الحراثـــة في الموروث الشعبي العجلوني


الباحث محمود حسين الشريدة

=

 

المقدمة :

تعد عملية الحراثـــة من أولى مراحل العمل الزراعي وأصعبها، وكانت تتطلب جهداً وتستغرق وقتاً طويلاً، والحراثة هي الفعل الأهم في العمل الزراعي .

ينشغل الفلاح بكمية مياه الأمطار الساقطة في مرحلة التحضير للحراثة ، إذا كانت زراعته بعلية ، وهو ما يعرف بالريه ،  وهي عمق ري الأرض بماء المطر، فإما أن تكون رية وسم أي بعمق أكثر من 50 سم ، ما يشجع الفلاح على الزراعة ، أو تكون أقل من ذلك فتسمى ريه عود ، أي بمستوى العمق الذي تصل إليه سكة المحراث .

 

كيف تتم عملية الحراثة :

عندما يكون الفلاح جاهزا لزراعة حقله بالحبوب ، يضع المقدار المحدد من القمح مثلا لزراعته في ذلك اليوم ، وهو المقدار الذي تتسع له مساحة الأرض التي يستطيع فدانه حراثتها في يوم ، ويحمل كمية القمح وعود الحراث على الحمار ، وكذلك ويسوق فدانه إلى الحقل المراد زراعته ، ويخرج من بيته في الصباح الباكر، ليتسنى له بداية العمل قبل شروق الشمس،

وعند وصولة الحقل يربط عود الحراث على الفدان ، والفدان إما أن يكون فرداً مثل الفرس أو البغل ، أو مزدوج كالبقر أو الحمير .

 

وحديثنا اليوم عن العود المزدوج والذي يستخدم على البقر أو الحمير ، حيث يتم وضع أداة تجمع بينهما، تثبت على رقبتيهما تسمى النيــر ليعلق بها المحراث، وإذا تمت الحراثة على ثورين فيسميان الفدان ، أما إذا اشترك ثور وحمار فيشكلان ما يسمى القران. أما إذا كانت الحراثة بواسطة الفرس فيستعمل العود المفرد ، حيث توضع على رقبة الفرس الكدانه ، وتثبت من خلال شدها ويعلق بها المحراث ، بالشكل الذي يتمكن فيه الفلاح من توجيهه والتحكم من خلاله بعمق الحرث .
يبدأ الفلاح حراثة الأرض خلال شهري تشرين الاول وتشرين الثاني ، ولا يفضل التبكير أو التأخيرعن هذا الموعد ، ويتم ذلك في العادة بعد أول هطول مطري جيد .

وبعد أن يثبت عود الحراث المراد استخدامه على الفدان ، يقوم الفلاح بتقسيم الأرض المراد حراثتها في هذا اليوم ، بواسطة المحراث إلى أقسام أي يقطعها ، استعداداً لحرثها ، وذلك بتحديد المساحة التي يجب علية حرثها، لضمان استقامة الفلاح بخطوط الحرث الأتلام ، ثم يقوم ببذرها بالقمح بطريقة مناسبة بحث لا تتجمع حبات القمح أكثر من اللازم أو اقل من الطبيعي . ومن الممكن ان يقوم الحراث ببذار الحب بنفسه او يقوم شخص آخر ببذار الحب ، وحسب الحاج عواد الحسن وهو من مارس عملية الحراثة ، أنه قد يسند للمرأة دور بذار الحب ، ولكن بطريقة أخرى وخاصة إذا كان الحب من نوع البقوليات كالفول والحمص وغيرة ، وعمل المرأة في هذا المجال تسمى اللقاطة التي تُعدّ أحد أهم أركان العمل الزراعي القديم .

كانت تسمى من تقوم بهذا العمل اللقاطه ، وكان لها دور مهم في حياة الريف والعمل الزراعي القديم ، فهي امرأة متوسطة السنّ ، تمشي وراء الحرّاث وتسقط من يدها الملأ بحبوب الفول أو الحمص أو العدس أو الذرة” وغيرها .

تمشي اللقاطه خلف الحراث الذي يقوم بالحراثة حتى نهاية التلْم ، وتسقط الحبوب الموجودة في البذارة ، وهي القطعة القماشية المربوطة على خصرها، وتعود لتمشي خلفه وتسقط الحبوب من يدها حبتين أو ثلاث حبات كل 20سم، ليطمرها تراب التلم .

والحراثة هي حفر تلم بعمق طول سكة المحراث ، أي حوالي 25 سم، ثم يرجع مرة ثانية فيحرث تلم آخر بجانب السابق فيغطي التلم المحروث ، وتسمى هذه العملية رده ويحرص الفلاح على أن يكون الثلم مستقيماً .

ولحراثة الأرض نظام معين، إذ يسري الحراثون قبل طلوع الشمس، ومعهم دواب الحراثة ، ويأتي البذّار ليبذر الحبوب ، وهو يردد  يا مطعم الطير بسواد الليل، يا مطعم الهاجم والناجم والنايم على زره .

وحسب الباحث الاستاذ خالد يحيى الرواشدة ، تنهض زوجة الفلاح مبكراً لتجهيز الزوادة لزوجها ، والتي تتضمن قليل من الخبز وما تيسر من الطعام ، حبات زيتون ، زر بندوره ، بقايا إصبع حلاوة ، قليل من زيت وشوية زعتر ، وبعد أن يصل الحراث حقله بشق الأنفس ، خصوصا إذا كان الجو شرقيه باردة بتقص المسمار، وطريقه بالاتجاه المعاكس لها ، يتوكل على الله وينزع جاكيته ويلف منديله على رأسه ويعلق طرف الديماية في حزامه ، ويتأكد من أن ألشبريه أو موس الكباس في مكانها ، يجهزعدة الحراثة النير والشرعة وعود الحراث ويشق أول تلم ، والدواب تعرف المهمة الملقاة عليها ، ولا تملك إلا الدوران في نهاية كل تلم وهكذا حتى الانتهاء من حراث كامل الوطاه .

ألمحراث او عود الحراث

 

المحراث أداة لحراثة الأرض وقلب التربة وقلع الأعشاب ، يستعملها الفلاح في حراثة أرضه ، بقي هذا المحراث على شكله الحالي منذ مئات السنين ، ولم يطرأ عليه أي تطور، تجره الحيوانات ، فقد يجره زوج من البقر، أو زوج من الحمير، وعندها يدعى (فدان) ، وقد تجره دابّة واحدة حمار واحد ، أو حصان . يُصنع من الخشب، وأضيفت إليه فيما بعد قطعة حديدية مدببة الرأس ، تدخل وتثبت في القاعدة الخشبية تسمى(السكة

يربط عود الحراث على النير ، هو قطعة غليظة من الخشب قطرها 15سم وطولها متر ونصف، تثبت على عنق الدابتين ، وبها تجر الدابتان عود الحراث إذا كانت عملية الحراثه على دابتين ، ويثبت على النير  بواسطة الشرعة ، وهي قطعة من جلد البقر أو الجمل ، تصنع على شكل حبل مجدول ، وعند الحراثة على دابة واحدة . ويتم توجيه المحراث من خلال حبلين مربوطين إلى الدابتين، يستخدمها الفلاح في توجيه الدواب، للمحافظة على بقاء المحراث في خط مستقيم .

أما اذا كانت الحراثة تتم على دابه واحدة ، يثبت عود الحراث بواسطة الكدانة التي توضع على رقبة الدابة ، وللحفاظ على رقبة الدابة من اذى الكدانة يوضع قبلها التشليل أو الحواه ، وهي عبارة عن لفة غليضة من القاش او الخيش تحمي رقبة الدابة من اذى الكدانة .

والعود نوعان، الأول مصمم ليجره حيوانان، وتكون الوصلة بينهما. والنير هو القسم المشترك ، والثاني مفصّل لدابة واحدة حيث تكون بين وصلتي العود .

يتكون المحراث من ألاجزاء التالية

 

1 . الذكر : يصنع من الخشب بشكل مبسط بسماكة 3سم ، يدخل بالبُرك من خلال الفتحة المعدة لذلك ،  والجزء الأسفل منه أسطواني قطره 10 سم واسمه “الفجلة” . بطول (15- 20 سم) ، يرتكز عليه عمود المحراث، يثبت على الذكر سكة حديدية مدببة ومجنّحة، لتستطيع النفاذ في التربة وشقها.

2 . البُرك : لوح خشبي مقدمته مربوطة بالوصلة بطوق حديدي بواسطة برغيين، له فتحه في مؤخرته بطول 10 سم وعرض 3 سم . وهو عمود المحراث الذي يرتكز على القاعدة ، وينتهي بمقبض يمسك به الفلاح ويسمى كابوسه  يضغط عليها الفلاح بقوة لتنغرز السكة في الأرض بشكل أكثر ، عند الحراثة على دابة واحدة يربط المحراث إلى الدابة بواسطة الكدانه ، وهي خشبة غليظة تثبت مع وصلة المحراث، يكون بطرفيها حلقتان يربط فيها حبلين يربطان الى الكدانة المثبتة على رقبة الدابة يسميان الرياح.

3 . الوصلة : عبارة عن قطعة خشب توصل بين النير والمحراث وكلاهما من الخشب القوي، وهي الجزء الأعلى يمتد أفقيا إلى الأمام بطول 80سم، وتربط نهايته الى دابة بواسطة الكدانه ، أو إلى دابتين بواسطة النير لجر المحراث، بينما ينحني جزءه الخلفي على شكل زاوية قائمة قصيرة 30سم ترتكز الى قاعدة المحراث،تسمى الناطح  وتثبت بعمود المحراث  ويكون أطول للأمام من الجزء الأسفل .

  1. النير :

يستخدم النير عندما تستخدم اكثر من دابة في الحراثة ، وهو عبارة عن قطعة غليظة من الخشب قطرها 15سم وطولها متر ونصف، حفر في كلا طرفيها ثقبان، يثبت فيهما من الاسفل عودان غليظان بسمك 4-5سم، يسمى كل واحد منها ” زغلولة “، يستخدما لتثبيت النير في عنق الدابتين، حيث يحيطان برقبة الدابة من الأعلى، ويستندا على كتفي الدابة على مخدة  من الجلد والخيش ومحشوة بالقش، تسمى التشليل أو الحواه .

5 . السكة : قطعة من الحديد ثقيلة الوزن حادة الرأس، ولها جناحان. وهي التي تقوم بحراثة الأرض معتمدة بذلك على وزنها وحدة رأسها وميله، وضغط الفلاح على الكابوسة، وقوة الدواب ،  والسكة تركب فوق الذكر .

6 . الكابوسة : مقبض خشبي علوي مثبت بالذكر باتجاه أفقي ، تساعد الفلاح على ضغط المحراث في الأرض

7 . الرياح : عبارة عن حبلان يصلان بين الكدانةِ والمحراثِ البلدي، يمتدان على جانبي الدابة ، وبهما يجر عود الحراث .

8 . الناطح : مصنوع من الخشب على شكل شبه قوس ، يصل بين الذكر والبُرك من الاعلى .

  1. 9. الكدانة : قطعة خشبية توضع على رقبة الدابة، لكي تساعدها على جر المحراث اليدوي لحراثة الأرض، وهي عبارة عن خشبة سميكة ذات ضلعين على شكل رقم ثمانية ، تصنع من خشب البلوط او السنديان، ويثبت على جانبيها من اليمين واليسار حلقتان معدنيتا. عند الحرث توضع الكدانة على رقبة الدابة لجر المحراث، وتستند على كتفي الدابة على مخدة اسطوانية غليظة مصنوعة من الجلد والقش تسمى التشليل أو الحواة .
  2. 10. التشليل أو الحواه : عبارة عن طوق أسطواني  من الجلد المحشو بالقش يوضع على رقبة الحيوان . يلبّس الجزء الخارجي منه بقطعة من الجلد، والجزء الداخلي يلبس بقطعة من الخيش، وهي التي تلامس رقبة الحيوان الذي يجر المحراث البلدي، وتحميه من احتكاك الكدانه برقبة الحيوان . يلف الطوق حول رقبة الحيوان، ويضم طرفاه إلى بعضهما أسفل رقبة الحيوان ويتم ربطهما .
  3. المنساس : هو قضيب خشبي ثخين طويل ، في أعلاه مسمار حاد ، يسمى الزغت يحث به الفلاح الدابة على الحركة، وفي مؤخرته قطعة حديد مسطحة حادة لإزالة الطين إذا علق بالسكة تسمى العبوه

ملاحظة : ارجو من كل من يمر على هذه المقالة ان يزودني بما نقص منها ، لنثري قيمتها ونوثقها لاجيالنا القادمة لاننا حتما راحلون … مع احترامي وتقديري .

التعليقات

  1. م.عبدالله بني نصر يقول

    اشكرك جزيل الشكر على هذا المقال الشيق الذي يتحدث عن الحراثه في الموروث الشعبي العجلوني باسهاب ولكن ياحبذا لوتوصف الشرعة التي تعتبر الجزء الرئيسي في عدة الحراثة من اجل تثبيت العود مع النير بشكل قوي والخوابير اوما بسمى بالبلعة لتثبيت الذكر بالفتحة الموجودة بالناطح باحكام ودون ان يتحرك وشكرا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.