لا تستعجلوا بالحكم على عدم رد المقاومة


مهدي مبارك عبدالله

=بقلم / مهدي مبارك عبد الله

الجميع سواء في داخل فلسطين او خارجها كانوا ينتظرون بفارغ الصبر التنفيذ العملي والواقعي لتهديدات فصائل المقاومة الفلسطينية بالرد الموجع على ما جرى من استفزازات شنيعة وانتهاكات صارخة بحق المسجد الأقصى وأهالي مدينة القدس خلال مسيرة الاعلام وقبلها وهو ما استعد له الاحتلال فعلياً بنشره منظومة القبة الحديدية والدفاع الجوي قبل أيام قليلة من مسيرات الاعلام لكن شيئا من ذلك لم يحدث وكأن ( المقاومة وقفت موقف المتفرج ) امام عنجهية وغطرسة المستوطنين المتطرفين فما الذي جرى وهل فقدت المقاومة عنصر المفاجأة والخدعة وتحقيق الصدمة لدى العدو

ولماذا سادت حالة الصمت المطبق وضبط النفس المربك التي مارستها المقاومة في الميدان باحتوائها للموقف وعدم انسياقها كليا وراء المشاعر والعواطف ورد الفعل أو ضغط الرأي العام باتخاذ القرارات الفردية الحقيقة ان تلك كانت مجمل الاستراتيجية العسكرية والنهج الجديد وتكتيك الحرب النفسية المدروسة التي اعتمدتها فصائل المقاومة في قطاع غزة عبر غرفة العمليات المشتركة التي أصبحت تزداد قوة وصلابة ووحدة وتماسك وتنظيم في العمل المشترك

لقد نجحت المقاومة بكل حنكة وعقلانية في عدم الانجرار والتهور بالرد السريع على الاستفزازات الاسرائيلية المختلفة ويذلك تجنبت الدخول في معركة غير محسوبة نتائجها في ظل حالة الاستنفار الكامل للوحدات القتالية لجيش الاحتلال وتحضيره المسبق بأجرائه مناورة ضخمة بدأت قبل 3 أسابيع من مسيرة الأعلام كانت الأكبر في تاريخ إسرائيل اطلق عليها اسم ( عربات النار )

ليس من الحكمة البديهية والرؤية العسكرية السليمة اتخاذ قرار بالحرب في ساعة محددة وفي ظل جهوزية كافة الأسلحة للعدو ( الجيش الذي يحارب بتوقيت عدوه خاسر لامحالة ) كل ذلك التكتيك عكس حالة النضج السياسي الكبير وبما يؤكد أننا أمام مقاومة راشدة وواعية يمكنها تقدير الموقف بما فيه مصلحة شعبها ووجودها وقد شكل ذلك نقطة مهمة في التخطيط حسبت لصالح المقاومة في الردع من خلال التلويح بالسلاح دون استخدامه وتحقيق نتائج سريعة بأقل كلفة مادية وبشرية

نهج المقاومة الجديد فاجئ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقلب معادلاتها وأربك حساباتها وزاد تخوفاتها وهواجسها حول طبيعة الرد المحتمل وما هي آلياته وادواته وكيف يمكن تمرير حالة الانتقام والغضب عما حدث في المسجد الأقصى وعلى أي جبهة يمكن أن يكون التحرك الأمر الذي دفع قوات الجيش الإسرائيلي قبل القيام بمسيرة الأعلام وبالتزامن معها وحتى اليوم الى رفع حالة الجهوزية الشاملة والتعبئة الكاملة لكافة قطاعاتها واستمرارها في حالة الاستنفار القصوى خشية رد غير متوقع من المقاومة وهو ما انعكس على الوضع الأمني وتحركات ونفسية الجنود على طول الحدود مع غزة وبشكل أصبح يستنزف قدرات وامكانات الاحتلال

كان بمقدور المقاومة أن تدك وتمطر المدن والمطارات والموانئ والتجمعات الصناعية والمراكز الحيوية الإسرائيلية وحتى مدينة القدس بزخات كثيفة من ألاف الصواريخ الموجهة وتفسد احتفالات المستوطنين بمسيرة الأعلام كما كان في أيار عام 2021 لكنها لم تفعل ذلك واثرت الروية والعقلانية وضبط النفس لعدم تدهور الأمور أكثر وتكبد خسارة أكبر

بالرغم من اعلان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في عدة تصريحات متلفزة بان ( ما جرى في القدس والمسجد الأقصى لن يغتفر ) وهو ما يعني حتما بان المقاومة سترد ولكن ليس في الوقت الذي يستعد فيه الاحتلال لهذا الرد ونوعه وشكله حيث تركت المقاومة الأمر مفتوح بدون تقديم أي تعهدات أو ضمانات حتى للوسطاء حول ما ستؤول اليه الأوضاع ليسقط في يد الاحتلال وينشغل بالتفكير والقلق والترقب فمن الطبيعي عدم إعطاء الاحتلال فرصة لتحديد ساعة الصفر في المقابل تتمكن المقاومة من الأعداد والتجهيز لتلك اللحظة المنتظرة على طريق مواصلة كفاحها المسلح وحقها المشروع في المقاومة حتى اجتثاث الاحتلال وكنسه من كل ارض فلسطين المغتصبة

الملاحظ ميدانيا ومنذ سنوات ان المقاومة الفلسطينية تسجل ضربات مؤلمة في مرمى الاحتلال وعدم ردها المستعجل على الاعتداءات والاستفزازات الأخيرة في القدس في يوم مسيرة الاعلام وغيرها حقق الكثير من اهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى مقابل بعض الأهداف البسيطة التي كانت ستحققها لو كان ردها آنياً ومستعجلا

الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعدما استطاعت المقاومة إدارة الصراع والمعركة بطريقة ذكية ومختلفة تحاول جاهدة بكل الوسائل الاستخبارية والتقنية فهم واستنباط ما يدور في ذهن المقاومة ولكن دون جدوى وهو ما يبقي جيش لاحتلال في ارهاق مستمر واستنزاف متواصل وترقب متعب وحذر مكثف دون سماع اي طلقة حيث لا تزال عناصره مستحكمة ومتخفية عن الأنظار على طول خط المواجهة فيما تمنع السلطات الإسرائيلية المستوطنين من الوصول إلى المناطق الزراعية القريبة من حدود غزة بعد إخلائها لعدد من مستوطنات الغلاف بشكل شبه كامل

من اجل المصلحة الوطنية العليا عضت المقاومة كثيراً على جراحها وبما يستلزم تفهم الظروف المحيطة بها وتقدير المواقف ضمن إطار البيئة الاستراتيجية في غزة خاصة على صعيد الوضع الاقتصادي وتأخر إعادة الإعمار والحرص على بقاء الحاضنة الشعبية متينة للمراحل المقبلة والأخطر سيما وأنه لم يمر سوى عام واحد على معركة سيف القدس وما خلفته من ضحايا وشهداء ودمار وتردي في كل نواحي الحياة اليومية

لعل من أن أبرز العوامل التي دفعت المقاومة لتأجيل قرار الرد والمواجهة مع الاحتلال يتعلق بدور الوسطاء والوساطات والاتصالات والطلب من المقاومة الهدوء وضبط النفس سواء كان ذلك من الأمم المتحدة أو القاهرة أو الدوحة او أطراف أخرى كما يضاف الى كل ذلك محدودية المواجهات في الضفة والقدس التي دفعت بالمقاومة للتريث حتى لا تنحرف البوصلة وتتجه نحو استهداف غزة بكل تلك الجهوزية الكبيرة

المواجهة الحقيقية لمسيرة الأعلام الاستيطانية لم تكن بحاجة الى خوض معركة عسكرية تقليدية تنتهي بعد أيام ثم يعود الهدوء الخادع بلا نتائج ملموسة على الأرض والاهم من ذلك هو تفعيل وتعميم روح المقاومة الشعبية الشاملة في كل نقاط التماس في الضفة والقدس والداخل واشعال كل الأرض الفلسطينية عصيان وتمرد ونار حامية ولهيب حارق تحت اقدام الغزاة المحتلين

في العرف العسكري والثوري الملتزم ( المقاومة لم تعد عملا عشوائيا ولا عاطفيا ) بل هي اجراء استراتيجي منظم ومخطط ومدروس له اسسه وقواعده ومتطلباته من حيث معرفة ما لديك وما لدى عدوك ثم تحديد وقت المعركة المناسب ولهذا استطاعت المقاومة وبحكمة بالغة وبعد قراءتها للمشهد وجمعها للتقارير والمعلومات الاستخباراتية تفويت الفرصة التي كان ينتظرها الاحتلال حيث أسقطت خططه مع بدء مناورته العسكرية الضخمة وجهوزيته العالية وقوضت ما كان يحضره لغزة ومقاومتها تماما كما أفشلت في السابق خطته لتدمير مترو الأنفاق التي تغنى بها طويلا

لا تستعجلوا بالحكم على عدم رد المقاومة فصمتها كان جزء من رشد وحكمة وحيلة وإعداد والمعركة لا زالت قائمة ومتجددة والاحتلال ما زال جاثم على الارض والصدور والرد المؤلم ات لا محالة والامر ليس أكثر من مسألة فرصة ووقت

ادعوا الله تعالى ان يسدد رمي ابطال المقاومة في فلسطين وان يصوب رأيهم المبين وأن يكونوا عوناً وسنداً للشعب والقدس والأقصى والامة اللهم امينmahdimu.barak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.