدة انتهت جميعها بتوقيع اتفاقية الاستسلام في كامب ديفيد لتأتي بعدها أوسلو ثم وادي عربة إضافة إلى اتفاقيات سرية أخرى جرت لم يعلن عنها إلى أن حان وقت ما عرف باتفاقات أبراهام وبهذا تكون الولايات المتحدة حققت جزءاً من أهدافها المبيته في رسم خريطة جديدة في منطقة الشرق الأوسط بعقد اتفاقيات جديدة مع دول عربية معينة تشمل مجالات الاقتصاد والسياحة والثقافة والعلمية وتحلية مياه البحر والأمن والطاقة والموانئ البحرية وإلغاء فيز الدخول وغيرها

احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والخراب الذي خلفه العدوان الأمريكي المتحالف مع بعض الحركات والتنظيمات المسلحة على ارض سورية شكل أكبر العوامل الاستراتيجية لإضعاف قوة الأمة العربية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً سيما وان العراق وسورية كانتا عمق الأمة العربية القومي وجناحها الشرقي بل البوابة الشرقية للوطن العربي وقد اختارت الولايات المتحدة هذا العمق القومي لتضعف أكبر قوة عسكرية وهما الجيشان العربيان العراقي والسوري وبذلك استطاعت إسرائيل أن تدخل علنا من الباب وليس من الشباك وفي وسط النهار إلى عواصم بعض العالم العربي

المنطقة العربية كانت تخضع منذ مدة ليست بالقصيرة لهندسة سياسة الفك وإعادة التركيب لكي تخضع بالكامل لشروط ومتطلبات إسرائيل واستراتيجية الإدارات الأمريكية التي تريد فرض ما يسمى بصفقة القرن على العرب وإنشاء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد يلغي وجود الدول الوطنية العربية ويحتل فيه الكيان الصهيوني مركز القيادة والسيطرة

مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني يتطلّب من الشعوب العربية أفراداً وأحزاباً وجماعات ومنظمات التمسك بخيار مقاومة المشروع الإمبريالي الأمريكي – الصهيوني وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستمرار المقاطعة العربية للكيان الصهيوني ومقاومة سياسة التطبيع وخلق وضع عربي مقاوم مناهض للهيمنة الإمبريالية – الأمريكية – الصهيونية التي كشرت عن انيابها بشكل شرس

نذكر جيد في هذا الاتجاه كيف استطاعت مؤخراً الولايات المتحدة وبعض عملاء الكيان الصهيوني بمساعدة حثيثة من بعض الفصائل السياسية العراقية أن تعقد مؤتمراً على مسار الدعوة للتطبيع مع إسرائيل في مدينة أربيل رغم رفض الشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته ومعظم الأوساط العراقية لهذا المؤتمر التطبيعي المشيننستنتج من كل ذلك أن التطبيع مع إسرائيل هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان أحد شعاراته توفير السبل المناسبة سواء بالقوة العسكرية أو السياسية للاعتراف بإسرائيل في المنطقة وإسقاط المفهوم التقليدي للصراع العربي – الصهيوني وفي الوقت نفسه محاولة فرض النسيان على العرب لفلسطين كقضية مركزية ومحورية في التاريخ العربي

رغم جميع هذه السياسات المقلقة عمليا سيبقى كيان الاحتلال الإسرائيلي في نظر معظم الشعوب العربية قاعدة عميلة وجزء من النظام الإمبريالي العالمي خاصة وان نشاطه في العالم منذ قيامه كان مرتبط بالنشاط الإمبريالي سواء أكان لمصلحته الخاصة أو لحساب السياسات الإمبريالية الأوروبية والأمريكية وهذا التصور هو الاحساس الأكثر شيوعاً في العالم العربي والإسلامي حيث تشعر الشعوب العربية بالمهانة من جراء محاولة فرض عنصر غريب في قلب أمته تسانده القوى الأوروبية والأمريكية ولا يمكن باي حال قبول التطبيع والتعايش معه

الواقع القائم الذي تعيشه الأمة العربية يتطلب تغيير الصورة النمطية الحالية التي غيبت فيها الإرادة الوطنية والقومية فضلا عن الحاجة الماسة الى بناء مشروع حضاري عربي لمواجهة المشروع الأمريكي – الصهيوني وتحقيق الاستقلال الثقافي والحضاري والاقتصادي العربي ومحاربة كل أشكال الهيمنة الاستعمارية التي تريد تقسيم الوطن العربي من جديد

هذا التحول في الواقع العربي لم يحدث فجأة ولا مصادفة وإنما خطّط له بدقة وإحكام ومهدت الأرض له بعدما أُعيد ترتيب البيت العربي بدقة وتخطيط حتى يمر هذا التحول البشع في الحياة العربية دون ظهور احتمالات جديدة لمواجهته ومراعاة تقزيم مبدأ الصراع العربي – الصهيوني إلى صراع فلسطيني – صهيوني وتحويل القضية ذاتها إلى دعوة ( للسلام ) على قاعدة الوجود الإسرائيلي والفلسطيني من خلال فرض سياسة القوة وفقا لمنطق الامر الواقع

ختاما يمكننا القول بإن وعي الشعوب العربية بطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع وجود يلغي كافة الدعوات الاستسلامية ويعيد الأمور إلى نصابها وحقيقتها بان الكيان الصهيوني سيبقى يمثل خطراً على الوجود القومي العربي ويجب مقاومته

إضافة الى ضرورة الفهم الدقيق بانه ليس في هذا الكيان اللقيط رغم ما تروجه الة اعلامه الخبيثة بان ليس فيه مواطن مدني ومحارب ولا عدو ومسالم وليس فيه صقور وحمائم ولا معتدلون ومتطرفون فالكيان الصهيوني كله غزاة ومستوطنون يقوم أساسه على قاعدة الاحتلال والاغتصاب والإرهاب والقتل والجريمةmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.