في ذكرى الكرامة يافارس الخطوب كرامتنا تناديك


مهدي مبارك عبدالله

بقلم  / مهدي مبارك عبد الله

مع حلول الذكرى الثالثة والخمسين لملحمة الكرامة الخالدة نقلب اليوم بكل فخر واعتزاز سفرا من تاريخ الأمة المجيد الذي سطرته البطولات العظيمة والتضحيات المشرفة والدماء الزكية لأبناء جيشنا العربي الأبي في أروع صور البطولة والفداء حين ارتفعت صيحاتهم وهاماتهم تعانق عنان السماء شموخا وعزة وقوة وكبرياء يوم انفجر الغضب المحبوس داخل قلوب الاشاوس الابطال شجاعة واقدام للدفاع عن الارض والوجود وانتقاما للشرف العسكري وتحديا لغطرسة المعتدين وتطويعا لرقاب الغزاة المجرمين وتحطيما لأسطورة الجيش الذي لا يقهر بعدما تمرغت وجوه رجاله ذلة ومهانة وهم يستجدون وقف اطلاق النار لينسحبوا منهزمين يجرون خلفهم ذيول الخيبة والفشل بعدما لقنهم ابطالنا درسا قاسيا لتصحو ارض العزة والكرامة على صباح يوم عربي جديد مكلل بالشموخ والمجد والنور والانتصار ابلجا اغرا توحد فيه الدم العربي واعاد للمقاتل العربي ثقته بنفسه وأمته بكل قوة وثبات ويقين

من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان نعيش نشوى الذكرى العطرة لـ ( يوم النصر الكبير ) وهل يمكن ان تمر الكرامة دون ذكر اسمه المسطر بالشجاعة والكرم واستذكاره كشيخ للحروب وبطلا للخطوب الجندي المدجج بالفروسية والزعامة المغفور له بإذن الله الفريق الركن ( مشهور حديثة الجازي ) القائد العام الأسبق للقوات المسلحة الأردنية الباسلة وقائد معركة الكرامة العظيمة وهو الذي وقف مع الجند في الميدان جنباً إلى جنب مع ثوار فلسطين بكل بسالة وشجاعة ليردوا بعضا ًمن الاعتبار المهدور لكرامة الأمة الجريحة ويسجلون أول ملحمة صمود وبطولة وأول انتصار عسكري على العدو ولتتحول اسطورة الكرامة إلى جسر فوق النهر للعودة والتحرير ورافعة للتواصل والتنسيق بين أبناء الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني في تصور فريد للوحدة الوطنية المقدسة

الفارس العربي النبيل والاردني الشهم الاصيل ( مشهور حديثة الجازي ) ابن معان الابية الذي جاء الى الجندية من مضارب عرب الحويطات يحمل من الصحراء نقاءها ووضوح الرؤيا ومن البداوة فروسيتها واعتدادها فيه هيبة الابطال وحدة الصقر مسكون بجينات الشهامة والإباء والشمم صلب العزيمة والإرادة وطني وقومي رفيع عنوانا للرجولة الحقة والعزة والكرامة والوفاء والفكر الواعي فقد بقي على عهده مع وطنه وامته حتى رحيله وقد نذر نفسه جهداً وفكراً وخبرة وطاقات لخدمة اهداف الامة السامية والدفاع عن كرامتها ومصالحها وقضاياها وفي الطليعة منها قضية فلسطين المغتصبة التي ( تؤرقه نوائبها وتحزنه انكساراتها ) وهو صاحب عزم وعزيمة متوثباً دائماً لرد الاذى والردى وساعياً لرص الصفوف وتوحيد الكلمة والموقف وقد آثر ساحات العمل على صالونات التنظير والاستعراض وما دعا يوما لعصبية ولا ضاقت به الانتماءات ولا استهوته النزعات القبلية والجهوية والاقليمية وظل عربي الوجه واليد واللسان وشكل بانتمائه الكبير روابط الوصل والتواصل بين ابناء الامة الواحدة

يقول المرحوم مشهور حديثة الجازي في تذكره لنتائج تلك المعركة لم يكن هناك تكافؤ لا في العدد ولا في العدة ولكن الإيمان والصمود وقرار الدفاع عن الوطن مهما تكن التضحيات مكننا من تحقيق النصر المؤزر حيث قدرنا خسائرهم بحوالي 1200 جندي بين قتيل وجريح وحوالي 400 إلى 500 آلية و 7 طائرات في حين كانت خسائر الجيش الأردني في حدود 120 جنديا بين شهيد وجريح وسقط من الفدائيين الفلسطينيين الذين قاتلوا ببسالة نادرة حوالي مائة شهيد واضاف نحن أردنيون وجيشنا عربي منذ أن وجد نفاخر بأننا حملنا العروبة وفلسطين أمانةً وانتماءً في اعناقنا جيشاً وشعباً ولم نهن يوماً رغم ثقل ما نتحمل وضعف الامكانات

ولئن رحل القائد الفذ ( مشهور الجازي ) فإن ذكراه الطيبة باقية كصفحات مشرقة ومضيئة في حياة كل العرب والاحرار في العالم سطرها ورفاقه في معركة الكرامة لنستلهم منها مواقف العزة والاباء ونظل نعتز دائماً ونفخر ان هذا الفارس العظيم حقق الصمود والنصر في الوقت الذي نرى كيف تراجعت احوال الأمة وقادتها وانتقل البعض الى الارتماء في الحضن الاسرائيلي الغادر

الوضع بعدك يا سليل الرجال لم يتغير والسياط لم تتبدل والمدرعات هي تلك التي تدك البيوت منذ سنوات عديدة والحقد ما زال يسكن قلوبهم ضدنا وكرامتنا ما زالت حبيسة الاحتلال الشنيع في فلسطين والأمهات ثكالى والأطفال يتامى والشباب يؤسرون والشياب لم يسلم شعرهم الأبيض من الإهانة والضرب والتنكيل ولا زالت حكومة الكيان الإسرائيلي ذاتها تتجاهل كل الأفواه التي تنادي بالسلام وتطالب بجعله حياة ملموسة على أرض الواقع كما لازال الطفل الفلسطيني الذي تحاصره الدبابات الإسرائيلية وهو يمسك بحجارته صامدا في وجه الطغيان والعنجهية وما يدور في الأراضي المحتلة من عدوان سافر على الشعب الفلسطيني الأعزل اصبح له داعمين ومتضامنين ومناصرين ومدافعين من ابناء عروبتنا ممن كانوا بالأمس القريب يسمون انفسهم اخوة لنا وعندما فشلت القوات الإسرائيلية في إسكات الصوت الفلسطيني المقاوم استعانت بهم كحلفاء لتنفيذ المؤامرات وتعميق الانقسام وزرع الفتن واستمرار الاحتلال الظلم والعدوان وما شجع اسرائيل على اعمال القتل والتدمير التي تقوم بها كل يوم هو الصمت العربي المنظم

يا سيد الشرفاء يؤسفنا ان نعلمك وانت في مرقدك الطاهر ان العدو الصهيوني من خلال ارتكابه المجازر الجماعية وجرائم الحرب ضد الانسانية وفرض الحصار والتجويع في غزة وتدميره للمدن والمخيمات الفلسطينية لا زال ماض يقتل ويفتك بالأطفال والنساء والشيوخ ويهدم المنازل والمساجد والمستشفيات ويغلق المعابر ويمنع وصل المواد الغذائية والوقود ويحرم المرضى والاسرى من العلاج والقدس اصبحت فعلا عاصمة اسرائيل الابدية وحل الدولتين وحق تقرير المصير والعودة انقرضت بين فكي التمساح والعدو يستعد لضمّ غور الأردن وسرقة مياهه وأراضيه الزراعية وصفقة القرن في طريقها الينا ولن تبقي ولن تذر و( الكل يرى ويسمع ولكن لا يتكلم ) والجميع اداروا وجوههم الى الناحية الاخرى ولا زالت العرب تتقاتل على برذعة الحمار وكنا نحسب ان العدو الصهيوني بعيد الى ان اصبح بيننا بل في فراشنا

ما جري كان وصمة عار اخرى في جبينهم جميعا هؤلئك الذين فضلوا التواطؤ والخيانة في وضح النهار مع العدوان الاسرائيلي واذا كان بعضهم قد غضب على اسرائيل وجيشها فذلك ليس بسبب المجازر والقتل والدمار وانما لعدم انهائها مهمتها بسرعة وفي ايام معدودة

كم هو خجلنا عظيم يوم كنا نرى بعض الزعماء في امريكا اللاتينية التي تبعد عشرات آلاف الكيلومترات عن غزة وهم يعتنقون الدين المسيحي قد اغلقوا سفارات وطردوا سفراء اسرائيل ورحبوا باستضافة الاطفال الجرحى واليتامى في بلادهم كبادرة تضامن انسانية ولم نسمع في بلاد العرب اوطاني واحدا يقدم على خطوة كهذه بل ما حدث هو عكس ذلك حيث عمل بعضهم على احكام اغلاق الحدود وتحميل الضحية مسؤولية المجازر واعفاء الجلاد من اي لوم مما دفع امهات الشهداء والجرحى ان يصرخن من شدة الالم مطالبات بالخروج من انتمائهم العربي

يا فقيد الشهامة والكرامة والكرم والفداء نقول لك بكل صراحة ووضوح لم تعد اسرائيل وحدها عدو الاردن الذي يهدد حدوده ووجوده ورسالته الشرعية بعدما انسلخت دول وشعوب واحتضنت اليهود بتقارب وبمهادنة معلنة وغير معلنة مما افقد الفلسطينيين قدرتهم وخياراتهم على التفاوض ومنذ مدة طويلة لم يعد الكثير من المحللين يتحدثون عن نزاع عربي إسرائيلي كما كان قبل عقود بعدما اصبح نزاع فلسطيني إسرائيلي مقيد ومحدد في المكان والزمان

ولم يعد بيننا كعرب وبين اسرائيل أي حدود وقيود فالأجواء مسموحة والقصور والقلوب مفتوحة حتى ان بعضنا اصبح يظهر فرحا غامرا اذا قصفت اسرائيل سوريا او هددت بضرب طهران او اعلنت عن مشروع ما يسمى بالوطن البديل او تتويج إسرائيل زعيمه للعرب السنة بحجة مُواجهة ايران وفي خيانة كبيرة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية كم كان مؤلما أن يهلل البعض لأفعالهم ويحاولون تبريرها واعتبارها انجاز “تاريخي” ومرحلة عصرًا جديدًا للعالم العربي فهل بيع فِلسطين وتصفيتها نهائيا تطبيقًا لصفقة القرن والتنازل عن القدس وأقصاها والخروج عن كل الثوابت العربية والإسلامية يوم تاريخي يشكل عهدًا جديدًا وخطوةً رئيسيّةً على طريق السلام العادل أي سلام عادل في اتفاق لم يذكر القدس أو الدولة الفِلسطينيّة أو حتى المبادرة العربية على سوئها نرجوكم احترموا عُقولنا إذا لا تريدون احترام مشاعرنا

لقد صدق الِنتن ياهو اللعين عندما قال ( ان العرب يطبعون معنا لأننا أقوياء وهم ضعفاء ووفق صيغة السلام مقابل السلام بعدما كانوا يريدون السلام مقابل الارض ) ومن المعلوم تاريخيا ان الدول توقع اتّفاقات سلام بعد حروب أو توترات مع الأعداء فهل بعض الدول العربية كانت في حالِة حربٍ مع إسرائيل وخاضت حُروبًا ضدها ونحنُ لا نعرف

وكم نحمد الله كثيرا ايها الفارس المقدام انك رحلت الى جوار ربك قبل ان ترى بعض العرب وهم يدفعون الجزية لواشنطن والرئيس ترامب نقدًا أو على شكل صفقات أسلحة مقابل الحماية وكيف شاركوا اليهود (عيد الانوار) اليهودي وأضاءوا “الشمعدان” وكيف ارتقت نجمة داود فوق العمارات والابراج ولم يبقى الا ان نشاركهم صنع الفطيرة المعجونة بدماء أطفال فلسطين وكم هو لطف الله بك عظيم ان عفاك من متابعة مؤامرات تدمير العِراق وليبيا واليمن وسورية وتفتيتها الى ودويلات وطوائف وقبائل والحديث يطول عن تجويع الشعب الفِلسطيني واليمني وتزيين الخيانة وخنق المقاومة في ظرف عصيب وخطير ومحوري المطبعون فيه يهرولون إلى أحضان العدو والمقاومون تاءهون عن طريق فلسطين وهم يحاربون في كل الجبهات إلا فلسطين في زمن المليشيات والدول اللقيطة فكيف لا تكون القدس ثكلى بعدما سقطت الاقنعة المزيفة

نعلم ايها العفيف الشريف ان ماهو اقبح واوسخ من العهر والفجور هو التبرير للتآمر والخيانة والركوع تحت أقدام المحتل الإسرائيلي والمبالغة لدرجة الاستِفزاز في التمسح به والتنكر للأُخوة في العروبة والعقيدة بفجاجةٍ غير مسبوقة وهم يعلمون بان فلسطين ستبقى قضية العرب والمسلمين البعيدة عن البيع في سوق النخاسة ولها ينتسب الأحرار والشرفاء والأطهار والاسرى والشهداء وهي قضية شعب قابض على الجمر ناضل وضحى وتشبث بارضه على مدار السنين وهي بالطبع لن تكون قضية المتآمرين والمتخاذلين ومن تأزمت نفوسهم وتقزمت عقولهم وانهزمت معنوياتهم وتبددت افكارهم وفسدت وفلسطين ليست مجرد اسم لا رض تاريخية لها مناطق ومدن معروف ولكنها رمز ديني وانساني لا يمكن تطويعه او تمييعه في اجندات تجار الحروب وسماسرة الأوطان وكل ما نقول ليس من وحي الخيال وقد صرح به كبار الساسة الصهاينة والإعلام الصهيوني بلا وجل أو خجل

يا شيخ المعارك وسيدها هذه الأمة ولادة وعقيدتها صلبة وشعوبها مِعطاءة تملك رصيدًا ضخمًا من الانتصارات وإرثًا حضاريّا هو الأضخم في كافة المجالات وقد تتوعّك ويتطاول عليها بُغات الطّير ولكنها ستنهض حتمًا وتنتفض بجيل جبار ومقاوم يرفض سلام الذل والمهانة ويؤمن بان الجهاد والبندقية السبيل الوحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين وكم من محتل ومتواطئ وخسيس مر من هنا وانقرضوا جميعا وبقيت فلسطين شامخة وعلامة بارزة على انعدام شرفهم ونذالة نفوسهم

نم يا سيد الرشاش والمدفع قرير العين فهناك اجيال في الاردن وفي فلسطين تسير على نهجك وخطاك وقد اطلقوا اسمك على مدارس وميادين في قرى القدس وانت ستبقى تحتل المكانة المرموقة في الوجدان الفلسطيني والاردني ومزروع في الذاكرة العربية ومتجذر في ضمائرنا وما يعزينا بغياب روحك الطاهرة هو حضورك الدائم في قلوبنا وكذلك حجم المريدون لك والسائرون على نهجك والمقتدون بك يا سيد الانتصار ويا رجل المواقع نستصرخك ( كرامتنا تناديك )

ختاما هنيئا لروحك الطاهرة وانت ترقد مستريح ومطمئن تنتظر ملاقاة ربك وقد اديت ما عليك من امانة ونحن نرى اليوم بأمل متوقد احفاد شهداء ابطال معركة الكرامة ابناء جيشنا العربي المصطفوي افواجا على اسوار القدس مع مناضلي فلسطين وثوار واحرار الأمة والعالم يستعدون لتحرير الارض والمقدسات بالدم والشهادة ورائحة البارود وما على الله بعسير والله عالب على امره
mahdmublat@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.