انقذوا لبنان فقد بات على شفير الهاوية


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

ما قاله رئيس حكومة تصريف الاعمال في لبنان حسان دياب قبل ايام في كلمة له القاها امام سفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في لبنان بان بلاده على مسافة أيام قليلة من الانفجار الاجتماعي وان اللبنانيين يواجهون وحدهم هذا المصير المظلم خطير ومفزع بكل المقاييس ويوجب الفعليات الاقليمية والدولية الفزعة العاجلة والمساعدة الناجعة لتخليص لبنان الذي يشكل ( نقطة ارتكاز الاستقرار في المنطقة ) من ازماته الداخلية والحيلولة دون سقوطه في متاهات الاضطرابات والعنف وبراثن الضياع والهلا ك في المنظور القريب حيث من الصعب جدا التكهن بنتائج أي انهيار للاستقرار في لبنان خاصة في ظل وجود نحو 5ر1 مليون نازح سوري ومئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في العديد من المخيمات والمناطق الأخرى

العالم برمته اليوم لا يستطيع أن يعاقب اللبنانيين على خلافات قادتهم السياسيين أو أن يدير ظهره لمعاناتهم لأن الاستمرار في ذلك سيؤدي حتما إلى انعكاسات خطيرة قد تخرج فيها الأمور عن السيطرة بحيث يسود التشدد والعصبيات والمواجهات في حالة احتراب داخلية لا تحمد عقباه

البلاد تعاني من تضخم مفرط ( نتيجة زيادة عرض النقد في السوق مما يؤدي إلى انخفاض قيمته الشرائية ) ونقص الوقود والإمدادات الطبية وتزايد الضغط في الداخل والخارج للتعامل مع الواقع المرير حيث الانهيار في كل مكان و( كأن لبنان يواجه نهاية الزمان ) دون وجود أي افق او مسار سياسي لمعالجة الأزمات والخروج من المستنقع الذي غاص فيه الأقدام

خلال الشهر الماضي أصبح لبنان أشد ظلمة بعدما أوقفت باخرتان لإنتاج الكهرباء مولداتهما العائمة عن العمل واللتان كانتا تعززان شبكة الكهرباء الحكومية في البلاد حيث زاد انقطاع الكهرباء عن معظم المنازل لمدة ست ساعات وإضافية في اليوم الواحد مع وجود نقص متواصل في إمدادات الوقود والطوابير الطويلة تكاد تغلِق الطرق الواقعة بالقرب من محطات تعبئة الوقود وتقتصر عمليات التعبئة على 20 لتر فقط مما يجعل معظم رحلات الحصول على الوقود محفوفةً بالمخاطر

في مدينة طرابلس شمال لبنان حاصرت قوات الأمن قبل ايام مؤسسات الدولة الرئيسة بعد الاحتجاجات وأعمال الشغب ضد تدهور الظروف المعيشية مما أدى إلى إصابة العديد من المتظاهرين و10 جنود كما لوحظ أن هناك نقصًا شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية حيث لا يتوفر العلاج للعديد من الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة وحادة

العديد من اللبنانيون يرون ان الفاسدون القابعون في السلطة والذين ينخرون في مفاصل الدولة كما ينخر السوس في لُب الأشجار لا زالوا أقوياء كما كانوا دائمًا حتى بعد مرور 18 شهرًا على بداية ظهور العلامات الأولى للأزمة الاقتصادية وفي ظل تفكك وانهيار لبنان الدولة يرفض الدبلوماسيون والمسؤولون العالميون تقديم المساعدات لدواعي مختلفة بل حتى ان بعض القادة المحليين يعطلون رغبة وقدرة الدولة على الإصلاح لإنقاذ نفسها من اجل البقاء والاستمرار

بعد مرور قرابة 11 شهر على الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت في آب الماضي لم يحدث أي تقدم في محاولات تشكيل حكومة لبنانية حتى في ظل التضخم المفرط والنظام المصرفي المعطَّل والذي أدى إلى تدمير مدخرات المواطنين وانعدام الأمن الغذائي وتسارع هجرة العقول والكفاءات ناهيك عن استمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقمها وانخفاض قيمة العملة اللبنانية ( الليرة ) 16 ألفًا للدولار الواحد حيث كان الدولار الأمريكي الواحد يساوي 1500 ليرة لبنانية قبل 18 شهر مع استمرار و تمدد الفراغ في الإدارة الحكومية وانهيار الخدمات العامة وارتفاع معدل الفقر المدقع في طول لبنان وعرضها الى ثلاثة أضعاف منذ ظهور العلامات الأولى على اقتراب الاقتصاد من حافة الهاوية قبل نحو عامين تقريبا فيما اصبح الحصول على الخدمات الأساسية بما في ذلك الصحة والكهرباء والمياه والإنترنت والتعليم حلما بعيد المنال لكثير من العائلات اللبنانية

معظم السياسيين في لبنان ما زالوا غير قادرين على التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف بشأن تقاسم الحقائب الوزارية والحصص في مقاليد الحكم ويعد تصلبهم وعنادهم بمثابة اختبار عملي للآمال المعلقة على إمكانية إدارة الوزارات في المستقبل باعتبارها مؤسسات وليست إقطاعيات والغريب جدا ان جميع هذه الأوضاع لم تجد أي اهتمام أو تأثير يذكر لدى السياسيين المنكبين على حماية نظام المحسوبية الذي يقوم على الروابط الطائفية والمصالح المتبادلة التي قوضت الحكم الرشيد في لبنان لعقود طويلة

في الاساس ما ينبغي فهمه بشكل دقيق هو ان النهوض بلبنان وتطويره هي مسؤولية اللبنانيين اولا وليست مسؤولية المجتمع الدولي والهيئات العالمية والحكومات الدولية التي كانت دائما مستعدة لدعم لبنان خلال الأزمات الماضية والتي كانت أقل حدة من الأوضاع الحالية حيث ينظر إلى الكارثة هذه المرة على أنه يمكن تجنبها إلى حد كبير في معالجة قضية الحكم وصراع الزعامات السياسية والطائفية بالتوافق الوطني الشامل

بعيدا عن روح وسلوك الفظاظة التي تحلى بها قادة الحرب الأهلية والموالون لهم الذين ما زالوا يسيطرون على شؤون البلاد يتوجب عليهم ان يفهموا بان المساعدات الدولية لن تبدأ في التدفق إلا بعد إدخال اجراء الإصلاحات المطلوبة مثل الشفافية وإفساح المجال أمام البنك المركزي للتدقيق على كافة مجريات المسائل المالية في الدولة في ظل انخفاض الاحتياطات النقدية المحتَفظ بها في البنك المركزي اللبناني إلى مستويات شبه حرجة أصبح هناك استعداد أكبر في كل من لبنان والخارج لفحص النظام المشبوه الذي مهد الطريق لمثل هذه الفوضى

اضافة الى ضرورة قمع وملاحقة المخططات التي تهدف إلى ملء جيوب الطبقة السياسية من قوت وموارد المواطنين بما في ذلك بعض قادة الأمن حيث يشمل أكبر مصادر للفساد العقودَ الأساسية للبنان التي تغطي استيراد الوقود وتوليد الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية والقياسات الحيوية وجوازات السفر بعدما اصبحت في الآونة الأخيرة السلع المدعومة من قِبل البنك المركزي تباع لسوريا وفي مقدمتها الوقود والأدوية وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع اجهزة الدولة والجميع

كما يتوجب على المراهنين ايضا أن لا يعولوا كثرا على وجود خطة إنقاذ في الطريق وأن المجتمع العالمي بصفته الإنسانية والعلمانية لن يسمح بغرق لبنان ولكن ماذا لو كان مَن يعتقدون ذلك مخطئين عندها هل سيغرق الجميعً ويغرق لبنان وهل عندها ايضا سيأخذ الأشرار قارب نجاتهم السريع فارين إلى باريس

الشاهد من واقع الحال في لبنا ن ان الوضع يزداد سوءًا وقد وصف دبلوماسي أوروبي بحسب رأيه ان أزمة الوقود عملية احتيال وانه لا يوجد نقص في الوقود وان الموردون المحليون يحتفظون بالوقود على متن السفن في محاولة منهم لزيادة هوامش الربح ومن ثم يُباع هذا الوقود إلى سوريا بأسعار أعلى مما يمكن أن تصل إليه في الأسواق المحلية وتدخل هوامش الربح هذه إلى جيوب جميع أنواع اللاعبين ضمن حلقة الأنظمة نفسها والأشخاص أنفسهم الذين قادوا لبنان إلى هذا المستنقع السياسي الذي لم يشهد أي تغيير بعد وهؤلاء هم الذين من المفترض أن يخرِجوه منه لكنهم لا يريدون ذلك حيث ( لا يمكن إصلاح مشكلة ترفض نفسها الإصلاح )

لقد دعا بعض السياسيون اللبنانيون ومنهم سامي الجميل الذي استقال من مجلس النواب بعد الانفجار الذي وقع في المرفأ إلى اللامركزية الإدارية وإصلاح مجلس النواب والقوانين الانتخابية حيث قال في تصريح له ( إذا تمسّكنا بالماضي ولم نتعلم من دروس التاريخ فسوف ننهار وتواجهنا تحديات هائلة في جميع المجالات وقد حان الوقت لمواجهتها )

في ظل تراجع الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان بدأ بعض قادة البلاد المسيطرون على الحكم يواجهون مواقف مزعجة حيث فرضت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات على وزير الخارجية السابق جبران باسيل المرشح المحتمل ليحل محل والد زوجته ميشال عون في منصب الرئيس وقد ألمحت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى أنهما قد يحذوان حذو قادة آخرين في فرض عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية بما في ذلك رئيس البنك رئيس البنك المركزي رياض سلامة حيث فتحت فرنسا مؤخرًا تحقيقًا بشان مصدر ثروته في اوروبا

معظم القادة السياسيين الفاسدين في لبنان قدموا الغطاء لبعضهم البعض حتى هذه اللحظة وهم يعرفون جميعًا ماهية الصفقات الفاسدة التي أغنَت طوائف وعشائر وشخصيات بعينها ويعرفون أكثر نقاط ضعف بعضهم البعض لكنهم يلتزمون بقانون ( أوميرتا ) وهو ( قانون الصمت ) الذي كان شائع في جنوب إيطاليا ويعني عدم التعاون مع السلطات أو الحكومة أو أي جهات خارجية خاصة أثناء التحقيقات الجنائية ) وهذه نهاية نتائج سياسات غض الطرف وهذه هي النهاية المفجعة لبلد كان يسمى في يوم ما سويسرا الشرق ومصيف العالم وارض الفكر والحضارة والصحافة وإذا كان اللبنانيون يأملون اليوم بحدوث شيء واحد فيجب أن يكون هو وضع حدٍ للإفلات من العقاب

في خضم هذه الاحداث المتلاطمة تبرز الأولوية المطلقة هي الاسراع في مساعدة لبنان بتشكيل حكومة توافقية للتمكن من التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتأمين مساعدة عاجلة للبنان كي يستطيع تخفيف آلام المرحلة الصعبة والخطيرة التي يمر بها

بقي ان نقول على ملوك وأمراء ورؤساء وقادة الدول الشقيقة والصديقة والامم المتحدة وجميع الهيئات الدولية والمجتمع الدولي والرأي العام في العالم المساعدة في انقاذ اللبنانيين من الموت ومنع زوال لبنان من الوجود ويجب ان لا يغيب عن ذاكرتنا ابدا ان الريس الفرنسي ايمانويل ماكرون وعصابته ساهموا في إفساد الكثير من الأمور في لبنان

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.