ما هو المطلوب لإنجاح اعلان الجزائر


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم // مهدي مبارك عبد الله

منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007 وقيام نظامين سياسيين منفصلين في الضفة والقطاع جرت عشرات اللقاءات والاتفاقات وجولات الحوار بين الفريقين بغية التوصل لمصالحة وطنية بدءاً من اتفاق مكة 2007 وحتى تفاهمات إسطنبول 2020 وما بينهما اتفاق القاهرة والدوحة والشاطئ وموسكو إلا أنها كانت تتعثر وبقي الانقسام بين فتح وحماس مستحكما على حاله من زيادة التناحر والخلافات نظرا لعدم وجود إرادة سياسية بين الطرفين

أواخر العام الماضي وبالتزامن مع استعداد الجزائر لاستضافة القمة العربية مطلع شهر نوفمبر المقبل دعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى لقاءا وطني جامع للفصائل الفلسطينية وبعد نحو 10 أشهر اجتمع ممثلو 14 فصيل الأسبوع الماضي في محاولة لوضع حد للانشقاق الذي يمزق صفوفهما والمستمر منذ 15عام مع تعاظم امال أبناء الشعب الفلسطيني ألا تكون النتيجة كما العادة من الإحباط المزمن نفسه الذي تعايشوا معه عقداً ونصف العقد من الزمن

برعاية كريمة من الرئيس عبد المجيد تبون وفي لحظة اعتبرت تاريخية أحدثت نقلة في ملف الانقسام الفلسطيني بالاتجاه الإيجابي وقعت الفصائل الفلسطينية على رأسها حركتا فتح وحماس يوم الخميس الماضي 13 أكتوبر الجاري اتفاق إعلان الجزائر في ختام أعمال مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية والذي تضمن 9 بنود غطت كافة القضايا المحورية في ملف الانقسام الفلسطيني من ضمنها الالتزام بجدول زمني لإجراء الانتخابات العامة للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني الفلسطيني في غضون عام على اقصى حد حيث يأمل ان يكون الإعلان بمثابة الأرضية الصلبة لتحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية واغلاق ملف الفُرقة والاختلاف

الحقيقة الغاطسة ان ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس ليس شأناً فلسطينياً بحتاً بل مسألة تخضع لتأثيراتٍ إسرائيلية وأميركية وتجاذبات عربية – عربية يطول تفصيلها ولا نستطيع الدخول فيها هنا لغايات الاختصار

بعض المحللين والمتابعين وصفوا توقيع الإعلان اق بمثابة الفرصة الأخيرة لأنه إذا لم تتحقق نتائجه في هذه المرة على ارض الواقع وبقى مجرد حبرا على الورق فسيذهب الجميع للخيارات البديلة التي تقوم على مقاربة الانفصال الكامل وانتشار الفوضى السياسية الشاملة والتي قد تصل لحد حرب أهلية وقد عزز الشكوك حول هذه المصالحة غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عنها والذي كان في زيارة الى كازاخستان

كثيرة هي التساؤلات والمخاوف التي برزت بعد توقيع الوثيقة منها على سبيل المثال هل من الممكن ان تنجح الجزائر في ما فشلت فيه دول عربية ودولية اخرى تحظى بالتأثير السياسي ولها خبرات طويلة في المفاوضات وهل بحمل هذا الإعلان أي جديد عن الاتفاقيات السابقة وهل توقيع الاتفاق بهذه الصورة يقع ضمن مفهوم الشكلية ومبادئ العلاقات العامة والمجاملة وإظهار التقدير والاحترام للجزائر فقط وهل يزول ركام فقدان الثقة بين حماس وفتح

الذي يحول دون تسليم حماس السيطرة على قطاع غزة للسلطة الفلسطينية خاصة في ظل الخلاف القائم بينهما حول مرجعية الحكومة وهل يمكن بلغة الحوار والتشاور التغلب على عقبات انضمام جميع الفصائل لمنظمة التحرير الفلسطينية وانها معوقات تشكيل الحكومة الوطنية المقبلة وكذلك تجاوز إصرار حركة فتح على بوجوب التزام الموقعون على الاتفاق بمقررات الشرعية الدولية وهي النقطة التي ترفضها حماس ةبعض فصائل المقاومة الأخرى وايضا ماذا بعد التوقيع هل يمكن عقد انتخابات شاملة طبعا لا فإسرائيل لا زالت تمنع عقدها في القدس وبالتالي لن تجري بالكامل

ذلك غيض من فيض وهو يمثل بعض أسباب الإحباط والشك خصوصاً ونحن نرى أن ما اتّفق عليه في الجزائر لا يختلف كثيراً عن الاتفاقات السابقة التي لا تَقدِر السلطة ممثلة بحركة فتح على هضمها ولا يقبل بها المحتل الإسرائيلي وتعارضها أطراف عربية أخرى

بلا شك ان مجرد توقيع الاتفاق يعتبر خطوة إيجابية ذات نوايا طيبة على طريق تحقيق المصالحة الفلسطينية التي يحتاج تنفيذها الى إرادة سياسية حقيقية لدى جميع الأطراف وبناء خطة عمل محكمة ومنظمة بالإضافة الى ضرورة تشكيل لجنة فلسطينية عربية إسلامية برئاسة الجزائر لمتابعة التنفيذ كأساس للنجاج ومواصلة الصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال

المطلوب من اجل إنجاح الاتفاق على أرض الواقع وحتى لا يكون الإعلان مجرد إعلان للقمة العربية بوجود اتفاق فلسطيني وتحسين صورتهم امام القمة لا بد من تشكيل جسم عربي مساندة لتحقيق المصالحة تلعب فيه دول وازنة للدفع نحو المصالحة كمصر والأردن والسعودية و دول إسلامية لها تأثير على طرفي الانقسام مثل تركيا وكذلك لا بد من اتخاذ قرار سياسي من طرفي الانقسام فتح وحماس للعمل الصادق على التنفيذ وإزاحة العقبات من أمام تحقيق نتائج طيبة للاتفاق

ومن الضروري جدا العمل على تهيئة الأجواء السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة لتطبيق بنود الاتفاق على الارض والالتزام بجدول زمني متفق عليه بين الجميع حيث العبرة في التنفيذ وللأسف الشديد نجد عبر الخبرات السابقة انه لا يوجد أي مؤشرات حقيقية على نية أي من طرفي الانقسام تنفيذ أي اتفاقيات يتم التفاهم عليها وربما يكون إنهاء الانقسام في المنظور القريب أمر غير ممكن فالتجارب الكثيرة في هذا السياق مريرة جداً ولا تبشر بخير وهذا ليس من باب استشرافً الفشل بقدر ما هو تحوط مما قد يكون قادما وغير مفاجئ

الأهم في هذا الاتفاق هل ستكون في هذه المرة القيادة الرسمية الفلسطينية التي أثبت منذ عام 2005 أنها غير معنية بمخرجات أي حوار وطني يقود إلى إصلاح بنيوي وهيكلي في أطر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين ومؤسساتهما مختلفة عن كل ما سبق وهل بإمكانها اجراء انتخاب للمجلس الوطني الفلسطيني خلال سنة على أساس نظام التمثيل النسبي الكامل وتشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ في غضون سنة على أساس برنامجٍ متّفق عليه وتكريس مبدأ الشراكة السياسية وتعزيز دور منظمة التحرير وإجراء انتخاباتٍ تشريعية ورئاسيةٍ في جميع المناطق الفلسطينية تلك أمور يعتقد كثيرون ان دونها خرط القتاد

يذكر في هذا الشأن أن حماس وفتح وقعتا في تشرين الأول 2017 اتفاق مصالحة في القاهرة يقضي بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بحلول الأول من كانون الثاني من العام نفسه لم يكد يمضي شهر واحدٌ حتى كانت الفصائل الفلسطينية نفسها الأربعة عشر تجتمع في القاهرة مجدداً حيث اتفقت على إجراء انتخاباتٍ عامة في موعد أقصاه نهاية عام 201 وحسب ذلك الاتفاق كان يفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني في منظمة التحرير متزامنة وكانت المفارقة في تخويل الرئيس محمود عباس تحديد موعد الانتخابات بعد تشاوره مع كافة القوى والفعاليات الوطنية والسياسية تنكر للكل العهود والاتفاقيات

الجماهير الشعبية العربية والفلسطينية بكل اطيافها واماكنها رحبت بتوقيع الفصائل الفلسطينية على إعلان الجزائر ودعمت كافة الخطوات الرامية لتحقيق الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني باعتبارها مصلحة عليا تساهم في تحقيق تطلعاتهم والمضي قدما لتعزيز صمودهم في مقاومة الاحتلال لنيل حقوقهم المشروعة واستدامة روح الوحدة والشراكة بينهم كما قدروا وتمنوا عاليا جهود جمهورية الجزائر قيادة وحكومة وشعب اعتجارها الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني والذي تعتبر امتدادًا لدورها في نصرة القضية الفلسطينية العادلة ومن أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الصهيوني الغاصب

الجزائر ليست كمجرد مكان تلتقى فيه وفود الفصائل بل الدور والمكانة والعلاقة التاريخية مع كل الفصائل ولا ننسى أن الجزائر فتحت أبوابها لفتح وغيرها ومن عاصمتها كانت اللقاءات والقرارات الفلسطينية ومن عاصمتها تم الإعلان عن قرار قيام الدولة الفلسطينية وفى الجزائر توجد مكاتب لكل من فتح وحماس وجالية فلسطينية كبيرة منذ زمن بعيد

الواجب الوطني في ظل هذه الظروف المصيرية الخطيرة يحتم على كافة الفصائل الوطنية الفلسطينية توَحيد كلمتها ورص صفوفها واستعادة وحدتها كعنوان لقوتها وعزّتها وكرامتها في تصديها للهجمة الإجرامية على المسجد الأقصى المبارك ومن هنا عليها التوافق وتوحيد البنادق والنضال المشترك لإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتحرير الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم

ألم يكفي ما يفعله المحتلون صباح مساء من قتل واعتقال وتدمير وسَلْب ونهب ومصادرة وما تتعرض له المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك من اعتداءات متكررة ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني المرابط رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً من قمع واقتلاع وتشريد هل نسيتم الشهداء الأبطال الذين رَوَوْا بدمائهم ثرى هذا الوطن الغالي ماذا نقول للأسرى البواسل الذين ضحوا بحياتهم وحريّتهم وما زالوا ينتظرون ساعة الفرج وانتم منشغلون بخلافاتكم وعداوتكم وانقسامكم

ما يخشاه الكثير من الفلسطينيون بعد هذه الجولة الصعبة من التوافقات ان يكونوا أمام حلقةٍ جديدةٍ من مسلسل النكث بالعهود وخرق المواثيق والتنكر للاتفاقيات ثم الدخول في جولة أخرى من تبادل الاتهامات والتخوين واحتدام الصراع والتشظي قبل أن يعود الجميع إلى سيناريوها المراحل السابقة في ابشع صورها المؤسفة والمخيبة للتطلعات والآمال نرجوا ان يكونوا مخطئين وسنكون عندها نحن اسعد الناس بذلكmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.