كيف سرق الامريكان أموال الأفغان ؟


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان وفي خطوة اعتبرت معيبة ولا يمكن وصفها إلا انها غير أخلاقية وليست مقبولة ولا معقولة وهي اشبه بعملية سرقة واستيلاء غير قانونية فوض الرئيس الأمريكي سلطات بلاده بقرارٍ تنفيذي صادم صدر في 11 شباط الماضي بمصادرة اموال الشعب الأفغاني المجمدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي الأمريكي ) في نيويورك والتي تصل إلى حوالي 7 مليارات دولار لا لتعود إلى أصحابها الحقيقيين بل ليجري السطو عليها في وضح النهار من قبل من احتلّ أفغانستان وقتَلَ وشرد شعبها لسنوات طويلة ( السارق البيت الأبيض )

التقارير المالية المتخصصة تشير إلى أن الأصول الأفغانية في البنك المركزي تتكون من أموال النقد الأجنبي واحتياطيات البنوك التجارية الأفغانية ومدخرات الناس العاديين

بحسب القرار الرئاسي سيجري تقسيم المبلغ ليتاح أكثر من نصفه على شكل تعويضات يمكن أن تحصل عليها عوائل ضحايا هجمات 11 أيلول والتي تتهم الولايات المتحدة حركة طالبان بالضلوع فيها ( لا يوجد أي أفغاني من المشاركين ) أما المبلغ المتبقي فسيتم بتحويله على شكل مساعدات انسانية متفرقة لأفغانستان توزعها الحكومة الأمريكية للجهات التي تريدها بشرط ألّا تصل إلى يد الحكومة الأفغانية الحالية

يستند هذا القرار إلى القانون الأمريكي المحلّي لتصبح أمريكا بذلك المالك الفعلي لأموال الشعب الأفغاني الذي يعاني اليوم بسببها أقسى ظروف العيش والمجاعة التي تهدد ملايين السكان وقد شكل القرار صدمةً واسعة على مستوى العالم

على الرغم من أن تاريخ أمريكا حافلٌ بقرارات ( تجميد الأصول المالية ) إلا أنها بهذا القرار قامت بمصادرة الأموال الأفغانية وتحويلها إلى موارد لخزينتها المركزية متذرعةً بضحايا هجمات 11 أيلول ( 3 آلاف ضحية ) الذين جرى تهميش الناجين منهم عندما حرِموا من تلقي العلاج الضروري ولم تحصل عوائلهم على التعويضات المقررة واللافت هنا أن أتعاب الشركات القانونية التي وكلها بعض الضحايا قد تصل إلى أكثر من نصف مليار من إجمالي 3.5 مليار التي خصصتها الإدارة الأمريكية للتعويضات

الأموال المودعة في البنك المركزي الامريكي هي ملك للأفغان ويجب أن ينتفع بها الشعب الأفغاني والغريب في الامر لماذا يجب على المواطنين الأفغان العاديين الذين لا علاقة لهم بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أن يحرموا من مدخراتهم المالية القانونية والشرعية وان تدمر حياتهم على يد البيروقراطيين الامريكان

بدون إعادة لسرد قصة ظهور طالبان يمكننا جميعا أن نتفق على أنه لم يصوت جميع الافغان لصالح طالبان في انتخابات سنة 1996 وهناك عدة أسباب أخلاقية وعملية توجب على إدارة بايدن أن تتخلى عن هذه الخطة غير المبررة والمشبوهة

أمريكا مرات عديدة وقفت في وجه طالبان وحملتها مسؤولية العنف غير العادي والقمع الوحشي الذي حصل في طول وعرض البلاد وها هي اليوم بشكل علني تساعدها في إعادة بناء حكمها وسلطتها فعلى أي جريرة يتحمل الشعب الأفغاني المسؤولية عن أفعال تلك الجماعة حيث والحقيقة المؤكدة أن الشعب الأفغاني وقع في الغالب ضحية لطالبان والقاعدة والامريكان

وأن أخذ اموالهم ودفعها للأمريكيين المفجوعين يعد أسلوب ابتزاز امريكي غير عملي لمعاقبة طالبان وهو في المحصلة ليس سوى سرقة منظمة وعقاب جماعي مرفوض في وقت يعاني فيه شعب أفغانستان انهيارا اقتصاديا ضخما وحالة جفاف ممتدة ناهيك عن ويلات الوباء وتجميد المساعدات الغربية بعدما ترك الامريكان البلاد في حالة فوضى تامةواشنطن وجدت في هجمات أيلول / سبتمبر سبباً كافياً لمصادرة أموال المصرف المركزي الافغاني وفرض عقوبات على كامل الشعب الأفغاني وحرمان البلاد من المساعدات المختلفة بما فيها الطبية التي تعتمد بنسبة 80% على المساعدات الخارجية مما يفاقم الأزمة الإنسانية في البلادفي المقابل ألا يمكن القول بان أمريكا وباكستان وروسيا وبريطانيا والعديد من الدول الأخرى منها عربية تتحمل أيضًا مسؤولية كبيرة عن مقتل الآلاف من المدنيين في أفغانستان مع الجزم المطلق بأن عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر تستحق العدالة والتعويض على الخسائر التي تكبدوها وكذلك ألا ينبغي أيضا تعويض الضحايا الأفغان مقابل ما لاقوا من عنف وقتل ودمار من قبل امريكا وحلفائها وبنفس الحرص والشمولية

بغض النظر عن النزاعات القانونية حول الدعاوى القضائية والأحكام الافتراضية التي يهدف هذا الأمر الرئاسي التنفيذي ظاهريا لمعالجتها بالأساليب الاستعمارية التقليدية فإن الرسالة وصلت وفهمت بان حياة الأمريكيين أكثر أهمية وقيمة من حياة الأفغان وان المأساة الأمريكية التي حصلت في البرجين كانت أعظم من كل الألم والعذاب الذي كابده الأفغان عبر السنوات الطويلة من القتل والدمار والتشرد والاستعباد

أفغانستان عانت من اضطرابات مدمرة دامت أكثر من 40 سنة ومع بداية الغزو السوفيتي قامت أمريكا بتجنيد الاجانب والأفغان في صراعها العالمي مع موسكو وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر سرعان ما تعرض الأفغان على أيدي الأمريكيين في قاعدة باغرام الجوية لأبشع صنوف القهر والتعذيب والمداهمات الليلية القاتلة والهجمات الوحشية من قبل الطائرات الأمريكية الحربية والمسيرة التي قتلت الكثير من المدنيين بدون ذنب

منذ أن استولت طالبان على السلطة لا تستهللك95% من الأسر الأفغانية ما يكفي من الغذاء للحفاظ على أنفسهم ويواجه مليون طفل أفغاني الجوع الحاد وأكثر من ثلاثة ملايين يعانون من سوء التغذية وقد نزح ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون شخص من منازلهم بسبب القتال في بلد فيه أربعة ملايين شخص مشرد

مساعدات الإغاثة الفورية هو ما تحتاجه أفغانستان فضلا عن إعادة بناء اقتصادها الفعال والخاص بها والذي أصبح الآن أكثر صعوبة مع إفلاس أمريكا للبنك المركزي الأفغاني وبالتالي فإن الأمر التنفيذي لبايدن سيقوض مستقبل من الاستقرار والنمو الاقتصادي فلا يمكن للاقتصاد الوطني ببساطة أن يعمل بدون بنك مركزي ونظام تجاري موثوق بالرغم من أن بعض العملات الأجنبية تدخل البلاد من خلال كيانات مختلفة إلا أنها غير كافية والتجارة الدولية شبه مستحيلة ولا يمكن استيراد او تصدير البضائع وأفغانستان بذلك شبه معزولة عن العالم

سرقة أمريكا اموال البنك المركزي الأفغاني سوف تجعل طالبان محرومة وهو أسلوب استعراضي يبدو أكثر سخف وجنون عندما نكتشف أنه بموجب القواعد الأمريكية الحالية فإن المنظمات غير الحكومية العاملة في أفغانستان مسموح لها دفع الضرائب ورسوم الاستيراد لطالبان طالما أن المدفوعات مرتبطة بالأنشطة المصرح بها وهذا في الغالب هو الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله دخول المعونات للبلاد

المليارات التي جرت مصادرتها يمكن أنْ تخفف بعض الشيء من حالة الاستياء الشعبي التي تشهدها الولايات المتحدة ويمكن أن تبدو حلاً لمشكلة قديمة عالقة ولكن هذا يعدّ نتيجةً ثانوية لما تريده واشنطن في الخفاء من خطوتها هذه

السؤال المطروح أمام تلك الغطرسة والابتزاز من الذي يمنع أمريكا من تهديد حياة ملايين الأفغان وما هو دور المجتمع الدولي في وقف سلوك البلطجة والسطو العلني على ممتلكات الغير الذي تمارسه واشنطن وهل يدرك حكام الولايات المتحدة الآثار الكارثية التي قد تترتب عن انفجار اجتماعي وأهلي في أفغانستان على ثلث سكان الكرة الأرضية

دون الدخول في تقدير حجم ضحايا الولايات الأمريكية في أيلول 2001 وبغض النظر عن كل المؤشرات التي تؤكد تورط الولايات المتحدة نفسها في هذه الهجمات حتى تجد ذريعة لتبرير حربها ضدّ الإرهاب ينبغي علينا أنْ نسأل ماذا لو طالب الشعب الأفغاني بتعويضات مماثلة عن جرائم حكّام الولايات المتحدة والـ 50 دولة الأخرى التي شاركت في غزوه ودماره

حسب دراسة علمية جرى تقديمها في جامعة بون الأمريكية تسببت الأعمال العسكرية التي قادتها واشنطن منذ 2001 بمقتل أكثر من 241 ألف أفغاني كان من بينهم 71 ألف مدني أعزل يضاف إلى هذه الأرقام المخيفة أعداد اللاجئين التي بلغت 2.5 مليون لاجئ و3.5 مليون شخص اضطروا للنزوح عن ديارهم بسبب الحرب حتى أن خسائر واشنطن وحدها في حرب أفغانستان بلغت ما يقارب 2.3 ألف جندي

لا زالت واشنطن حتى اليوم تحاول تعقيد الوضع في أفغانستان بشكل أكبر عبر تضييق الخناق على الشعب الأفغاني أملاً في تفجير الأوضاع في الداخل في سياق محاولتها رفع فاتورة إنقاذ أفغانستان على كل الدول المحيطة بها خاصة وأنها أعلنت اكثر من مرة انها في هذه المرحلة لا ترغب في تطبيع العلاقات مع حركة طالبان أو الاعتراف بها حكومةً شرعية في أفغانستان

بوضوح أكبر ما أرادته واشنطن من هذا القرار تحديدا هو تعقيد الأمور بالنسبة للدول التي باتت تعيد التفكير في علاقاتها مع أفغانستان وتحديداً دول الخليج وبعض الدول الأوروبية والتي بدأت مؤخراً ببعض المبادرات لتطبيع العلاقات مع طالبان بشكلٍ تدريجي بعدما رفضت عزل أفغانستان بهذا الشكل الوحشي وهو ما من شأنه إضعاف ( مشروع الفوضى الأمريكي ) المخطط لنشره في أفغانستان بتشديد سياسة العقوبات الأمريكية عليها والتي ربما تشمل قريباً كلّ المتعاملين معها مما سيشكل رادعاً بالنسبة لعدد كبير من الدول وهو ما سيرفع بالنتيجة من حدة التناقضات التي تشهدها علاقات أمريكا مع العالم ويزيد من الضغط على دورها المحوري

الأمر التنفيذي لبايدن يوضح مدى النفاق الذي يتسم به إضافة الى القسوة والسرقة المتنكران في زي الإحسان والعدالة ولهذا يجب أن يلغى قبل أن يصبح ضرورة ملحة وغير قابلة للإصلاح

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.