العتبة الانتخابيّة والأحزاب السياسيّة


د .عريب هاني المومني

=

تُعتبر العتبة الانتخابيّة أو نسبة الحسم أحد الآليات التي تُستخدم لتنظيم العمليّة الانتخابيّة، فالعتبة الانتخابيّة هي الحد الأدنى لعدد الأصوات أو النسبة المطلوبة لكي يبدأ ممُثّلو الأحزاب بالتنافس على مقاعد المجلس النيابيّ، فعلى سبيل المثال إذا كانت العتبة الانتخابيّة في النظام الانتخابيّ لدولة ما هي 5٪، فإنّ أيّ حزب يحصل على أقل من 5٪ من أصوات المُقترعين فإنّه لن يُنافس على مقاعد المجلس النيابيّ.
وبالتالي فإنّ العتبة الانتخابيّة تُمثّل حاجزاً يجب على الأحزاب السياسيّة تجاوزه؛ للتنافس على مقاعد المجلس النيابيّ، ومن ثمّ الحصول على مقاعد في المجلس. وتختلف قيمة العتبة من دولة إلى أخرى، وتُعتبر تحدّياً كبيراً أمام الأحزاب السياسيّة الصغيرة التي قد تجد صعوبةً في تحقيق الحدّ الأدنى من الأصوات المطلوبة، فهي بمثابة قيدٍ قانونيّ على وصول الأحزاب الصغيرة إلى المجلس النيابيّ، وقد يكون للعتبة الانتخابيّة انعكاس سلبيّ على التمثيل السياسيّ وديمقراطيّة العمليّة الانتخابيّة.
فقد تؤدي العتبة الانتخابيّة إلى تقليل التنوع السياسيّ في المجلس النيابيّ، حيث تزيد من فرص الأحزاب الكبيرة في الفوز بالمقاعد في المجلس النيابيّ على حساب الأحزاب الصغيرة، وبالتالي فإنّها تنعكس سلباً على التمثيل الفعّال لفئات معيّنة من الناخبين، وتنوّع الآراء والأفكار المُمثّلة في المجلس النيابيّ، ممّا يقلل من شموليّة المجلس وشرعيّته، حيث تُعرّف الشرعيّة وفقاً لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر على أنّها تطابق قيم النظام السياسيّ مع قيم الناس أو درجة الرضا العام عن الإجراءات والسياسات والقوانين التي تصدر عن الجهات المختصّة.
علاوةً على أنّ العتبة الانتخابيّة قد تُؤثّر على قدرة بعض الناخبين على إيصال آرائهم إلى المُشرّع، وصانعي القرارات وواضعي السياسيات؛ لعدم وصول ممثّليهم إلى المجلس النيابيّ، وهذا ينعكس على مبدأ المساواة في الحقوق الانتخابيّة، ممّا يُؤدّي إلى تراجع الديمقراطيّة التمثيليّة، التي تُعدّ من أهم أركانها احترام حقوق الفرد وحريّاته.
وعلى الرغم من هذه الآثار السلبيّة للعتبة الانتخابيّة على الأحزاب السياسيّة الصغيرة، إلّا أنّه يُمكن خلقُ فرصٍ من هذه التحدّيات، وتحويلها إلى إيجابيّات. فقد تُساهم العتبة الانتخابيّة في تقليل الانقسامات السياسيّة، وتعزيز الاستقرار في المجلس النيابيّ، حيث يقلّ عدد الأحزاب المُمثّلة في المجلس النيابي، وهذا يُسهّل من عمليّة صنع القرار.
كما قد تدفع العتبة الانتخابيّة الأحزاب الصغيرة إلى الاندماج مع أحزاب أخرى أو تشكيل تحالفات مستدامة؛ لزيادة فرصها في تجاوز العتبة، وهذا يضمن تمثيل عدد أكبر من الناخبين داخل المجلس النيابيّ، ويمنح المجلس شرعيّةً سياسيّة أكبر.
وعليه، تظلّ العتبة الانتخابيّة موضوعاً مثيراً للجدل في النقاش السياسيّ، حيث تحمل مزايا وتحدّيات في الوقت ذاته. ومن الضروريّ اعتمادُ قيمة للعتبة تتناسب والبيئة الانتخابيّة ومختلف ظروف الدولة – سواء الظروف السياسيّة، القانونيّة، الاجتماعيّة، الثقافيّة، الاقتصاديّة، وحتى التاريخيّة -، كما يجب مراجعة وتقييم هذه العتبة بعناية؛ لضمان التمثيل العادل للناخبين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.