صف مدرسي في مطبخ متهالك ..والتبرير مضحك


الدكتور رشيد عبّاس

=

بقلم //  الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس

كثير من التبريرات من قبل البعض في حياتنا اليومية مضحكة لدرجة القهقهة, والتبرير الملتوي هو بمثابة أكبر تزوير للحالة المراد التهرب والتخلص منها, وقد قال احد الفلاسفة يوماً من الأيام (أعطني تبريرك لأقول لك من أنت),.. قبل أيام معدودة شهد المجتمع الأردني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وجود صورة لصف مدرسي لطلبة صغار داخل (مطبخ) متهالك,..التبريرات التي سارعت وزارة التربية والتعليم بإطلاقها للأسف الشديد متناقضة مع بعضها البعض, ويدعو البعض منها إلى التبسم لدرجة الضحك, والتي كان منها هو أن هذا الوضع المؤقت للصف كان من أجل عمل صيانة في المدرسة, متناسين هؤلاء أن الحالات المؤقتة احياناً هي أخطر من الحالات الدائمة, ومتناسين ايضاً أن أعمال الصيانة تشترط أن تكون وبالذات في مدارس الإناث خلال العطل المدرسية الطويلة منها والقصيرة وذلك حسب حالة الصيانة.

الاستغراب الأول هنا هو كيف أن مجموعة من الطالبات الصغار يجلسن عدد من الساعات الطويلة في مطبخ أعتقد جازماً أنه يحتوي على الأقل على غاز طبخ, وعلى كيزر كهرباء وعلى سخانات كهرباء, وعلى مواد تنظيف, و..! والاستغراب الثاني هنا هو كيف أن مجموعة من المعلمات يدخلن على مطبخ متهالك ويشرحن للطالبات في حصة العلوم مثلاً عن خطورة الجلوس مطولاً بالقرب من غازات الطبخ, وكيزرات الكهرباء, وسخانات الكهرباء, ومواد التنظيف! في حين أن الاستغراب الثالث هو كيف أن مشرفو المواد يحضروا عند معلمات المباحث ويطلبوا  ضرورة توفير بيئات تعليمية آمنة ببعديها المادي والمعنوي والحال هكذا!

اعتقد أن انفجار جرة غاز, أو كيزر كهرباء, أوسخان الكهرباء, أو عبث الطالبات بأدوات المطبخ, أو استنشاقهن لبعض مواد التنظيف الكيماوية أن حصل (لا قدّر الله) سيضعنا أمام كارثة كبيرة, وهذا يؤكد لنا أن دائرة المسؤولية واسعة وتبدأ من معلمات ذلك الصف ومديرة المدرسة والمشرفين التربويين, وتنتهي عند الامناء العامين ووزير التربية والتعليم,..لا أتكلم هنا عن هذه الحالة بعينها (مدرسة الشيماء الأساسية المختلطة في قصبة المفرق) أنما أتكلم هنا عن حالات ربما تكون مشابهة في الخطورة في مواقع أخر لم يتم الكشف عنه, ولا بد لنا من أخذ الحيطة والحذر فيها.

الحقيقة الغائبة هي أن تبريرات وزارة التربية والتعليم للأسف الشديد متناقضة مع بعضها البعض, وبلغة الاختصار تبريرات ملتوية ينبغي التوقف عندها مطولاً, ومحاسبة كل المعنيين.

مشكلتنا في التبريرات (الملتوية) كثقافة بتنا ننشئ أطفالنا عليها في البيت والمدرسة, واستخدمناها ككبار في تغطية فشلنا واخطائنا وممارساتنا اليومية, مع معرفتنا التامة أن التبرير المنطقي هو الخطوة الأولى لمعالجة الاخطاء وتفاديها, ففي الغرب يربّوا أطفالهم على التبرير المنطقي الصحيح مهما كان نوع التبرير ولا يقبل من الطفل أنصاف التبريرات, وأكثر من ذلك أصبح هناك لديهم منهاج يدعى (تبرير المواقف) ويهدف إلى تدريب الأطفال من خلال منحهم مهام يقوم المدربين بوضع خلل ومشاكل مقصودة فيها, ويطلبوا من الأطفال تبرير ما حدث لهم في هذه المهام, وتوضع لهم درجات معينة وفق مستوى التبرير لها.

مشاهد التبرير الجاهزة لدينا  بشكل عام تلك التي تحتاج منا إلى إعادة تنشئة فيها كثيرة وكثيرة جداً: فتبريرات وزارة التربية والتعليم للصف المدرسي في المطبخ المتهالك مضحة, وتبريرات إخفاق (تيار معين) في انتخابات نقابة المهندسين مضحكة, وتبريرات  الحكومة في تقديم التوقيت الصيفي مضحة, وتبريرات إنشاء أحزاب دينية في ديننا الإسلامي الحنيف في الماضي مضحكة, وتبريرات سرقة الكهرباء من قبل بعض المواطنين مضحكة.., فالصغار والكبار يتساوون هنا في منهجية التبرير الملتوي من حيث نمط التفكير.., والحقيقة المرة أن الكبار يحتاجوا إلى دورات مكثفة في إعطاء التبريرات المنطقية كما يحتاج اليها الصغار كما اثبتت كثير من الدراسات الميدانية ذلك, مع أن نسبة الاستفادة للصغار من مثل هذه الدورات أضعاف ما يستفيد منه الكبار.

وبعد..

الأكثر قلقاً, هو أنه لا يكتفي كثير منا بالتبرير الملتوي عن حالة تخصه, أنما يقوم البعض للأسف الشديد بالتبرير الملتوي نيابة عن الآخرين غير المتواجدين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.