قرار لبناني في الاتجاه الصحيح والوقت المناسب


مهدي مبارك عبدالله

=

fبقلم / مهدي مبارك عبد الله

لا يخفى على احد بان الفلسطيني بشكل عام وخلافا لكافة شعوب العالم أجمع يعاني وطأة ضنك العيش والظروف المعيشية والسياسية والاقتصادية والانسانية وظلم القوانين التي تتفاوت بين بلد وآخر وهو رازح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي لأرضه منذ ما يزيد على 71 عام وما نتج عن نكبة عام 1948من تشريد لأعداد كبيرة من اللاجئين داخل المناطق الفلسطينية وإلى دول الجوار ( لبنان سوريا الأردن ومصر والعراق ) فضلاً عن باقي أصقاع المعمورة وما يزيد في هذه المعاناة لعجز المتواصل الذي تواجهه وكالة الأونروا المستهدفة بإلغائها كمقدمة لشطب القضية الفلسطينية وفي طليعتها قضية اللاجئين وحق العودة

في عام 1950 بلغ عددهم اللاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا للنزوح إلى لبنان 127600 لكن أعداد الإحصاءات بقيتتتفاوت وتتباين مما يدل على عدم وضوح الرؤية لجهات إحصاء اللاجئين المعتمدة فكيف الحال بشأن مباشرة الحوار حول القضايا التفصيلية المتعلقة بالوجود الفلسطيني في لبنان اليوم يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بنحو 200 ألف وفق تقديرات الأمم المتحدة، يتوزع معظمهم على 12 مخيماً ومناطق سكنية أخرى65% منهم يعانون الفقر و56% منهم عاطلون عن العملمنذ سنوات عديدة ظلت ابواب العمل وكسب الرزق مقفله في وجه اللاجئين الفلسطينيين في العديد من الوظائف والمهن الخاصة في لبنان فضلا عن حرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدواعي رفض توطينهم رغم ان لبنان كان من الدول المصادقة على معظم بنود بروتوكول الدار البيضاء عام 1965 الذي ينص على ضرورة معاملة الفلسطينيين في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة شعوبهم في إقامتهم وسفرهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية اضافة الى أن لبنان قد أكد في مقدمة دستوره على احترامه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان

إلا ان واقع الحال بقي يشير بخلاف ذلك وظل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعاملون كأجانب محرومين من أبسط الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية من حيث العمل والتنقل والسفر والملكية وما يتفرع عنهما من حقوق اخرى كثيرة

في 28 / 2 / 1982 حين قرر وزير العمل والشؤون الاجتماعية اللبناني آنذاك الدكتور عدنان مروة منع الفلسطينيين من مزاولة 24 مهنة ثم جاء قرار الرئيس أمين الجميل بحرمانهم من العمل في 37 مهنة وبعدها تولى الوزير عبد الله الأمين مضاعفة عدد المهن الممنوعين من مزاولتها إلى 73 مهنة وفقا لقانون العمل الذي يطبق على اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ أكثر من ستة عقود وبتاريخ 7/6/2005 حاول الوزير الدكتور طراد حمادة في خطوة كانت جريئة ونوعية وفريدة في حينه حيث فتحت المجال للنقاش الجدي لإزالة بعض قيود منع الفلسطيني المولود في لبنان والمسجل في سجلات الدولة اللبنانية بمزاولة بعض المهن الا انها كانت جزئية جدا ولم تلامس الحاجة الفعلية للجميع

بعد هذه السنين العجاف وبحسب التصريحات الرسمية اللبنانية انه وبناءً على مقتضيات المصلحة العامة ومراعاة للظروف الاقتصادية التي استدعت إعادة النظر بلائحة المهن الواجب حصر ممارستها باللبنانيين أصدر وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم يوم الاربعاء الماضي 8 / 12 / 2021 قرارا بدمج الفلسطينيين في الاقتصاد الرسمي وذلك من خلال رفع الحظر على عملهم في العديد من القطاعات التي كانت محصورة باللبنانيين فقط ( أكثر من 70 مهنة ) من بينها ( الصيدلة والنقل العام والهندسة والطب والمحاماة ورئاسة تحرير الصحف ) وأي مهن وحرف أخرى تتطلب عضوية نقابية او حرفية

القرار الجديد حدد المهن التي يحق للبنانيين مزاولتها حصرا وأبرزها الوظائف في الإدارات العامة والمهن الحرة والقطاعات التجارية والسياحية والمصرفية والتقنية وفي ذات الوقت سمح للاجئين الفلسطينيين بالعمل في كل المهن الأخرى لينهي بذلك حظرا سابقا ظل اعوام عديدة محل جدل ورفض

كما سمح بموجبه للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية واستثنى من القيود الأجنبيّ المولود لأمّ لبنانية أو متزوجاً من لبنانية والمولودين في لبنان من حملة بطاقة مكتومي القيد أي ( المولدون على الأراضي اللبنانية لكنهم لم يحصلوا على بطاقة هوية لأسباب مختلفة ولهم الأولوية في الحصول على الجنسية في أول مرسوم رئاسي يصدر بالتجنيس )

وقد رحبت كافة الفصائل والقوى والشخصيات الفلسطينية في لبنان بالقرار وقالت في بيان مشترك إنها تثمن هذه الخطوة الهامة والتي جاءت في الوقت المناسب لوزير العمل اللبناني حيث وسعت هامش فرصة العمل للفلسطيني في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنانكما اشادت ورحبت العديد من المؤسسات المعنية بحقوق الانسان والمنظمات الشعبية والشبابية بالخطوة وتوقيتها ووصفتها بالشجاعة لكونها أزالت غبناً وإجحافاً مضى عليه ما يزيد على الـ 46عام بحق الفلسطينيين في لبنان منها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان ( شاهد ) والمنظمة العربية لحقوق الإنسان

القرار الخاص بالأشقاء الفلسطينيين في مخيمات لبنان على ارض الواقع لم يغير شيئاً في القوانين والمراسيم والأنظمة النقابية حيث انما ( وسع نسبة العمالة الفلسطينية فقط ) كما انه لم يخالف الدستور او القانون حيث صدر وفقا لصلاحيات الوزير وسلطاته مع التأكيد على مراعاته للجانب الانساني والأخلاقي والفائدة الاقتصادية التي شكلت جميعها الدوافع الرئيسية وراء صدوره

على اهمية القرار في إنصاف العامل الفلسطيني وتخفيف بعض المعاناة عنه الا انه يحتاج الى خطوات إضافية ثابتة يجب اتخاذها عاجلا وفي مقدمتها اصدار مرسوم يلزم كل الوزارات المتعاقبة بالقرار الصادر عن الوزير الحالي كي لا يسقط بانتهاء مدة ولايته اضافة الى ضرورة تعديل مواد قانون الضمان الاجتماعي بحيث تتحقق المساواة بين العمال اللبنانيين والفلسطينيين بحصولهم على الضمانات والتأمينات الاجتماعية وحقوقهم الإنسانية

هذه الخطوة الجريئة والحكيمة تعبر بمضمونها العام عن روح المسؤولية والعلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني الذي ساهم في حل جزء من الضائقة الاقتصادية والأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان

ومن المأمول أن تكون مقدمةً ومدخل طبيعي وصحيح لتعميق أواصر العلاقات الأخوية الطيبة التي تربط أبناء الشعب الفلسطيني بالأشقّاء في لبنان وكذلك هي فرصة سانحة لتصويب كل العلاقات الفلسطينية – اللبنانية وفقا لمبادئ الحقوق والواجبات وعلى قاعدة أن الفلسطينيين هم ضيوف في لبنان الشقيق ويسري عليهم القانون اللبناني وهم متمسكون بحق العودة إلى أرضهم وديارهم ويرفضون كل أشكال التوطين والتهجير رغم مضى ما يزيد على 57 عام على وجودهم في لبنان

ولابد هنا بكل اعتزاز ان ننوه بالتاريخ المشرق لوزير العمل اللبناني ( مصطفى بيرم ) والذي يعيش في وجدانه وقلبه وعقله النصف اللبناني والنصف الفلسطيني وهو الذي واكب الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وبقي المسؤول المؤمن عن قناعة راسخة بان تحسين الأمور الحياتية وحرية العمل والتنقل وغيرها من الحقوق لأبناء مخيمات لبنان ليست ولن تكون ابدا مقدمة لتوطينهم في لبنان

خلاصة الأمر ان الجميع يعلم بأن الفلسطيني الذي يعيش حياة كريمة يجد فيها قوت عياله وستر حاله ومتطلباته الاساسية والتي تخلو من الإذلال والمهانة فيها ( حصانة للاجئين وقوة وزيادة مناعة ) للتمسك بحقهم بالعودة إلى وطنهم أما الفلسطيني الذي يعيش حالة البؤس والشقاء والازدراء والمحاصرة والتجويع والقهر والمطاردة فسوف يقبل مكرها بأي أمرٍ وبأي حل سياسي قد يملى عليه في سبيل الخلاص من واقعه المرير

اخيرا نقدم شكرنا العميق لمعالي الوزير مصطفى بيرم وإلى لبنان الشقيق رئيساً وحكومةً وشعباً على ما قدم وما زال يقدم من مساعدات كبيرة للشعب الفلسطيني في كافة مراحل نضاله من أجل إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف اضافة الى عمله الدؤوب لتحسين اوضاع اللاجئين في المخيمات والتخفيف من معاناتهم وتوفير الحياة الكريمة واللائقة لهم

والتي سوف تدعم صمودهم في مواجهة مشاريع التوطين والتهجير لحين إقرار حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين في أقرب وقتٍ ممكن وحل قضيتهم العادلة على أساس قرارات الشرعية الدوليةmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.