المرصد الاجتماعي الأردني


الدكتور موفق العجلوني

 

بقلم   السفير  الدكتور موفق العجلوني 

المدير العام

مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

 ============ 

 

 بدأت تظهر لدينا في المجتمع الأردني والمجتمعات العربية والعالم بشكل عام العديد من المشكلات الاجتماعية و تتفاقم دون المقدرة على إيجاد حلول لها من حيث معرفة أسبابها، أو الظروف التي تنتجها، الامر الذي أصبحت الدول عاجزة عن إيجاد حل لهذه المشكلات الاجتماعية ، علاوة على عدم ايجاد استراتيجيات او سياسات  قصيرة الاجل او بعيدة الاجل لحلها ووضع حد لتفاقمها .

 

هناك العديد من المشكلات التي يمكن سردها في هذا المجال و منها ما هو طابع مأساوي حقيقة مرتبط بجوانب إنسانيةً وعائلية واجتماعية، أو تشكل خطراً متزايداً على المجتمع أو على النسيج الاجتماع بشكل عام .

 

ومن ابرز هذه المشكلات : الفقر والبطالة  و تعاطي المخدرات، وحوادث السير، والخسائر البشرية الناتجة عنها، وتزايد حالات الانتحار وجرائم القتل العمد و العنف ضد المرأة  ، و التسول و غيرها . كل هذه الظواهر حقيقة مقلقة جداً، وهي في تزايد مستمر ، ولا توجد حتى الان سياسات متكاملة للتعامل معها منفردة أو مجتمعة ، و على الرغم من وجود جهود كبيرة من الدول لمواجهة هذه المشاكل و إيجاد حل لها او على الأقل التخفيف منها و القضاء عليها. ومن هنا بات من الضروري وجود نظرة شمولية لدراسة هذه المشكلات والتعامل معها بشكل علمي ومؤسسي.

 

 

و بالتالي بات على الدولة و المؤسسات الرسمية و خاصة وزارات التنمية الاجتماعية في الأردن ووزارات تنمية المجتمع في العالم العربي و الدول الأخرى، و التفكير خارج صندوق الوسائل والسبل التقليدية، وعدم الانتظار أكثر، والتعجيل في انشاء  ” مرصد اجتماعي”  ، تكون مهمته دراسة كل هذه  الظواهر والقضايا و المشاكل  بهدف الوقوف على الظروف والملابسات التي تحيط  بها ، وتحديد الأسباب التي تؤدي إليها، ووضع الحلول الفورية على المستويين القريب والبعيد  من اجل معالجتها .

 

هذه المشكلات موجودة بكل الدول ، و هنالك دول اما انها قامت بإنشاء مرصد اجتماعي مثل تونس والمملكة العربية السعودية ، و هناك دول تفكر بأنشاء مرصد اجتماعي مثل دولة الامارات العربية المتحدة .و اعتقد هنالك دراسات قامت بها بعض الجهات و خاصة مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية حول انشاء مراصد اجتماعية . ويمكن لوزارة التنمية الاجتماعية والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة في الأردن الاستفادة من هذه الدراسات والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لأنشاء مثل هذا المرصد، والذي يتولى عملية الدراسة والبيانات الإحصائية والوقوف على الأسباب الحقيقية وراء كافة المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات خاصة في عالمنا العربي كون الدول العربية تشتبك فيما بينها في العديد من هذه المشاكل. و ممكن ان يكون هنالك تعاون وثيق في تأسيس مرصد اجتماعي عربي منبثق عن جامعة الدول العربية ايضاً .

 

وهذا الامر سوف يشكل بداية للمعالجة المنهجية لهذه المشكلات على المستوى القطري بداية، ثم على المستوى العربي يشارك فيها الخبراء والمختصون من خلال تحديد المشكلات، والوقوف على أسبابها ومسبباتها وإيجاد الحلول العملية لها بأسلوب علمي مدروس.

 

وقد اشارت بعض المعلومات الصحفية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل سنوات عن قرب إنشاء مرصد اجتماعي خليجي لمعالجة المشاكل الاجتماعية من خلال الإطار الوطني إلى الإطار الخليجي المشترك. و جاء في بيان صادر عن المكتب التنفيذي لمجلسي وزراء العمل والشؤون الاجتماعية دعا فيه إلى ضرورة وجود شبكة الحماية من المخاطر والآليات الواضحة لها لإدارة المخاطر الاجتماعية في دول مجلس التعاون .

 

وبين المصدر أن إدارة المخاطر الاجتماعية تتمثل في ”مرصد اجتماعي” يتولى مسؤولية تحديد أولويات المخاطر على المستوى الخليجي ضمن الأولويات الموجودة واشتراطات المركز الذي يحدد طبيعة الجهات التي ستندرج تحت لواء هذا المركز، إضافة إلى موضوعاته والمؤشرات الكمية والنوعية للقياس، على اعتبار انه الضامن لسياسات اجتماعية ناجحة مبينة على معطيات الواقع الخليجي مرصود على إدارة الأزمات الاجتماعية المتوقعة بناء على المؤشرات، وأن هنالك توجه لتحويلها من الإطار الوطني إلى الإطار الخليجي المشترك، وبيئات العمل في المنطقة.

و من هنا لا بد ان تقوم مراكز الدراسات والأبحاث سوآء الحكومية منها او التابعة للجامعات الرسمية والخاصة  او المستقلة مثل ” مركز فرح الدولي للدراسات والابحاث الاستراتيجية ” و ” مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية ، و مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، و مركزالامارات للسياسات ،  بإصدار سلسلة من الدراسات الاجتماعية بعنوان ”قضايا السياسات الاجتماعية ، ، و من خلالها يمكن الانتقال الى  مفهوم السياسات الاجتماعية في ضوء السياق المجتمعي العام والسياق الرسمي الوزاري والتعرف على محدداتها الكمية والنوعية في تحقيق التنمية البشرية والإطار القانوني للسياسات الاجتماعية وأهمية إدماج المسؤولية المجتمعية في السياسات الاجتماعية وكيفية إدارة المخاطر الاجتماعية، إضافة إلى رسم السياسة الاجتماعية لتمكين الاسرة سواء في الأردن او في الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية  ، وتأهيل دورها التنموي خارج نطاق الرعاية التقليدية وعرض للتجارب الدولية الرائدة في السياسات الاجتماعية.

و حسب الدراسة التي صدرت عن مركز فرح الدولي للدراسات و الأبحاث الاستراتيجية ،   يجب على الدول العربية  توفير المتطلبات  اللازمة لإدارة المخاطر الاجتماعية ، و في مقدمتها رؤية وفلسفة لتقوية “رأس المال الاجتماعي” و أن يكون لدى أصحاب القرار  الاستعداد للمراجعة النقدية لمفهوم السياسة الاجتماعية القائمة حاليا، وتحليل الفجوات بين الذين يملكون والذين لا يملكون من جانب آخر . و إلى ”ضرورة وجود شبكة الحماية من المخاطر والآليات الواضحة لها لإدارة المخاطر الاجتماعية .

و من خلال زياراتي المتعددة الى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهي على قناعة تامة بقدراتها تحقيق مبدأ التنمية المستدامة لشعوبها، من حيث تجسيد الاهتمام برسم السياسات الاجتماعية من خلال وضع المشاريع والبرامج وتنفيذها بما يؤدي إلى إقامة المجتمع الآمن على النحو الذي يكفل الاطمئنان والاستقرار لحاضر ومستقبل المواطنين، وبناء الخطط الضامنة لمواجهة أي خطر قد يحدق بالمجتمع بشكل عام .

و هنا لا بد من الإشادة بالدور الكبير لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لما يقوم به من دراسات وابحاث وتوصيات في هذا المجال و ترفع هذه التوصيات الى أصحاب القرار حيث يتم اعتمادها و الاخذ بها .

و بالتالي لا بد من الشراكة بين بين مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية من جهة و مؤسسات التنمية الاجتماعية و الشؤون الاجتماعية ووزارات العمل من جهة أخرى ، لتقديم منظومات متكاملة ” مرصد اجتماعي ” يمكن أن يطلق عليها ”شبكة أمان اجتماعي” للمواطن ، و ضرورة توفر هذه الشبكة لمساندة أفراد المجتمع  اجتماعيا واقتصاديا .

 

 

ونتيجة للأوضاع التي يمر بها الاردن الان سواء الصحية ام السياسية ام الاقتصادية ام الاجتماعية، بات من الضروري انشاء مرصد اجتماعي أردني يقوم على دراسة الواقع الاجتماعي الأردني والخروج بتوصيات ترفع لصاحب القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة كافة القضايا الاجتماعية التي تهم المجمع الأردني. ويهدف هذا المرصد الى اثراء العمل بالبحوث والمعلومات التي تدعم بناء القرار على أسس علمية واحترافية في إطار من الشراكة المستدامة بحيث يتسم هذا المرصد بالأسلوب المنهجي والموضوعية والشراكة والعمل بروح الفريق الواحد، من اجل تقديم حلول علمية تلبي احتياجات المجتمع الاردني والتي تسهم في استقراره وتطويره. علاوة على تقديم الحلول التشريعية والقانونية وتعزيز وتقوية الشراكة مع صاحب القرار الخيري والجهات ذات العلاقة.

 

سوف تكون اهم مسؤوليات المرصد تحديد الأولوية في طرح القضايا الحساسة داخل المجتمع المحلي، وذلك عبر لجنة متخصصة، تقوم بوضع الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بالبحوث والدراسات المسحية اللازمة لكل قضية اجتماعية على حدة.

وبات من الضروري انشاء هذا المرصد ليساهم في رصد القضايا والمشكلات الاجتماعية التي تشغل بال المجتمع الأردني، إذ سيقوم بتحليلها وقراءتها بمنظور علمي بحت، الأمر الذي سيمكّن المركز من وضع التوصيات والحلول المناسبة، ووضعها بين يدي جهات الاختصاص وأصحاب القرار، ليكونوا على رؤية مستقبلية بكيفية التعامل مع أي قضية تستجد داخل المجتمع الأردني .

و سوف يبشر هذا المرصد بمستقبل بحثي على أسس واقعية، تساهم في حصر القضايا حصراً علمياً، خاصة عندما يتم التعاون مع الجامعات الأردنية الرسمية و الخاصة و مراكز البحث العلمي .  وإن كانت الجامعات منذ سنوات طويلة لديها العديد من الدراسات الاجتماعية، التي تتناول الكثير من القضايا المهمة في مجتمعنا، إلا أنها – للأسف – الشديد تظل حبيسة الأدراج، ولا يتم تفعيل توصياتها ذلك التفعيل الذي يخدم المجتمع بقضاياه المختلفة! وهذه مشكلتنا القائمة مع كثير من الدراسات التي تُطبق من خلال الكثير من الباحثين في الجامعات، مثل ما يُطبق على فئات وزارة الشؤون الاجتماعية، وغيرها من الجهات ذات الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والأسرية، لكن لا نرى أي تغير إيجابي على واقع أو مستقبل تلك الفئات التي تم تطبيق البحوث و الدراسات و المسوحات الاجتماعية عليها .

هناك الكثير من القضايا الاجتماعية عُقدت من أجلها المؤتمرات والندوات وورش العمل ولجان وزارية متخصصة، لكنها ما زالت مُعلقة بنتائجها وتوصياتها، والكثير ما زال يجهل هل ما زالت في مستوى الأهداف المرسومة ام لا ، أم تطورت لمستوى الأهداف المرجوة ، وهل ما زالت في مستوى الدائرة الاجتماعية أم تطورت إلى مستوى الدوائر الأخلاقية والجنائية التي تُعتبر الأخطر على المستوى الأمني للبلاد… !

 فهذه التساؤلات والتحليلات التي لا تستند لمراجع علمية ثابتة هي التي أساءت للجهود العلمية البحثية في جامعاتنا المختلفة، وأساءت أيضاً للجهود المهنية على مستوى وزاراتنا المختلفة، وأساءت أيضاً لمستوى مشاركاتنا العلمية في المناسبات الخارجية والداخلية عندما نردد دائماً بدون مرجعية واضحة تجاه إحصائية أي قضية حساسة محلية بأننا لا نملك الإحصاءات الموثقة تجاهها ولا نستطيع بالتالي رصد حجم تلك القضية، بالرغم من الجهود البحثية السنوية .

 و بالتالي اصبح من الضروري ” و نحن على مشارف مئوية  الدولة الأردنية  الثانية ” انشاء المرصد الاجتماعي الأردني، الذي سيعالج الكثير من الإشكالات البحثية تجاه قضايا الوطن، خاصة تلك القضايا التي تتعرض للتضخيم والتهويل، وتسيء لواقعنا الاجتماعي ، مثل :  الفقر  والبطالة ، والطلاق، وحقوق المرأة ،و جنوح الأحداث، والادمان على المخدرات ، وخدمات رعاية المسنين، ، والتسول ، إلى غيرها من القضايا التي ما زالت توصياتها الجادة مُعلقة إنْ وُجدت، لكننا نأمل ترجمتها لما يخدم استقرار المجتمع الأردني بشكل جاد و عملي . و الأردن والاردنيون يستحقون كل الخير و الشعور بالأمن الاجتماعي والامن الاقتصادي والامن النفسي، وعندها يتحقق الامن الشامل .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.