كلمة حق عند صهيونية جائرة


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم // مهدي مبارك عبد الله

بدم بارد واستهداف مبيت وقرار متعمد وتجهيز مسبق تم اعدام الصحفية الفلسطينية البارزة شيرين نصري أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة التي مثلت بعملها المتميز شمعة الضمير والنضال الحر عن عمر 51 بوحشية طاغية من قبل قناص صهيوني مجرم أطلق صوبها رصاصة متفجرة اخترقت رأسها من تحت الأذن وهي المنطقة الوحيدة التي كانت مكشوفة ولم تغطيها الخوذة الواقية وقد منعت سيارات الإسعاف من الوصول اليها

ما أدى لوفاتها مباشرة أثناء قيامها بعملها المهني في مخيم جنين صباح يوم الاربعاء 11 مايو عام 2022 ( ما يعني أنها أعدمت ميدانيا ) رغم انها كانت ترتدي سترة درع الصحافة أثناء استهدافها فيما أصيب زميلها الصحافي علي سمودي بجروح وصفت بالمتوسطة جاء ذلك بعدما الفشل الذريع لجنوده الاحتلال في الوصول للمقاومين في مخيم جنين شمال الضفة الغربية ومواجهة بطولاتهم وبسالتهم حيث تعمَّدوا الانتقام من الطواقم الصحفية الفلسطينية في جريمة مفجعة خرقت كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية وقد أثار خبر مقتلها الرأي المحلي والعربي والعالمي

طيلة أكثر من عقدين كرست أبو عاقلة حياتها لتكون مراسلة وصحفية اعلامية من الصف الاول لنقل الحقائق كاملة بكل اقتدار واخلاص وشفافية ومصداقية في كل فلسطين كما عرفت بمناهضتها الشديدة للاحتلال الصهيوني وكتابة التقارير الكثيرة حول ممارساته الاجرامية البشعة مع المواطنين الفلسطينيين وقد كانت تعي جيدا انها تعمل تحت ظروف خطرة بشكل دائم كمراسلة إخبارية حربية وهو جوهر العمل الصحفي

الراحلة ابو عاقلة التي تحمل الجنسية الأميركية أيضا تعرضت حياتها أثناء تغطيتها للأخبار والاشتباكات ونقل الواقع في فلسطين المحتلة بكل تفان وشجاعة لمخاطر كثيرة حيث واجهت الموت مرات عدة خلال الانتفاضة الثانية الا انها أصرت على نقل رسالتها الوطنية المهنية رغم كل التحديات والمخاطر حتى دخلت قلوب وبيوت الفلسطينيين وباتت علما من أعلام الصحافة الفلسطينية والعربية وقد قالت قبل أن يغيبها الموت في إحدى المقابلات إنها تضع الخوف في الزاوية وتقوم بإنجاز ما تسعى إليه بضمير ومسؤولية

الاحتلال بعد قتلها مباشرة بدأ يؤسس لسردية ورواية يتنصل من خلالها من الجريمة حيث واصل عاداته بإلقاء التهم وتحميل المقاومة المسؤولية عن الحادثة والإمعان في سياسة التضليل والتزييف للتشويش على لجان التحقيق ولكن كل ذلك لم ولن يخفي الحقيقة خاصة وأن جميع روايات شهود العيان أكدت أن جنود الاحتلال هم من أطلقوا النار تجاه الصحفيين

ضمن هذا التصور الباطل وبكل وقاحة وفي السعي لتزوير الوقائع وقلب الحقائق ادعى وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس بان شيرين أصيبت برصاص مسلحين فلسطينيين كما ادعي جيش الاحتلال ذلك ايضا رغم ان كل شهود العيان وعل راسهم الصحافيين بمكتب الجزيرة شذا حنايشة وعلي سمودي الذين اكدا بان شرين وزملائها الصحافيين كانوا يرتدون سترات صحفية محددة بشكل دقيق

ولم يكونوا قرب المتظاهرين ولم يشكلون تهديدا للجنود الصهاينة وأنهم كانوا في منطقة واضحة ومعروفة للجنود وانهم في كل تغطياتهم كانوا حريصين على الكشف عن موقعهم لقوات الاحتلال ورغم كل ذلك تم استهدافهم بوابل من الرصاص من قبل قناصة إسرائيليين لإرهابهم ومنعهم من أداء رسالتهم والتصدي للتضليل المتعمد ومحاولة تغييب الحقيقة وفيما تمتنع إسرائيل باستمرار عن التحقيق في جرائم الإعدام الميداني التي تنفذها بحق الفلسطينيين

السلطة الفلسطينية بدورها رفضت مشاركة الطواقم الطبية والأمنية الإسرائيلية في عملية التشريح أو التحقيق والنيابة العامة الفلسطينية احتفظت بالأدلة الدامغة بان الجنود الصهاينة هم من قتلوا الفقيدة أبو عاقلة وفي مقدمتها المقذوف الناري الذي استخرج من جمجمتها والذي يشير الى ذخيرة السلاح الإسرائيلي المستخدم والحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال يتحملون المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة

ماجرى للراحلة أبو عاقلة يعكس دموية الاحتلال وإرهابه المنظم بحق الصحفيين الفلسطينيين بالقتل والاعتقال والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحفية الفلسطينية والعربية بهدف تغييب الرواية الفلسطينية التي تنقل جبروت الاحتلال وقتله للشعب الفلسطيني الاعزل

اللافت مؤخرا أن جيش الاحتلال بدأ يتراجع مع مرور الوقت عن مزاعمه بأن أبو عاقلة قتلت بنيران فلسطينية حيث افاد الناطق العسكري الإسرائيلي ران كوخاف ردا على سؤال حول ما إذا بإمكانه التأكيد أن أبو عاقلة تعرضت لإطلاق نار فلسطيني إنه ليس متأكدا ولا يمكنه قول ذلك بشكل مؤكد وأضاف إننا نجري تحقيقا في هذا الأمر من الناحيتين العملياتية والمهنية ونحن الآن ندقق في زاوية إطلاق النار وفي الأعيرة النارية وإذا استهدفنا نحن الفلسطينية فسنضطر إلى الاعتذار واي اعتذار سخيف هذا ابها القتلة المجرمون

أبو عاقلة التي ارتقت غيلة وغدرا في عمل اجرامي خسيس وجبان ولدت في عام 1971 في القدس وهي صحفية فلسطينية تعمل مع شبكة الجزيرة الإعلامية درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثم وانتقلت إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن عادت بعد التخرج إلى فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية ثم مؤسسة مفتاح وإذاعة مونت كارلو ولاحقا انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية وقد انضمت أخيرا إلى سلسلة طويلة من الشهداء الصحفيين الذين مضوا وهم يؤدون رسالتهم الإعلامية النبيلة في ميادين الشرف

الجريمة النكراء لن تمر بدون عقاب وان دماء الصحفية شيرين أبو عاقلة لن تذهب هدراً والمقاومة الفلسطينية الباسلة لن تسمح ببقاء الاحتلال يستبيح المدن والقرى والمخيمات ويعتدي على المواطنين دون انتقام وسوف تبقى بسيفها المشرع الدرع الحامي لأبناء شعبها تدفع الاحتلال ثمن جرائمه البشعة وتسعي الى ملاحقته ومحاسبته قانونيا لدى محكمة الجنايات الدولية مهما طال الزمن وتعاظمت التضحيات

اعدام الصحفية الفلسطينية الكبيرة والرائدة شيرين أبو عاقله كانت محاولة صهيونية فاشلة لتغييب الحقيقة وقتل الصورة التي توثق جرائم الاحتلال وتنقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم وهي جريمة مكتملة الاركان يجب أن تستنهض كل الضمائر الحية لفضح الاحتلال ومعاقبته ويجب ان توحد الصفوف وتنهي الانقسام وتوقف عار التنسيق الأمني المشين وتشعل الغضب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال في كل الأراضي المحتلة

المسؤولون الفلسطينيون مدعوون اليوم لعزل الاحتلال ومنعه من ترويج روايته الكاذبة والمضللة حمل لجرائمه وملفاته بحق الصحفيين التي تعتبر تعدٍ سافر على حرية الإعلام والتعبير وحق الشعوب في الحصول على المعلومات وترتقي لجرائم حرب وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية باعتبار أن الصحفيين الفلسطينيين محميون بموجب كافة القوانين الدولية

وعلى المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الوقوف عند مسؤولياتهم امام هذه الجريمة المروعة بالتحرك العاجل لمنع سلطات الاحتلال من ارتكاب المزيد من الانتهاكات لحرية التعبير والمعلومات واتخاذ كافة الإجراءات لوقف العنف ضد الفلسطينيين والعاملين في وسائل الإعلام وضرورة احترامهم وحمايتهم ومساءلة الاحتلال عن هذه الجريمة وتقديم الضالعين فيها إلى العدالة الدولية والتأكيد على ان استمرار ممارسات الاحتلال البشعة تشكل تهديداً خطيراً للجهود الدولية الرامية إلى تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة كما انها تعوق استئناف العملية السلمية برمتها على أساس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية

وقبل الختام نقول بكل ثقة أن هذا الاستهداف الجبان للإعلامية المخضرمة والمهنية شيرين لن يسكت صوت فلسطين ولن يطفئ نور الحقيقة وستستمر التغطية بكل مهنية ومسؤولية وسيبقى الانحياز الكلي لقضايا الحق والحرية والحقوق الفلسطينية المغتصبة ولن ينال من إرادة وعزيمة الصحفيين رغم ان هذا العدوان الواسع والشرس استهدف منذ بداية العام الحالي أكثر من 66 صحافياً تنوعت إصاباتهم بالرصاص الحي والمطاط وقنابل الغاز السام كما ارتفع عدد الضحايا منذ عام 2000 إلى 48 قتيل في محاولة صهيونية يائسة لاغتيال الحقيقة وإسكات دور الإعلام وصوت الحق وهي في مضمونها رسالة شؤم للحريات العامة وللأعلام العالمي بشكل عام

نعزي أنفسنا وعائلة الاخت البطلة الصحفية القديرة شيرين ابو عاقلة المعروفة على امتداد العالم العربي بأخلاقها النبيلة وتواضعها الجم وكفاءتها العالية والتي أضحت الشاهدة في حياتها وبعد مماتها على أفظع احتلال نازي وفاشي ارهابي عرفه التاريخ المعاصر ومن وحي كفاحها سيواصل حراس الحقيقة من إعلاميين وصحفيين فلسطينيين وعرب واجانب المشوار والطريق الذي سارت عليه شيرين ومَن سبقها من شهداء الحركة الصحفية الفلسطينية

ستظل شيرين أبو عاقلة بسيرتها العطرة ومسيرتها النقية والمرموقة محفورة في ذاكرة الأجيال القادمة التي ستكمل مشوار الثورة والمقاومة والجميع يتذكر بفخر عظيم وقوفها إلى جانب ذوي الشهداء والأسرى فضلا عن انها كانت صاحبة رسالة لمظلومية وحق الشعب الفلسطيني الذي سيبقى يقاوم حتى دحر المحتل وكنسه عن كل أرض فلسطين وسيظل صوتها وزملائها أقوى من ازيز رصاصهم وهم يرفضون ازدواجية المعايير التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة

كما نعزي الزملاء في شبكة الجزيرة الإعلامية وفي فلسطين تحديدًا والاسرة الصحفية العربية والدولية وندين مع الاف الشرفاء والاحرار في العالم جريمة الاحتلال القذر التي تضاف إلى جرائمه اليومية ضد الفلسطينيين ونؤكد على ضرورة مواصلة رسالة الراحلة الغالية شيرين أبو عاقلة بنقل الحقيقة من فلسطين بكل شجاعة وامانة ومسؤولية ومهنية لروحها الرحمة ولذويها وزملائها الصبر والسلوان وامنيات الشفاء العاجل للإعلامي الفلسطيني علي السمودي والحمد الله على سلامة بقية الصحفيين المستهدفين من الاحتلال الغادرmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.