الحكومة وإدارة ازمة الحالة الجوية الراهنة


الدكتور موفق العجلوني

=

يبدوا لي ومن خلال متابعة الحالة الجوية التي تمر بها المملكة، مقارنة بالحالات الجوية وازماتها في الأعوام السابقة، وكيف تم إدارة تلك الازمات، يبدوا لي ولأول المرة ان إدارة الدولة ومن خلال الازمات السابقة اخذت الدروس والعبر ونجحت بامتياز بإدارة الازمة لغاية الان. و هذا انجاز يسجل لها، بالرغم من الآراء المختلفة التي انتقدت الحكومة لاتخاذها بعض الإجراءات الاحترازية ” قبل وقوع الفأس بالرأس ” . فقد تمت هذه الإجراءات بتنسيق مشترك بين كافة الجهات المعنية وبتوجيهات جلالة الملك حفظه الله حيث تابع جلالته الحالة الجوية خطوة بخطوة و لحظة بلحظة من خلال زيارته لغرفة العمليات الرئيسية في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، و الاطلاع على استعدادات المؤسسات وجاهزيتها للتعامل مع الظروف الجوية المتوقعة.وأكد جلالته، بحضور سمو الأمير علي بن الحسين، رئيس المركز، ضرورة أن يكون مستوى التنسيق والتعاون عاليا بين مختلف الأجهزة، لتقديم الخدمات للمواطنين، لافتا إلى أهمية الاستجابة السريعة لأي طارئ، بطريقة تعكس المهنية العالية التي تتمتع بها هذه المؤسسات. وأعرب جلالة الملك عن تقديره للجهود التي يبذلها جميع العاملين في غرف العمليات والميدان.

بنفس الوقت استمع جلالته، إلى إيجاز من دولة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، عن الاستعدادات والإجراءات المتخذة للتعامل مع المنخفض الجوي، لتلبية احتياجات المواطنين، والعمل بشكل متواصل على فتح الطرق سواء الرئيسية أو الفرعية في حال إغلاقها. وجرى التأكيد، خلال الإيجاز، على جاهزية المستشفيات، واستدامة الطرق المؤدية إليها، وتأمين نقل الحالات المرضية الطارئة ومرضى غسيل الكلى، وحالات الولادة، إضافة إلى تجهيز مراكز للإيواء، وفرق طوارئ ميدانية لمعالجة أية انقطاعات في التيار الكهربائي.

و هنا لا بد من تقديم الشكر لكافة القطاعات على جاهزيتها الكاملة، وعلى رأسهم القوات المسلحة والامن العام و الأجهزة الطبية و أمانة عمان والبلديات، و كذلك ادارات الطقس و الأرصاد الجوية و طقس العرب ، والتي نجحت بتوقعاتها المبنية على دراسات علمية دقيقة من خلال ما توصل اليه العلم من التكنولوجيا و من خبرات متراكمة من شباب كرسوا علمهم و خبرتهم و الدراسة والبحث من اجل خدمة بلدهم . وهم حقيقة يستحقون الشكر كل الشكر، طبعاً والشكر موصول لكافة اجهزتنا الأردنية والقوات المسلحة والامن العام بما فيه الدفاع المدني وكافة الأجهزة المعنية والمتطوعين على طول المملكة وعرضها.

نعم أستطيع ان أؤكد ان الحكومة اثبتت نجاحاً غير مسبوق في ادارتها لازمة الحالة الجوية بامتياز. وبالتالي عندما يكون لدينا عقل مفكر يمتلك العلم والخبرة والإدارة الحصيفة والتشبيك والتنسيق على أعلى المستويات، والتعاون بين كافة الأجهزة المعنية وتعاون كافة الاردنيين والتزامهم بتعليمات وإرشادات الحكومة. وبالتالي نعرف اننا بدأنا نحسن الإدارة ونحسن التعامل مع الازمات وادارتها من قبل الأجهزة الحكومية والتي تتمتع بالكفاء وحسن التقدير وبعد النظر.

من هنا كان هنالك ترقب من كافة المواطنين الأردنيين، هل توقعات الطقس من خلال المسؤولين في الأرصاد الجوية وطقس العرب صحيحة، وعلى الجميع ان يأخذ استعداده وتجهيزاته لمواجهة تطورات الحالة الجوية. وبالتالي لوحظ ان الحكومة وكافة الأجهزة الرسمية اخذت كل التوقعات والاحتمالات الصادرة عن دائرة الأرصاد الجوية وطقس العرب بمنتهى الجدية، واتخذت القرار المناسب. وهذا القرارات عبرت عن ان عملية الإصلاح الإداري تسير جنباً الى جانت مع عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان هنالك رضاء عام من كافة المواطنين بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة.

و بالتالي فان مفهوم ادارة الأزمات ” Crisis Management” ‏ هو الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث ، و هذا ما قامت به الحكومة الأردنية من خلال متابعة الأحوال الجوية منذ بداية الجبهة الهوائية في منطقة البحر المتوسط ، وقراءة متأنية لسيناريو الحالة الجوية المتوقعة عند دخولها للمملكة . لانه كما عهدنا في السنوات السابقة، ان التعامل مع الأزمات بطرق غير مدروسة يأخذنا الى حالة من التخبط وجني نتائج لا يحمد عقباها. فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار. ففي الأحداث التاريخية الكبرى نجد انه بين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الأذهان وتشعل الصراع وتحفز الإبداع وتطرق فضاءات بٍكر تمهد السبيل إلى مرحلة جديدة، غالبا ما تستبطن بوادر أزمة أخرى.

من هنا في ضوء التقدم التكنولوجي والعلمي ” علم الانسان ما لم يعلم “، و التشبيك العالمي و خاصة في موضوع التغير المناخي و الأحوال الجوية ، فقد تولدت تقنيات رقمية جديدة من خلال الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الخارجي ، و خبرات متراكمة في التوقعات والاحتمالات لتوقع حالة الأحوال الجوية سوآء على مستوى الأردن او المنطقة او العالم بشكل عام في ضوء سرعة الاتصالات و معرفة أحوال الطقس حول العالم . وبالتالي بدأت الدول تعد العدة لمواجهة الازمات قبل حدوثها او وصولها باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، وهذا حقيقة ما نجحت به الحكومة الأردنية بإدارة ازمة الحالة الجوية الراهنة.

لقد انعم الله على الأردن بثلوج وامطار الخير، وبالتالي يتطلب التعاون التام بين كافة الأجهزة وبين الحكومة والمواطنين من اجل استغلال هذه الموجة من امطار وثلوج الخير لمليء السدود والابار وزيادة مخزون المياه للشرب والزراعة. علاوة على ذلك، لا بد من متابعة الاضرار التي تسببتها موجة الثلج سوآء بما يتعلق بالطرق والحفريات والانهيارات وتكسر الأشجار وأسلاك الكهرباء واية اضرار أخرى نتيجة تساقط الثلوج من ممتلكات خاصة او عامة. علاوة على ذلك مضاعفة الجهود على المستوى الرسمي والقطاع الخاص لتعويض أيام العطل بسبب العاصفة الثلجية.

إن مواجهة الأزمات والحالات الطارئة سواء بالاستعداد لها أو توقعها أو التعامل معها إذا ما حـدثت يضع على كاهل الحكومة بإداراتها ووزاراتها المختلفة العبء الأكبر و ذلك بهدف توفير الحماية الشاملة للأفراد والمنشئات و خاصة الطرق والمواصلات والحالات الطارئة ، لذلك كان لزاما على الحكومة وضع خطة شاملة توضح مراحل إدارة ازمة الحالة الجوية لمواجهة الكوارث لا قدر الله والحالات الطارئة التي قد تتعرض لها و كيفية التصرف فى مواجهة بعـض الأزمـات وقت حدوثها، وخاصة وضع وإصدار التعليمات والإرشادات الواجب إتباعها تجنباً لحدوث إشكاليات نحن بغنى عنها .

إدارة الأزمات هي عمليات إدارية تعمل على توليد ردّة فعل استراتيجية للأزمة، حيث تكون بعد أن يقوم مجموعة من الإداريين المحترفين وأصحاب الخبرة باستخدام مهاراتهم، فيقومون بتحديد بعض الإجراءات اللازمة، للحيلولة دون حدوث خسائر لا قدر الله او العمل على تقليل الاضرار التي تحدث نتيجة تساقط الثلوج والامطار وخاصة ساعات الليل وحالات الاندماج الصباحية.

وبالتالي نخلص هنا الى ان إدارة الازمة تعني رفع مستوى الكفاءة ورفع قدرة النظام على صنع القرار، لكي يتم التغلب على معوقات الآلية البيروقراطية الثقيلة التي قد تكون سبب عدم قدرتها على مواجهة الأحداث والتغيرات المتلاحقة. وبالتالي الإدارة الناجحة للأزمات تخرج المؤسسة / الوزارة من حالات الترهل الإداري والاسترخاء، و تقلل من خطورة الكوارث الطبيعيّة اخذين بعين الاعتبار مواطن الضعف في البنية التحتية التي قد تكون سبباً في سوء إدارة الازمات و التي تتمثل بـ :

العمل على تصميم الأبنيّة والمُنشآت وخاصة الشوارع والبنى التحتية وفق الأساليب المُتَّبعة، واختيار مواد بناء جيدة ومُتطورة، والصيانة المستدامة لحمايتُها من التقلبات الجوية وخاصة السدود والجسور والطرقات والاودية والأنهار والحدائق العامة، علاوة على الثقافة الاجتماعية باتباع تعليمات وإرشادات الدولة. علاوة على تفعيل أجهزة الإنذار الخاصَّة بالكوارث والمخاطر البيئة قبل حدوثها. واعتماد نشرات جوية خاصة لمُراقبة التطورات والتقلبات الجوية من خلال الاشتراك في برامج تنبيهات الطَّقس وتطبيقات الهواتف الذكيّة التي تقوم بتوفير عدد من المعلومات اللازمة لتفادي التهديدات المُحتملة، ووجود ثقة مُتبادلة بين المجتمع والجهات المسؤولة ووسائل الإعلام المحليّة. وزيادة وعي الناس حول كيفيّة التعامل والتصرُّف أثناء وقوع الازمات.

نعم كانت ازمة عاشها الأردن والمنطقة، والفرق بين هذه العاصفة والعواصف السابقة، نجحت الحكومة ونجح المواطنون الأردنيين بإدارة هذه الازمة بامتياز لغاية الان ، ونتطلع ان يكون ختامها مسك و خير و بركة ، و موسم زراعي بامتياز ، و مخزون مياه استراتيجي لا يحيجنا لاحد “سواء بحسن نية او بغيرها ” . حفظ الله الأردن وقيادتنا الهاشمية الحكيمة، وادام المولى عزو جل على مملكتنا الحبيبة كل الامن والأمان ورزقنا من الثمرات.

ajlouni@hotmail.comمركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.