جنين الثوار يوم انتصار الدم على النار


مهدي مبارك عبدالله

=

 بقلم / مهدي مبارك عبد الله

 

منذ ان خلق الله الأرض قررت مدينة جنين ألا تكون مجرد جغرافيا صامتة في حدود باهتة فقد أصبح لها شأن عظيم في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني وخصوصية كبيرة في المقاومة وهي تستند إلى إرث نضالي ممتد وطويل منذ ثلاثينيات القرن المنصرم فمن حيث الهوية كانت دوماً تحتضن العمل المقاوِم وتأوي الثوار مع بداية تشكيلات المجاهد القائد عز الدين القسام رحمه الله

وقد بقيت المقاومة فيها على قيد الحياة دون أن يخفت وميضها في اية لحظة من وجود المحتل على ثرى فلسطين كما ظلت هاجسا مقلق لإسرائيل بسبب قربها من مدن الداخل ومشاركة عدد كبير من أبناءها في العمل المسلح ضد إسرائيل

جنين العزة في الانتفاضتين الأولى والثانية يوم انتصر الدم على النار كانت دائما تتصدر المشهد الوطني بوصفها خزان للمقاومين ومعقلاً لمنفذي العمليات الاستشهادية ولم تغب جنين ومخيمها عن واجهة المقاومة يوماً وابنائها بشكل عام كانوا ولا زالوا يتسابقون للشهادة كما لو كانوا يذهبون حبا للصلاة

وهم في كل مرة يفاجِئون الاحتلال بعمليات جريئة ونوعية تثير الرعب والفزع في صفوف جنوده وتدفعه لإعادة مخططاته وعملياته حتى أصبح الاحتلال يصف جنين ومخيمها بعش الدبابير ويخشى من امتداد نموذج استنهاضها للمقاومة إلى باقي مدن الضفة الغربية المحتلة حيث تمثل جنين حالة مقاومة فريدة عصية على الانكسار والهزيمة فكل حادثة او معركة تزيدها قوة في مواجهة جرائم الاحتلال

منذ بداية العام فقدت جنين أكثر من 10 شهداء وأصيب العشرات لتسجل بذلك أعلى المدن عدداً من الشهداء والجرحى وأعلاها بعمليات المقاومة وتنفيذ كتائبها هجمات ضد نقاط الاحتلال العسكرية من حواجز وأبراج ومركبات وجنود لتصبح فعلا عش الدبابير الذي اوجع الاحتلال في معقله وقض مضجعه وأفقده التوازن وأعاد إلى أذهانه ماضي الدماء والأشلاء المتطايرة في تل الربيع خلال عمليات الانتقام التي نفذتها المقاومة في عدد من المدن الفلسطينية المحتلة

بكل مصداقية جسدتها الوقائع انه ما ان يتردد اسم جنين حتى يدب الرعب والفزع وتعلن حالة الاستنفار في كامل أجهزة الاحتلال الإسرائيلي خوفا من عملية بطولية قادمة على ايدي رجالها الابطال الذين عرفوا بعنادهم الصلب ومقاومتهم الشرسة حيث اعتاد سكان المدينة في كل ليلة على اقتحام جنود الاحتلال لملاحقة الثوار والبحث عن المقاومين الذين سطّروا أروع البطولات والتضحيات وأبنائها يرددون بين الأزقة والحارات حي على الجهاد أخرجوا ببنادقكم لملاقاة الصهاينة المعتدين واصدحوا بالهتافات والشعارات بالثأر لدماء الشهداء التي وحدت فوهات البنادق

لم يترك الاحتلال سبيل لكسر شوكة أهالي جنين واجتثاث مقاومتهم وتجفيف منابعها الا اتبعه بدأ من تصفية نشطاء المقاومة وملاحقة الفاعلين والاعتقال والحبس وهدم البيوت والابعاد الى استخدم الطائرات الحربية والمسيرة والرشاشات والمدافع والمدرعات والأليات وتشديد القبضة العسكرية واقامة الحواجز المتحركة وأعاقه تنقل المواطنين من المدينة وإليها

بالإضافة الى فرضه القيود التي تعيق سبل الرزق ومسيرة الحياة من اجل تحييد المقاومة وعزلها عن حاضنتها الشعبية ومحاولة كي وعي الفلسطينيين تجاه واقع الضفة الغربية السياسي وتجاه الاحتلال نفسه الا ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل مما يؤكد بان جنين خرجت عن سيطرة الاحتلال الذي لا يمكنه أن يقوم بعملياته كما كان معتادا عليها من قبل ذلك

أبناء ثاني أكبر مخيمات الضفة يواصلون مسيرة الشهداء والكفاح والنضال بكل الوسائل المتاحة وجنين الصامدة في كل يوم تخرج المقاومين الذين يقارعون المحتل في كل مكان حتى داخل السجون وهم يكسرون قيدهم بطريقة تهين الاحتلال ويظهرون هشاشته وضعفه وافلاسه وما اسطورة نفق سجن جلبوع وملحمة الدفاع عن المخيم عام 2002 التي استمرت 15 يوم حين قتل الاحتلال نحو 60 فلسطيني معظمهم من المدنيين ودمر أكثر من 1200 منزل كلياً أو جزئياً فيما قتلت المقاومة 50 جندياً إسرائيليا وأصابت العشرات ليست ببعيدة عنا

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبدعم من المستوى السياسي وسط حالة من الإرباك والتخبط ذات الإطار يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي ترميم صورته عبر فرض إجراءات عقابية على مدينة جنين وعزلها عن باقي مدن الضفة بإغلاق حاجز الجلمة وتشديد الحصار عليها وقمع ومنع سكانها من العبور إلى الداخل المحتل

استمرار العدوان والحصار الأمني والاقتصادي الإسرائيلي على جنين ومحاولة إنجاز نصر سريع يعيد الاعتبار للنظام السياسي والمنظومة الأمنية المهتزة دون تدخل من المجتمع الدولي ودون ضغط إقليمي على الاحتلال بكافة الطرق ودفعه لوقف استمرار العلميات العسكرية التي يعتقد أنها قد يجلب له الهدوء الوهمي والمؤقت

لكنه في المقابل يجلب المزيد من المقاومة والعمليات التي سوف تدفع المحافظات الأخرى للذهاب باتجاه محاكاة نموذج جنين وتنامي الفعل المقاوم في مدن الضفة المحتلة وهذا هو المطلوب فلسطينيا ووطنيا في إطار تطوير أداء المقاومة بكل أشكالها من خلال التحام الشعب الفلسطيني في كل محافظات الوطن والداخل والشتات

كتيبة جنين – حزام النار التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي بسواعد ابطالها ويقظة سلاحها وعملياتها النوعية لا زالت تسطر أروع الملاحم في مواجهة عربدة الاحتلال ومستعربيه وتقف لهم بالمرصاد وتستهدفهم من نقطة صفر حين اصابتهم بشكل مباشر وقصفت مواقع وحواجز قوات الاحتلال العسكرية وتجمعات جنوده قرب مستوطنة ميفو دوتان المقامة على أراضي بلدة يعبد جنوب غرب جنين بالضفة المحتلة

في رد مباشر على الجرائم البشعة التي تقترفها قوات الاحتلال بأطلاق الرصاص الحي والمطاطي والقاء قنابل الغاز والصوت والمضيئة تجاه المواطنين ومنازلهم ولا زال ابطال الكتيبة بعاهدون الجميع بمزيد من الرد القاصي على جرائم الاحتلال بضرب مراكز صناعة القرار ومواصلة الكفاح المسلح وتحمل التضحيات حتى لتحرير ونيل الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني

التحديات التي يفكر بها العدو هي ان جنين الصمود لن تستسلم ولن تستكين وستبقى عنوانا اصيلا للمقاومة والعطاء والفداء والبطولة وارادة التحدي والانتقام وامام كل ذلك لا بد من تفعيل النشاط الإعلامي التعبوي وحشد الجماهير لصالح خيار المقاومة وتشكيل فهم سياسي وعملياتي مشترك وقطع الطريق أمام جهود الاحتلال لبث الفتنة والفرقة وضرورة الاستمرار في مشاغلته والاشتباك المستمر معه وافشال عمليات توغله حتى يوقف مخططاته العدوانية

أهالي جنين الابطال لن يقبلوا ابدا ان تعلق ادران الصهاينة الوسخة على اثوابهم ناصعة البياض وهم يلفظوا كل الاجسام والعوالق العميلة والغريبة التي تحاول ان تتسلل إليهم بعدما انتزعوا حريتهم مرات عديدة ومنعوا تواجد الاحتلال داخل مدينتهم ومخيمهم والبلدات المحيطة بها بفضل مقاومتهم الباسلة والابية التي اقسمت ان لا يمر يوم أو ساعة دون استهداف وقتل جنوده الاحتلال في جنين ومخيمها ليجددوا روح الثورة ويرسموا خارطة جديدة لمستقبل الأجيال

فصائل المقاومة ومن خلال شراكة المصير هددت مرارا بانها لن تسمح بالانفراد بجنين ومخيمها والاحتلال يخشى بالتأكيد أن تتسع دائرة المواجهات وتصل إلى غزة وبالتالي يضطر الجيش الإسرائيلي الى تنفذ أنشطة عسكرية قد لا تبقي دائرة الصراع في متناول يده لأن دخول غزة على خطوط المواجهة يعد بمثابة افلاس لحكومة الاحتلال في تضييق بؤرة الأحداث وجعل كافة الأراضي المحتلة تحت نيران المقاومة وهو ما لا يسعى له العدو في هذه المرحلة المكتظة بالتعقيدات وما يطرأ عليها من متغيرات متتالية اغلبها ليست في صالحه

للعلم فقط جنين لا تقاتل وحدها وهي ليست محاصرة بل هي من يحاصر العدو الصهيوني وتغلق عليه أبواب الجيتو وتفرض عليه شروطها وارادتها والشعب العربي والفلسطيني واحرار العالم كلهم مع جنين وابطال مقاومتها الباسلة في موقعة ومعركة

الرحمة للشهداء الابرار والشفاء للجرحى والمصابين والله تعالى نسأله بقدرته العظيمة التمكين والسداد للمجاهدين والربط على قلوبهم وهم يعيدون تصحيح وجهة البوصلة نحو تحرير فلسطين بالنار والدم والشهادة كخيار وحيد لانتزاع حقوقهم من بين انياب الاحتلال الغاشمmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.