جولة بايدن المرتقبة الحقيقة بدون مساحيق


مهدي مبارك عبدالله

=بقلم / مهدي مبارك عبد الله

أعلن البيت الأبيض مؤخرا أن الرئيس الامريكي جو بايدن سيقوم بزيارة لمنطقة الشرق الأوسط في المدة الواقعة بين 13-16 تموز 2022 تشمل كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية حيث سيشارك في قمة تضم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإلاضافة إلى مصر والأردن والعراق كما يتضمن برنامجه أيضا عقد قمة افتراضية أثناء وجوده في جدة تجمعه بقادة المجموعة الاقتصادية الجديدة المعروفة بيو 12 والتي تضم إضافة إلى الولايات المتحدة كلًا من الهند وإسرائيل والإمارات

الطائرة الرئاسية العملاقة التي ستقل بايدن ستقلع من تل أبيب إلى جدة مباشرة وهي الطريق نفسها التي سلكها سلفه ترامب عام 2017 حينما أقلعت طائرته من الرياض إلى تل أبيب مباشرة بعد حضوره القمة العربية الإسلامية الأميركية

زيارة بايدن المرتقبة لمنطقة الشرق الأوسط تأتي بحسب عدة خبراء ومتابعين ضمن مساعي واشنطن لاحتواء الصين والتعامل مع التداعيات التي ترتبت على فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا والتي شملت بشكل اساسي قطاع الطاقة وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعارها على نحو بعيد ومن ثم تعميق أزمة التضخم الاقتصادي على مستوى العالم الذي لم يتعافى بعد من آثار جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19

نسبة التضخم وصلت في الولايات المتحدة إلى 8.6 % وهي الأعلى في الأربعين عام الأخيرة وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية والكمالية ارتفاعًا كبيرا ما يهدد بركود أشمل قد يدفع الديمقراطيون ثمنه في الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني 2022

قرار بايدن بشمول السعودية بزيارته ولقاءه بالمسؤولين السعوديين بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أثار نقاشات واسعة في الكونغرس بين الديمقراطيين والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان كما دار الحديث بشكل مطول حول أهداف الزيارة هل هي تتعلق بأسعار النفط أم تتناول إضافةً إلى ذلك قضايا التطبيع الخليجي مع إسرائيل

في حين يرى البعض ان هدف واشنطن من الزيارة ضرب قطاع الطاقة الروسي وحرمان موسكو من عوائده وهي تحتاج في ذلك إلى إقناع دول الخليج وتحديدًا السعودية بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الفاقد الروسي رغم أن إدارة بايدن تبدي قلقا متزايد من تنامي علاقات حلفائها التقليديين في المنطقة بروسيا والصين مع تزايد شكوك هؤلاء الحلفاء في امكانية التزام الولايات المتحدة بأمنهم ومستقبلهم

لا زالت إدارة بادين تأمل أن تسهم زيارة السعودية أيضا في بحث سبل إنهاء الحرب في اليمن التي دخلت الهدنة الهشة فيه شهرها الثالث كما تسعى إلى دفع عجلة التطبيع العربي الإسرائيلي الى الامام التي أطلقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تحت عنوان اتفاقات أبراهام إضافة إلى ما سبق سيكون ملف تعثر المفاوضات النووية مع إيران وتسريع الأخيرة مستويات تخصيب اليورانيوم من الموضوعات المهمة أيضا على أجندة بايدن في إسرائيل والسعودية

وفي هذا الجانب سوف يسعى بايدن إلى الضغط على إسرائيل التي باتت تحظى بدعم ضمني كبير من بعض الدول الخليجية وتحديدا الإمارات والبحرين لتجنب القيام بما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية في المنطقة حيث أشارت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا إلى أن تل أبيب نشرت منظومة رادارات في الإمارات والبحرين

اضافة الى رغبة بايدن في تنسيق المواقف مع إسرائيل وبعض الأطراف الخليجية في طريقة التعامل مع إيران سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي معها أم لا وذلك حتى لا تتكرر تجربة اتفاق عام 2015 الذي حاولت إسرائيل إفشاله ولم تكن السعودية والإمارات والبحرين راضية عنه

من أحد أبرز أهداف زيارة بايدن للمنطقة وكما صرح هو نفسه بذلك إعادة ضبط علاقة الولايات المتحدة مع السعودية بعد أن شهدت توتر ملحوظً منذ توليه الرئاسة مطلع عام 2021 خصوصا أنه كان تعهد خلال حملته الانتخابية بالتشدد مع السعودية بسبب استمرار حرب اليمن واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي وغيرها من الأمور الأخرى التي لا يتسع ذكرها وتفصيلها

وعلى الرغم من تلبيت السعودية للكثير من المطالب الأميركية منها على سبيل المثال تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن ومحاولة تحديث البلاد بما في ذلك إضعاف نفوذ رجال الدين ومنح المرأة مزيد من الحقوق وفتح حوار مع إيران بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي الا ان إدارة بايدن وكما يقول المسؤولون السعوديون لم تقدر بما يكفي تلك الخطوات بل بقيت تطالب بتقديم المزيد مثل استقبال لاجئين أفغان أو مساعدة الاقتصاد المتعثر في لبنان أو تقديم الدعم لاستقراره

الا ان غزو روسيا لأوكرانيا في شباط 2022 وما ترتب عليه من تداعيات على الاقتصاد العالمي والأميركي خصوصا في قطاع الطاقة دفع إدارة بايدن إلى إعادة النظر في مقاربتها للعلاقة مع السعودية على أساس محاولة إيجاد توازن بين القيم العليا والمصالح المشتركة في سياستها الخارجية حيث تحتاج في ذلك إلى تعاون السعودية

كما تخشى واشنطن من أن يؤدي استمرار قطيعتها مع السعودية إلى ابتعادها أكثر عنها واقترابها من روسيا والصين خاصة وان الرياض أبدت استعدادها مؤخرا لتقاضي ثمن جزء من صادراتها النفطية إلى الصين باليوان ورغبتها في عقد صفقة كبيرة لشراء الأسلحة من الصين من بينها صواريخ باليستية

ولهذا الأمر شجع بعض حلفاءُ واشنطن من الأوروبيون مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إضافة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت الرئيس بايدن على إنهاء الخلاف مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ومنذ ذلك الوقت بدأت تصدر عن الطرفين إشارات تظهر تحسن العلاقات بينهما كما جرت عدة خطوات عملية للتقارب بين البلدين

على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي يزعم مسؤولون في إدارة بايدن أن زيارته ستكون فرصة هامة لمحاولة استعادة دور أميركي أكثر توازنا بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهي مناسبة ايضا لإعادة التأكيد على تأييد حل الدولتين بعد أن شهد الموقف الأميركي انحيازا غير مسبوق لصالح إسرائيل في عهد ترامب علما أن إدارة بايدن أضاعت وقتا ثمينا في الرهان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة نفتالي بينيت لمجرد أنها ليست حكومة بنيامين نتنياهو مع أن رئيسها لا يقل سوءًا عنه إن لم يكن أسوأ منه

لدى متابعة ما كتب في إسرائيل عن الزيارة المنتظرة للرئيس بايدن لن يستصعب القارئ استنتاج أن المؤسستين السياسية والأمنية في تل ابيب باتتا منذ الآن تصوران مستقبلًا من المتوقع أن يترتب على هذه الزيارة تتمكّن فيه دولة الاحتلال من الاطمئنان إلى حتمية حل مشكلاتها الإقليمية وفقًا لرؤيتها سيما ما يتعلق بالمشكلات المرتبطة بالملفين الأشد استعصاءً من وجهة نظرها الإيراني والفلسطيني

حيث ترغب إسرائيل في تعزيز تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط لمواجهة ترسانة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية بعد تحجيم الجهد الدفاعي للجيش الإسرائيلي والمساس بالردع وتقويض الإحساس بالأمان في كل إسرائيل عقب معركة القدس ( الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تشكل مرساةً أساسيةً في نظرية الأمن القومي في إسرائيلي )

مع تأكد زيارة الرئيس الأميركي نشرت تقارير عن امكانية توسط الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية ومصر من أجل تسوية الوضع الاستراتيجي في مضائق تيران وجزيرتا تيران وصنافير الواقعتين على مدخل خليج إيلات في الطريق المؤدّية إلى شرقي البحر الأحمر باعتبارها ضرورة ملحة لأمن إسرائيل ولا زلنا نتذكر ان إغلاق المصريين لها أمام عبور السفن المتجهة إلى إسرائيل أو المنطلقة منها كان من بين الأسباب التي أدّت إلى نشوب حربي السويس 1956 وحزيران 1967

للتاريخ والحقيقة في كل ما يتعلق بقضية فلسطين لم تبدِ إدارة بايدن أي اهتمام صادق بمجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مدى عام ونصف العام من وجودها في السلطة ولم تبذل أي جهد فعلي لوقف انتهاكات إسرائيل في حق الفلسطينيين او وقف عمليات الاستيطان وهدم البيوت في الضفة الغربية بما في ذلك في القدس الشرقية فضلا عن استمرار الحصار على قطاع غزة منذ 15 عام

ولا يفوتنا ان نذكر أيضا بان إدارة بايدن أبقت على كثير من سياسات وقرارات إدارة ترامب كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم اعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب ولم تفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية او مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وسيحرص بايدن خلال زيارته لإسرائيل بحسب مسؤولين في إدارته على إظهار التزامه بأمنها ووجودها من خلال زيارته لبعض أنظمتها الدفاعية التي قدمتها أو مولتها الولايات المتحدة

قبل الحتام يمكننا القول بان إدارة بايدن لم تخرج عن النهج المعروف الواقعي والثابت تاريخيا للسياسة الأميركية حيث تتقدم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والانتخابية على ما عداها غير انها في هذه المرحلة ليست مستعدة للدخول في أي مخاطرة مهما كانت محدودة في الظرف الدولي السائد حيث ينصب جل تركيزها على إضعاف روسيا واحتواء الصين ومنع دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود على الرغم من أن هذه الأهداف تبدو في حقيقتها متضاربة وغير قابلة للتحقق على نحو متزامن حتى مع توفر كل أدوات النفوذ والسيطرة ومحاولة تنشيط العلاقات الدبلوماسية الدولية او سياسة الاحلاف الاقليمية المشتركة

في نهاية المطاف قد يكون نصيب ما ذهب اليه هذا المقال من الصواب يساوي نصيبه من الخطأ ولكن أي كان النصيب فهو جزء من سيناريو محتمل فماذا نحن فاعلون ؟mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.