دعوة العاهل المغربي المتجددة للمصالحة مع الجزائر


مهدي مبارك عبدالله

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

ليست هذه المرة الأولى التي يخاطب فيها ملك المغرب محمد السادس نظراءه الأشقاء في الجزائر بدعوة صادقة وصريحة ومباشرة مبنية على مبدأ التعاون الأخوي ومد يد المصالحة وتخطي الخلافات العالقة ورأب الصدع بين بلاده وجارته الشرقية الجزائر فقد سبق له في أكثر من مناسبة تجديد هذه الدعوة كان أبرزها فيما تضمنه خطاب الملك بذكرى المسيرة الخضراء قبل أربع سنوات

حين دعا العاهل المغربي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تغليب منطق الحكمة والعمل لإعادة العلاقات بين البلدين ومنذ عام 2018 وهو يبعث عبر خطاباته المتكررة الرسائل تلو الرسائل نحو قادة الجزائر يؤكد في مضامينها أن الوقت قد حان للتشاور لحلحلة الوضع الراكد وانهاء الجمود وفتح الحدود بين البلدين الشقيقين والتي طال أمدها بلا مبررات

يوم السبت الماضي 30 تموز 2022 وبمناسبة الذكرى 23 لجلوسه على العرش جدد ملك المغرب الدعوة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجزائر معربا عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية لإقامة علاقات طبيعية للخروج من هذا الوضع حيث قال العاهل المغربي في خطابه السنوي بهذه المناسبة إننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سوياً ودون شروط من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار وإننا نتطلع للعمل معا لتحقيق المصالحة وإقامة علاقات طبيعية بين الشعبين الشقيقين الذين تجمعهما العديد من الروابط التاريخية والإنسانية والمصير المشترك

وحول واقع العلاقات المؤلم ومسألة الحدود المغلقة بين البلدين قال الملك المغربي أن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا وليس في مصلحة شعبينا وغير مقبول بالنسبة إلى العديد من الدول وأن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين الجارين والشعبين الشقيقين وأن بقاء إغلاقها يتنافى مع الحق الطبيعي والمبدأ القانوني الأصيل

كما قال في ثنايا خطابه أدعو فخامة الرئيس الجزائري للعمل معاً في أقرب وقت يراه مناسباً على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك وبين انه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق ولا أنا مسؤولون على قرار اغلاق الحدود وأن الأسباب التي كانت وراء ذلك أصبحت متجاوزة ولم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول وأن الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما بل نريدها أن تكون جسورا يعبر من خلالها المغاربة والجزائريين مستقبل أفضل

في ذات السياق هاجم العاهل المغربي بشدة دعاة القطيعة ومثيري الفتنة بين البلدين مؤكداً للقيادة الجزائرية بحرفية العبارات بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبداً من المغرب كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد لأن ما يمسكم يمسنا وما يصيبكم يضرنا وأننا نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره

وأن ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية مؤلم جدا وغير معقول ويحز في النفس وبالنسبة للشعب المغربي واننا حريصون على الخروج من هذا الوضع كما أكد رفضه المطلق لأي إساءة إلى الجزائر وشعبها وإن الجزائريين سيجدوننا بجانبهم في جميع الظروف والأحوال وأهاب بالمغاربة مواصلة نهج الاخوة وقيم حسن الجوار مع الجزائر كما ابدى حرصه الكبير على تعزيز التقارب والتفاهم بين الشعبين الشقيقين

تعود جذور الخلافات بين المغرب والجزائر إلى حقبة الستينيات من القرن الماضي عندما وقعت ما تسمى بـ ( حرب الرمال ) بين البلدين على خلفية مشاكل حدودية ولا زالت العلاقات بين البلدين تشهد توترا متصاعد منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية بينما يعتبرها المغرب جزء لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته

ومما زاد التوتر بينهما أيضا تحرك المغرب مؤخرا لتحرير معبر الكركرات جنوب البلاد الذي كانت تقطعه عنوة عناصر من البوليساريو فيما توالى التصعيد مجددا وبلغ ذروته بعد الوثيقة التي وزعها سفير المملكة لدى الأمم المتحدة مطالباً فيها بحق تقرير مصير القبائل في الجزائر ووصفه بأطول احتلال أجنبي الأمر أجج غضب الجزائر حيث تم قطع العلاقات الدبلوماسية بعد اتهام الجزائر للرباط بارتكاب أعمال عدائية بحقها منذ استقلالها عام 1962 كما تم اغلاق المجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وهو ما سيؤثر في مسار 15 رحلة أسبوعيا واضطرار رحلات أخرى الى تغيير مساراتها الجوية بشكل كامل

كما اعتبرت الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية موجه ضدها وهو التطبيع الذي تضمن أيضا اعتراف اميركا بسيادة الرباط على الصحراء الغربية أواخر العام 2020

القواسم المشتركة متقاربة والنسيج الاجتماعي متشابك جدا في المناطق الحدودية المغربية الجزائرية حيث يوجد العديد من الجزائريين المتزوجين من مغربيات والعديد من المغاربة المتزوجين من جزائريات كما توجد ايدي عاملة مغربية كبيرة في الجزائر وأخرى جزائرية تعيش في المغرب جراء الخلافات تفرقوا وانقسموا على جنبات الحدود في وضع إنساني محزن بعد إخوة جمعت بينهم اللغة والدين والتاريخ المشترك وفرقتهم الأسلاك الشائكة والإرادات السياسة والقوات العسكرية بما يهدد حياتهم وأرزاقهم وتواصلهم ورغم كل ذلك لا زالوا يأملون بعودة العلاقات بين البلدين الشقيقين

فتح الحدود بين المغرب والجزائر سيقود الى وقف قطع الأرحام والتشتت والضياع العائلي وإمكانية توقيع اتفاقيات اقتصادية وربما الوصول الى التكامل الاقتصادي الشامل بينهما وفي الجانب الأمني سيكون هناك تنسيق مشترك لتأمين الحدود من الأنشطة الإجرامية المنظمة والهجرة غير الشرعية والمخدرات والإتجار بالبشر وعمليات الإرهاب وغيرها

ولهذا لابد من وجود دور فاعل ومتقدم للنخب في البلدين للمساهمة في تذليل الأزمة بالحوار الهادئ والاهم في هذا الامر أن يلتزم إعلام البلدين بميثاق الشرف ويتوقف عن ممارسة خطاب الشتم والردح والحقد والكراهية وضرورة النأي عن المصالح الخبيثة واللوبيات والأجندات المشبوهة التي تعمل على ادامة الخلافات والصراع

بإمكان قادة البلدين حلحلة الأوضاع الراكدة بوجود دنيات صادقة منسجمة مع صدق الشعوب بالإضافة الى استيعاب دروس الماضي والتاريخ و النظر الى حجم المعاناة والعذابات التي اصابت ابناء البلدين خاصة وان خطاب العرش الملكي في هذه المرة يتضمن في ثناياه رسالة طمأنينة وتهدئة وليس من مصلحة البلدين مواصلة التصعيد وبقاء الاحتقان والعداء

لا يمكننا المجازفة بكثير من الأمل على المستويين القريب أو البعيد وفي تقديرنا ستظل العلاقات على ما هي عليه حتى نهاية الولاية الرئاسية الحالية في 2024 وبعدها يمكن أن يكون انفراج لكنه سيظل رهيناً بشخصية الرئيس الجديد وإذا ما انتخب تبون لعهدة ثانية أنه سيستمر التصعيد لكن لا أحد يعلم إلى أي مدى يمكن أن يصل في الأيام القادمة

وبناء على كل تلك المعطيات فأننا نستبعد عمليا ان يكون هنالك أي استجابة أو رد إيجابي على خطاب الملك محمد السادس في العاصمة الجزائر كالسابق نظرا لوجود مجموعة من القضايا لا تزال عالقة بين البلدين على رأسها أن المغرب لم يقدم أي توضيح إلى الآن بخصوص خطاب ممثله الدائم بالأمم المتحدة حول حق تقرير مصير منطقة القبائل إضافة إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون اشترط من أجل المصالحة مع المغرب اعتذار الرباط عن اتهام الجزائر فيما يتعلق بتفجيرات مراكش عام 1994

ربما يكون من ناقل القول التأكيد على أن المغاربة سيظلون سندا للجزائريين ولا يمكن إلا أن يكونوا إلى جانبهم في جميع التحديات المشتركة بما يعني ضرورة فتح صفحة جديدة بين الدولتين الجارتين لتحقيق التعاون المشترك للنهوض بالمنطقة خاصة بالنظر إلى العديد من الأزمات التي يشهدها العالم وان تأكيد الملك على ضرورة تعزيز العلاقات المغربية الجزائرية وعودتها إلى عهد الأخوة والجوار الحسن في خطابين متتاليين لذكرى جلوسه على عرش أسلافه إنما يؤكد على أهمية هذا الملف الاستراتيجي بالنسبة للمغرب

دعوة العاهل المغربي في هذا العام جاءت مختلفة وشجاعة وجريئة بمخاطبة أعلى مستوى رسمي في الجزائر لطي صفحة الخلاف المفتعل في ظل ظروف داخلية مليئة بالتحديات وإقليمية متقلبة ودولية مضطربة ما يتطلب تعزيز جهود الوحدة والتعاون والتلاحم بدلا من الفرقة والعداوة بين الشعبين التي لا يمكن أن تلغي الأخوة والروابط العائلية بين المغاربة والجزائريين

العديد من الدول العربية من ضمنها المملكة العربية السعودية وقطر ومصر سعت للتوسط في سبيل خفض التوتر بين البلدين الجارين كما وقع اكثير من 200 شخصية مغربية والجزائرية من المثقفون والأكاديميون والناشطون في المجتمع المدني عريضة يرفضون فيها استمرار القطيعة بما يتنافى مع مصالح الشعبين ودعوا الى وقف التصعيد غير المبرر وتوطيد أواصر المحبة والاخوة والتعاون وطالبوا ايضا فيها نظام البلدين الاحتكام الى العقل والمنطق وروابط الدين والاخوة والدم والتاريخ

ختاما اننا بالقدر العظيم الذي نعارض فيه ونرفض تطبيع العلاقات بين الرباط وكيان الاحتلال ونطالب بوقفها فأننا بذات القدر نرفض أيضا استمرار الجفوة والعداء واغلاق الحدود والحرب الإعلامية البذيئة الدائرة بين البلدين ونطالب قادة الجزائر الشقيق وعلى راسهم الرئيس عبد المجيد تبون أن يتحلوا بالحكمة والعقلانية وعدم صد الأبواب في وجه الرغبة بالصفح والمسامحة والبعد عن الضغينة والأحقاد وان يستجيبوا لدعوة ومبادرات الملك المغربي محمد السادس التي تعتبر فرصة جديدة ومواتية للتسوية الخلافات على مبدأ الأخوة وحسن الجوار لأنها هذا العداء المستحكم منذ 27 عام هلك فيها كثير من الزرع والضرعmahdimu.barak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.