سويسرا الشرق الأوسط قد أفلست


عمر سامي الساكت

=

بقلم / عمر سامي الساكت  

سويسرا المعروفة باجتذابها للأموال كونها مكان للبنوك الأكثر أمناً وسريةً في العالم واجتذبت بعض أهم إحتياجات الأثرياء من ماركات الساعات والملابس الفاخرة والشوكلاته والفنادق والمنتجعات المترفة ، ولا يعرف الكثيرون أن هنالك سويسرا الشرق الأوسط. 

بعد استقلال لبنان بدأ التفكير بالإعتماد على النفس والتخلص من التبعية لفرنسا فاقترح المحامي ريمون إده الذي كان مبهوراً بتجربة القطاع المصرفي السويسري إقترح قانون السرية المصرفية الذي يمنح سرية عالية جداً لمتعاملي البنوك اللبنانية وأقنع الحكومه به وتم تشريعه وبدأ تطبيقه فاجتذب مليارات الدولارات من الشرق الأوسط وخاصة في بداية طفرة النفط فتضاعف الدخل القومي اللبناني وكان مصدره القطاع المصرفي الذي نمى 200% حيث زاد عدد البنوك في لبنان من 9 في عام 1945 إلى 85 في عام  1962 وبقيت ميزانية الحكومة اللبنانية متوازنة بلا عجوزات حتى عام 1974م وكانت لبنان مقصداً للأثرياء فصنعت سياحة ووفرت بضائع تناسب أذواقهم مما حقق دخلاً مرتفعاً للقطاع السياحي. 

ولكن في الفترة 1975-1990م إندلعت حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من مائة ألف وشردت ما يناهز المليون ودمرت البنية التحتية وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية حيث كان في بداية الحرب 2.75 ليرة مقابل الدولار وبعد إنتهائها وصل إلى 800 ليرة مقابل الدولار وهو سعر أفضل بكثير مقارنة بما حصل فيما بعد، فبعدها حصل إنخفاضات متعددة لسعر صرف الليرة مقابل الدولار مما أضطر الحكومة للإقتراض خارجياً وداخلياً في محاولة لإنقاذ سعر الصرف والإقتصاد اللبناني لكن تفاقم القرض وخدمة الدين العام (الأقساط) نتيجة للتخبط في السياسات النقدية والإقتصادية وتهافت فئات متسلطة نهبت الأموال العامة بحكم القانون. 

فقد خرجت لبنان من الحرب الأهلية ببنية تحتية مدمرة وفقر وبطالة وشح في الموارد فهي تحتاج إلى إعادة إعمار فلجأت الحكومة إلى مزيد من القروض الضخمة وجمع المساعدات الدولية وجاء دور الشركات العقارية فقد تم إنشاء شركة “سوليدير” والتي كانت محمية من حيتان متنفذين فقامت باستملاك العقارات الخاصة لصالحها بحكم القانون دون تعويض عادل وبالقوة وعوضت العديد منهم بأسهم في الشركة أو بتقديرات غير حقيقية كما استولت على مقبرة السنطية وعلى قصر خاص “قصر أياس” ومن ثم ملكته لأحد ملاك الشركة وتم تغير اسمه الى “بيت الوسط” بالإضافة الى بعض المواقع الأثرية التي تقع ضمن منطقة أملاك الشركة وشكلت جدلاً واسعاً بين أواسط المجتمع اللبناني وبالنتيجة والمختصر فقد نهبت موازنة الدولة التي تم تمويلها بالقروض لصالح شركة خاصة والتي صبت في جيوب متنفذين جشعين فتفاقم الدين العام وجر الدولة إلى عدم قدرتها على خدمة الدين العام (سداد الأقساط) وسحب المستثمرون أموالهم واستثماراتهم من لبنان وزادت معاناة البنوك اللبنانية وأنعكس كل ذلك على الإقتصاد وانهيار سعر صرف الليرة 1500 ليرة مقابل الدولار تقريباً وانعكس ذلك كله على الناس مما أوصل الدولة إلى الإفلاس نتاج تسلط فئة جشعة متنفذة وسكوت الناس عليهم، ندعو الله التخفيف والتعافي للبنان الشقيقة التي تحملت فوق طاقتها. 

 

الشاهد بالموضوع بأن إقتصادنا مازال متماسك وسعر صرف الدينار الأردني ثابت إلا أننا وكما يقول المثل “مغطين بقشة” فالدين العام يتفاقم عام تلو الآخر ويرتفع خدمته بشكل متسارع والإقتصاد في تراجع والمستثمرون ينسحبون من السوق الأردني بشكل متتالي والقطاع الزراعي يعاني والسياحة تعاني وجميع القطاعات في تراجع مستمر مما ينعكس على النقدية في البنوك وبالتأكيد على زيادة الفقر والبطالة وهذا كله يؤثر حتماً على سعر صرف الدينار الأردني (المدعوم سياسياً بفضل السياسة الخارجية) ولكن هذا كله لا يبشر بخير بتاتاً وإن لم تتخذ الحكومة إجراءات تصحيحية نقدية وإقتصادية شاملة وجذرية فستكون العواقب وخيمة تشبه ما حصل للبنان الشقية فهي مسألة وقت إن بقينا في  هذا النهج، ولن يحصل هذا التصحيح بهذا الطاقم الحكومة وهذه العقلية الرجعية إلا من رحم ربي ومع الإحترام للجميع، فسويسرا الشرق الأوسط قد أفلست ألا تتعظ. 

 

حمى الله الأردن تراباً وشعباً وملكــــاً وهدانا لما فيه الخير والصلاح. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.