اوفى من كلب


محامي محمد صدقي الغرايبة

=

قبل عدة ايام واثناء ذهابي الى طبيب الأسنان شاهدت قطيعا من الاغنام ترعى على قارعة الطريق والملفت للأنتباه ان القطيع كان يسير برفقة كلب اسود كان يقوم بواجبه تجاه الأغنام وحراستها بشكل غير مسبوق حيث يعترض المركبات المارة اما مستقبلاً او مودعا لها وكان يقوم بكل ذلك دون ان يتلقى اية تعليمات او اوامر من الراعي الكريم الذي كان يجلس على صخرة وبيده عصا من شجر السنديان يطرق بها الصخرة التي يجلس عليها دون اكثراث لما يجري حوله وكما يقال بالعامية ( لا عنده ولا عند باله ) .

الشئ الوحيد الذي اعرفه عن الكلاب التي تحرس الأغنام في القرى والارياف وفي البوادي انها تعمل بدون مقابل فلا تحصل مطلقا على راتب محدد نهاية كل شهر ولا تحصل على علاوات تخصص او صعوبة عمل ولا تطالب اصحابها بأجازات سنوية او عرضية وهي ايضا لا تذهب الى اطباء المراكز الصحية والمستشفيات كي تتمارض لتحصل على اجازة مرضية ليوم او يومين او أسبوع … فالكلب يعمل بجد لقاء الحصول على طعامه الذي ربما لا يزيد عن بضع لقيمات مما تبقى من طعام صاحبه او ربما حظي بعظمة عليها بعضا من اللحوم العالقة مما خلفته ألاسنان المهترئة لصاحبه ليتمتع على الأقل بلعق مذاق الزفر ان صح التعبير .

مشاهدتي واعجابي بنشاط الكلب اعادني الى الوراء حيث كنت مرافقا مع والدي رحمه الله في احدى المستشفيات في الفترة الليلية الواقعة ما بين الساعة الثانية عشرة ليلا لغاية الساعة الثامنة صباحا حيث استلم الشفت الليلي اربعة ممرضين بدلاً من ثمانية اي نصف الكادر الطبي الذي من المفترض ان يتواجد في قسم العناية المركزة بتلك اللحظة ومع ذلك استمر الأربعة ممرضين معا في القسم لغاية الساعة الثانية صباحا حيث غادر منهم اثنان ليخلدوا الى نوم عميق تاركين مرضى العناية الحثيثة وبقي منهم اثنان على رأس عملهم يقومون على خدمة اكثر من عشرة مرضى جلهم يعاني من أمراض مهلكة ويحتاجون الى رقابة وعناية فائقة على مدار الساعة .وما لفت انتباهي وانا اراقب هذا السلوك اللامسؤول قيام الممرضين بتبادل الادوار حيث غاب عن القسم الاثنين الذين تواجدا لغاية الساعة الرابعة ليحل محلهم من شبع نوم على حساب المرضى وبقي الامر على حاله لغاية الساعة السادسة صباحا حيث عادت الحياة الى الأربعة ممرضين وبدأوا يتراكضون من اجل تجهيز القسم للشفت القادم دونما اكتراث لصحة المرضى الذين لولا عناية الله ومتابعة مرافقيهم لكانوا ربما في عداد الموتى.

الاصل ان الوفاء من شيم البشر ومن الصفات الإنسانية لكن ان يتفوق الحيوان على بعض البشر في هذه الصفات هو امر مؤسف وفيه خروج عن المألوف وهو أمر كارثي بحق البشرية جمعاء على رأي صاحب مقولة بنشف وبموت .

دمتم بالف خير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.