المسيرات الإيرانية تدخل الحرب الأوكرانية


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم // مهدي مبارك عبد الله

في مواجهة الصعوبات التي يعانيها الجيش الروسي في حربه في أوكرانيا وبعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها في عتاده ومعداته وقواته أبرمت موسكو مؤخرا صفقات تسليح مع إيران في مجالات عسكري متعددة أهمها الطائرات المسيرة بدون طيار والمجهزة بقدرات قتالية عالية والتي دخلت الحرب بصورة فعلية

الدفاعات الجوية للجيش الاوكراني تمكنت يوم الثلاثاء 13 أيلول الجاري من إسقاط احدى الطائرة المسيرة الإيرانية الصنع التي تعرف باسم شاهد 136 والتي استخدمتها روسيا خلال حربها ضد أوكرانيا وتحديدا بالقرب من كوبيانسك وحول خاركيف على الجبهة الشرقية ويعتقد على نطاق واسع أن صفقة المسيرات المفترضة قد تمت بمقايضة الغذاء مقابل المسيّرات

استخدام هذه الطائرات وفي هذه المرحلة بالذات يظهر كثافة التعاون والتنسيق وعمق العلاقات بين طهران وموسكو في مجالات عدة كالطاقة والأسلحة والعتاد نوعي والطائرات المسيرات خاصة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس بوتين إلى طهران في تموز الماضي لعقد قمة حول سوريا مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث تراهن طهران على استثمار الحرب الأوكرانية عبر إعلان استعدادها لتصدير عتاد عسكري وأسلحة إلى روسيا لدواعي الضغط على واشنطن من خلال دعمها لموسكو لتقديم تنازلات من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015

في البداية نفت إيران مزاعم أميركية تحدثت عن استعدادها لتصدير طائرات مسيرة قادرة على حمل صواريخ إلى روسيا وادعت انها لن تمد بالسلاح اي من طرفي الحرب الأوكرانية لكن لاحقًا تفاخر حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني بـتسليح إيران للقوى العظمى في العالم مثل روسيا كما ان أجهزة المخابرات الأميركية في تموز الماضي حذرت علنًا من أن طهران تخطط لإرسال مئات الطائرات المسيرة التي تحمل قنابل موجهة إلى روسيا لمساعدتها على مهاجمة القوات والمنشئات الأوكرانية

منذ يونيو حزيران الماضي زار وفد روسي قاعدة كاشان الجوية التي تبعد 200 كيلومتر جنوب طهران مرتين لفحص الطائرات المسيرة ورغم أن القوات الروسية وجدت عيوب في الاختبارات الأولية للطائرات الإيرانية وهو ما تسبب في استياء روسيا حينها الا انها بسبب حاجتها الماسة لهذا النوع من المسيرات ولأهميتها في عمليات الاستطلاع والهجوم وتحديد الأهداف والتعامل معها عقدت اتفاق مستعجل لشراء 1000 طائرة منها على ان تقوم إيران بتأهيل ضباط روس على تشغيلها واستخدامها على أن تبدأ أولى دورات التدريب في وقت مبكر من شهر تموز

أوكرانيا بسبب قرار طهران بتزويد القوات الروسية بطائرات مسيرة قررت خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران حيث وصف الرئيس الأوكراني زيلينسكي الخطوة بأنها تعاون مع الشر ستكون لها عواقب وخيمة كما اعتبر تزويد إيران لروسيا بالأسلحة لشن حرب ضد بلاده عمل عدائي يوجه ضربة قاسمة للعلاقات بين كييف وطهران;ddt

في خطاب متلفز قبل أيام قليلة أعلن الرئيس زيلينسكي ان القوات الأوكرانية اسقطت حتى الآن ثماني طائرات إيرانية مسيرة من طراز شاهد 136 أربع منها سقطت فوق البحر بالقرب من ميناء أوديسا يوم الجمعة الماضي كما أسقطت لأول مرة طائرة من طراز مهاجر 6 وهي طائرة إيرانية مسيرة أكبر حجم ويمكن تفخيخها وقد اثبتت نجاحها وقدراتها الكبيرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن والامارات كما استخدمت في الهجوم على منشآت نفطية سعودية في عام 2019 أدى في حينه إلى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى مستوى قياسي

الطائرات المسيرة الإيرانية أصبحت تشكل سلاحا حاسما في المعارك الجارية بين الجيش الروسي والقوات الأوكرانية كما تساعد عناصر القصف المدفعي على تحديد الأهداف والقيام بمهام الاستطلاع وتنفيذ الضربات المحددة الهدف وهي تثير قلق الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تتهمان طهران بتزويد حلفائها في الشرق الأوسط بهذه الطائرات واستخدامها لاستهداف القوات الأميركية في سوريا والعراق بالإضافة الى حركة الملاحة في الخليج

روسيا تمتلك ترسانة كبيرة من الطائرات المسيرة وإن وصول الطائرات الإيرانية يمكن أن يساعد موسكو في سد النقص في نظام أسلحة رئيسي تكبد خسائر فادحة في الصراع المستمر منذ عدة شهور وإن استلام روسيا للمسيرات يمثل اعترافا مهما بأن قدراتها محدودة قي ظل مؤشرات مختلفة تدل على بدء نفاذ القذائف والأسلحة الدقيقة لدى القوات التي تدعمها روسيا مع نقص واضح في الامدادات والأغذية والوقود وعجز في القيادة والسيطرة

اختيار روسيا لإيران كمصدر للطائرات المسيرة أمر منطقي لأنه على مدار العشرين عام الماضية أو أكثر كانت إيران تطوير قوتها القتالية من الطائرات المسيرة التي شاركت في عمليات قتالية ناجحة في أكثر من مكان حيث أحدثت فوضى ودمار في كثير من المواقع ومنذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين خلال الحرب ضد العراق (1980-1988) عملت إيران على تطوير برنامج طائراتها المسيرة لتعزيز وضعها كقوة عسكرية مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط

وقد سبق للقوات الإيرانية أن اختبرت أنواعا مختلفة منها في مناورات عسكرية وأن إيران تتباهى بفخر بموقعها كمركز لتصنيع الطائرات المسيرة في المنطقة كما طورت طهران العديد من المسيرات خلال العقود الماضية من أهمها شاهد 129 التي تشبه إلى حد كبير الطائرة من دون طيار أميركية الصنع من طراز بريداتور والتي تستخدم في العمليات العسكرية وعمليات مكافحة الإرهاب في الخارج

أثناء العرض العسكري الذي جرى بمناسبة يوم الجيش في طهران يوم 18 نيسان الماضي استعرض رئيسي من منصته مرور أكثر من 12 نوعا من الطائرات المسيرة حيث بلغ مجموع المسيرات المشاركة أكثر من 50 مسيرة بينها مسيرات انتحارية وفي مرات عديدة أبدت طهران استعداها لتعوض نقص المخزون الروسي من المسيرات وتأمين دعمها لموسكو في مواجهتها مع واشنطن وحلفائها الإقليميين من خلال تعزيز قدرات موسكو على تحديد أنظمة المدفعية الغربية والأسلحة الأخرى وتدميرها وهذه الخطوة ستكون مهمة لفتح أسواق جديدة لمسيّراتها

العديد من شبكات تهريب الأسلحة كانت تنقل إلى روسيا قذائف صاروخية مضادة للدبابات وأنظمة قاذفات صواريخ برازيلية التصميم عبر العراق من خلال الميليشيات المتحالفة مع إيران التي تسيطر على معظم المناطق الحدودية مع إيران ناهيك عن الطائرات المسيرة التي كانت تصل جوا او بالسفن عبر الموانئ الى روسيا

وزارة الخزانة الأميركية فرضت مؤخرا على الحرس الثوري الإيراني وعدد من الشركات الإيرانية سلسلة عقوبات بالإضافة الى تجميد أصولها وممتلكاتها في الولايات المتحدة لتورطها في تزويد روسيا بمسيرات حربية لاستخدامها في غزوها لأوكرانيا خاصة بعض الطائرات المسيرة مثل تلك التي يستخدمها حزب الله اللبناني والتي يمكنها أن تحمل 150 كيلوغرام من القنابل والصواريخ والمتفجرات الاخرى

المسيرات الإيرانية يمكن وصفها بانها عبارة عن راجمات صواريخ جوية دقيقة ومتحركة تعمل بنظام جي بي اس غزيرة الرمي ودقيقة الهدف فضلاً عن كونها متحركة بشكل كبير حيث تقصف ثم تنسحب خلال دقائق وهو ما يعطل اي رد مدفعي عليها وان هذا النوع من الطائرات يتيح لجميع القطاعات المناورة بحرية على طول جبهات الحرب من خاركوف إلى خيرسون وإحداث تأثير كلي في جميع الجبهات

في الآونة الأخيرة ساعدت الطائرات الإيرانية المسيرة وحدات الجيش الروسي على إدارة مسرح العمليات ومطاردة القوات الاوكرانية وتحديد أماكنها من خلال التصوير والبث المباشر لتجمعاتها أو الدخول إلى موجات الاتصالات بالإضافة إلى تحديد مواقع المدفعية وتوجيه نيران القوات المدافعة وتصوير مواقع الوحدات المعادية بالإضافة إلى إمكانية مواجهتها للحرب الإلكترونية والاستفادة منها في مراقبة المناطق الحدودية وتهيئة خرائط المسح الجغرافي لهذه المناطق

إيران تمتلك عشرات الأنواع من المسيرات لكن الحرب في أوكرانيا تجعل الطائرات التي تحتاجها روسيا من إيران محددة في نوعين أكثر من غيرها الأول من طراز شاهد 136 التي نفذت أخيرا ضربات مدمرة استهدفت مدافع هاوتزر وعربات مدرعة في شرق أوكرانيا حيث تتميز بصغر حجمها وقدرتها على الطيران على ارتفاعات عالية ومنخفضة جدا وامتلاكها قدرة فائقة على المناورة وأجهزة تشويش ودقة عالية في الوصول الى الهادف وهو ما يصعب التصدي لهذه المسيرات التي يصل مداها الفعلي إلى ما بين 2000 و2200 كيلومتر وتعمل على علو منخفض حيث لا تستطيع الرادارات اكتشافها

اما النوع الثاني فهي طائرات كرار 19 المزودة برشاش سداسي المواسير وصواريخ جو– جو يتم توجيه رؤوسها القتالية بالأشعة تحت الحمراء وهي أول طائرة نفاثة مسيرة في العالم يصل مداها الى 3000 كلم وتعمل بنظام مراقبة دقيق وتصيب الأهداف عبر القصف بالقذائف او إلقاء نفسها على الهدف وامام كل هذا التفوق العسكري سيبقى ميزان القوى في هذا الجانب متفوق لصالح روسيا الى ان ن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تزويد أوكرانيا بتقنيات أكثر تقدماً لمكافحة هجمات الطائرات المسيرة أو التدخل لتعطيل شحنات الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا

هذه الطائر ذات اجنحة من نوع الدلتا فور استلامها تعمل القوات الروسية على إعادة طلائها بألوان العلم الخاص بها وتعيد تسميتها بـ ( إبرة الراعي ) كما ان دخولها الحرب بهذه القوة يسلط الضوء على أوجه القصور في برنامج الطائرات بدون طيار الروسي والذي لم يكن قادراً على مضاهاة القوة النارية لطائرات الدرونز بدون طيار التركية من طراز بيرقدار التي نشرتها أوكرانيا في بداية الحرب ودمرت ارتال من المدرعات الروسية

السؤال في النهاية يمكن للمسيرات الإيرانية ان تغير من سوء إدارة روسيا لهجومها على أوكرانيا مقابل الأوكرانيين الذين لا يوازون الروس عددا وعتادا لكنهم منعوا بقوة سلاح الجو الروسي من السيطرة على الأجواء والأرض بعدما دمر الجنود الاوكرانيون مئات العربات المدرعة وأسقطوا العديد من الطائرات وقتلوا مئات الجنود الروس

فيما شاهد العالم المئات منهم يهيمون على وجوههم عطشى وجوعى وهم يهجرون وحداتهم ويفرون من مواقعهم العسكرية وقد تم تصويرهم وهم ينهبون المتاجر والمنازل ويسرقون الدجاج من المزارع فهل يمكن القول بعد هذا الواقع ان الحرب الأوكرانية كشفت عن سر مبالغة المجتمع الدولي في تقييم حجم القدرات العسكرية الروسية الحقيقية التي وصفت دائما بانها هائلة وساحقة ولا تقهرmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.