حرب خنادق.. أم حرب مبادئ؟


الدكتور رشيد عبّاس

=

بقلم / الدكتور: رشيد عبّاس

يقال والله أعلم أن الجنرال الروسي (ألكسي بروسيلوف) قائد الفيلق الثاني عشر أبان الحرب العالمية الأولى مر أثناء المعركة على جندي يتنقل بين الخنادق في أرض المعركة فدعس ببسطاره الروسي ذو الساق الطويل على رأس الجندي قائلا له: لا تتنقل كثيراً بين الخنادق أيها الجندي, فهذا يضعف أرض المعركة ويجلب لنا كثير من الخسائر والانهزام.

انا لستُ هنا عسكرياُ لأفصل بين تصرف الجنرال (ألكسي بروسيلوف) وبين الجندي الروسي الذي يقال أنه قتل على أرض المعركة, فكل معركة يقدّر حيثياتها الجنرالات العظام الميدانيين فيها, لكن يبدو أن تنقل الجنود بين الخنادق يكشف كثير من عيوب المعركة وأسرارها, وبالتالي يستفيد العدو المقابل من مثل هذه العيوب والثغرات, ومن ثم تسديد ضرباته بإحكام,..نعم حرب الخنادق يحتاج إلى مهارات عالية جداً, في الوقت الذي يؤكد فيه كثير من القادة الميدانيين ضرورة بقاء الجنود في الخنادق, وعدم كثرة التنقل فيما بينها إلا عند الضرورة القصوى.

في السياسة اعتقد جازماً أن التنقل بين الخنادق جائز, فكثير من الساسة العالميين يتبنى سياسة معينة وبعد فترة من الزمن قد يُغيرُ من مثل هذه السياسة نتيجة لمستجدات طارئة وضرورية, وأن الثبات على سياسة معينة قد يؤدي إلى نتائج وخيمة, ففرص اغتنام المواقف السياسية قد تكون نادرة أو ربما مستحيلة التكرار, وفي عالمنا اليوم نلاحظ أن كثير من الدول تتبنى سياسة معينة وسرعان ما تعمل على تغييرها نتيجة لواقع أو لأحداث عالمية جديدة, وفي المقابل نلاحظ أيضا ان بعض الدول ثبتت على مواقفها السياسية وخسرت الكثير الكثير من هذه المواقف السياسية والتي كان من المفروض أن تكسبها.

لكن في (المبادئ) وما ينتج عنها من مواقف الوضع مختلف تماماً.. فالمبدأ ثابت والمواقف هي التي تتغير.

المتصفح لنظرية المبادئ للعالم الفرنسي (هنري فايول)، يجد أن المبدأ ينبغي أن يبقى ثابتاً ولا ضير أن تتغير المواقف بين الفينة والاخرى, وأن الخلط بين المبادئ والمواقف قد يحدث تناقض كبير عند الأنسان, فالمبادئ هي المنطلقات الفكرية والمرجعية الحاكمة وهي القيم الأساسية الموجهة والاخلاق الهادئة, ويجب أن تبقى ثابتة, لا يطالها التغيير إلا ما كان من تطوير أو تحسين ولا تتجاوز إلا في ظروف استثنائية ولضرورة مقدّرة, في حين أن المواقف قابلة للتغيير باستمرار إذا اجتمعت عوامل تغييرها, واحيناً يكون الجمود على مواقف تجاوزها الزمن وانتفت دواعي استمرارها, فمن الضروري إعادة تقييمها إذا تغير الواقع أو تبدلت الظروف, كما يجب تقييمها إذا لم تحقق أهدافها, والتقييم هنا لا يعني التغيير, فقد يكون تحسينا أو تطويرا أو ربما تثبيتا.

كالمبادئ الخنادق لا تتجزأ..

في الأردن تجد احياناً العكس تماما, تجد أن (المبادئ) تتغير وتتبدل بجرة قلم عند البعض طمعاً بكرسي أو بمقعد أو بكنب, وبات التخلي عن المبادئ سهل وممكن ممارسته, والأعظم من هذا وذاك تجد للأسف الشديد أن بعض من يدعي انه يحمل المبادئ والاخلاق ويتغنى بها تجد أن هؤلاء يتنقلوا من خندق إلى خندق وتتغير مبادئهم وأخلاقهم بين الفينة والاخرى, والهدف من كل ذلك واضح جداً وهو مصالحهم الخاصة جدا والضيقة لا أكثر ولا اقل.

انها حرب تغيير(مبادئ) للأسف الشديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.