من قسام 1 الى عياش 250 القادم اعظم


مهدي مبارك عبدالله

 

بقلم /مهدي مبارك عبد الله

الهجمات الصاروخية الهائلة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة المجد والصمود والنصر تذكرنا بتلك التي استخدمها حزب الله في حربه التي طال أمدها والتي أجبرت إسرائيل في نهاية المطاف على الانسحاب من لبنان وقطعت يده الاثمة امن ستهداف اجوائه ومدنه ومواطنيه وبعيدًا عن النظرية المضللة التي تقول بأن صواريخ المقاومة كرتونية وعبثية ولا تسقط ذبابة كما قالها ذات يوم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وان حماس والفصائل الأخرى بهذا الكم من الصواريخ تجر القطاع إلى حرب لا طائل منها

الحقيقة إن الرواية التي لا يريد الكثير طرحها وتصديقها هي إن كل الجهد الجبار للمقاومة لم يكن سوى رد فعل غاضب على ما جرى من عدوان وارهاب منظم وانتهاكات مستمرة واستفزازات متواصلة من قبل قوات الجيش والشرطة وقطعان المستوطنين المتطرفين للمواطنين في القدس والاعتداء على حرمة الاقصى ومحاولة السيطرة بالقوة على منازل المواطنين في حي الشيخ جراح وان كل تلك السياسات الصهيونية كانت مبيته منذ زمن بعيد من دون الحاجة الى اطلاق الصواريخ أو معها والسؤال القديم الجديد هل كان الفلسطينيون يمتلكون صواريخ حين وقعت لهم ( مذبحة دير ياسين ) وهل كانوا يملكون سلاحًا أصلًا في ( مخيم صبرا وشاتيلا ) وربما لو كانوا يملكون القوة والسلاح والصواريخ المتطورة التي تجعل مدن وتجمعات الصهاينة تحترق تحت جحيم الخوف والموت والدمار لم تكن هذه المجازر لتقع من الأساس

بمرور الوقت تطورت صواريخ المقاومة الفلسطينية من حيث المدى وقابلية حملها رؤوس حربية أضخم وأثقل فقد انتظر المقاتلون في غزة حتى عام 2012 لتصل الصواريخ إلى تل أبيب ( 80 كيلومترًا ) ثم في عام 2014 ليصل أحد الصواريخ إلى حيفا (160 كيلومترًا ) ومعها تغيرت معادلة الردع وقواعد الاشتباك بالكامل حيث انتقلت المعركة إلى داخل العمق الإسرائيلي دون الحاجة إلى عبور الحدود التي تخضع لحراسة مشددة أو استخدام الاستشهاديين الانتحاريين ذوي الأحزمة الناسفة وهو ما كانت إسرائيل تحرص على عدم حصوله في كل حروبها السابقة ضد الدول العربية بالضربات الخاطفة داخل اراضيها

من المهم جدا وقبل الاستفاضة في العرض والتحليل ان نبين إن الهدف من تلك الصواريخ ليس القتل واسقاط اكبر قدر من الضحايا والمصابين بقدر ما هو تعطيل الحياة وشلها في إسرائيل وهو ما يشكل ضغطًا سياسيا يوقف العدوان اضافة الى نشر الهلع والرعب في نفوس الصهاينة ووقف النشاط الاقتصادي و تعطيل المواصلات والخدمات والمدارس والمصانع والملاحة الجوية والبحرية ووضع نصف الشعب الإسرائيلي في الملاجئ المحصنة وتحت رحمة صفارات الإنذار المبكر ومما يصعب الوصول الى ارقام القتلى والمصابين وحجن الدمار بشكل دقيق التعتيم الاعلامي والرقابة العسكرية المشددة التي يفرضها الجيش على اماكن وقوع الصواريخ وعدد الضحايا والاصابات لأسباب عسكرية وأمنية بحتة ومن المتعارف عليه صواريخ المقاومة تحمل عبر رموزها الأولى أسماء قادة الحركة الشهداء والارقام المثبتة عليها تدل على المسافات التي من الممكن ان تصل اليها

بداية الطريق الشائكة في تصنيع صواريخ المقاومة والتي مرت بمراحل متعددة كانت في عام 2001 مع الشهيد القسامي نضال فرجات مصنع صاروخ قسام (1 (بمساعدة زميله تيتو محمود مسعود وكبير مهندسي القسام عدنان الغول بإمكانات بدائية للغاية وقد كان حجم الضرر المادي والإصابات طفيفًة جدا حين سقط أول صاروخ محلي الصنع داخل مستوطنة سديروت التي تبعد عن شمال قطاع غزة المحاصر نحو 1.6 كيلومتر والشهيد فرجات هو أول من حاول تصنيع طائرة بدون طيار ( المسيرات ) وقد تم اغتياله عام 2003 خلال تصنيعه طائرة ابابيل ثم جاءت المرحلة الثانية بصناعة وتطوير صواريخ القسام(2) بقدرات اعلى واصابات ادق وقد شهدت الفترة ما بين عام 2001 وحتى عام 2007 انتشار فكرة تصنيع الصواريخ لتشمل مختلف الأذرع العسكرية لقوى المقاومة في المقابل قامت اسرائيل بتطوير منظومة القبة الحديدية التي طورتها ( شركة رافاييل العسكرية ) وقد روج لها الجيش الإسرائيلي طويلا من حيث دقة الاعتراض التي تصل إلى 87% ولكن تبين بالواقع الميداني بان هذه النسبة غير صحيحة وحتى مع افتراض اعتراضها الصواريخ فإن القبة الحديدة تعترض جسم الصاروخ المنطلق وليس رأسه الحربي وهناك فرق كبير بين الاثنين

في عام 2007 شهدت منظومة الصواريخ التي تمتلكها المقاومة نقلة نوعية حيث تمكنت من تهريب صواريخ غراد التي وسعت رقعة المناطق المستهدفة لتصل ما بين 25 إلى 40 كيلومترًا بعدما كانت من 7 إلى 10 كيلومترات فقط ولا تتجاوز أسدود وبئر السبع

نهاية تشرين الثاني 2012 ومع اغتيال قائد أركان كتائب القسام السابق أحمد الجعبري كان الموعدًا في مفاجأة الفلسطينيين والمحيط العربي بعد أن قصفت المقاومة القدس المحتلة وتل أبيب بصواريخ من طراز فجر(5 ) إيرانية الصنع بالإضافة إلى صاروخ ( إم75 ) محلي الصنع والذي تم تسميته نسبة إلى القيادي البارز في الحركة الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي إبراهيم المقادمة

وخلال عدوان عام 2014 تفاجئ الاحتلال من جديد بالكشف عن صواريخ جديدة أسهمت في تسديد ضربات نوعية للاحتلال كان من أبرزها صاروخ ( جي-80 ) نسبة إلى أحمد الجعبري المزود بتقنيات خاصة ثم الكشف عن صاروخ ( آر160 ) الذي تمتلكه كتائب القسام والذي يعد اختصارا لاسم القائد الأسبق لحركة حماس وأحد مؤسسيها الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والذي استخدم بقصف تل أبيب وحيفا للمرة الأولى منذ بداية النزاع مع الاحتلال وبعد تحديد موعد مسبق من جناح حماس المسلح

كما اعلنت سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي عن امتلاكها صواريخ براق ( 70 ) وبراق (100 ) المصنعان محليا وهما قادران على ضرب تل أبيب والقدس المحتلة وخلال جولات التصعيد عامَي 2019 و2020 كشف سرايا القدس عن صاروخ ( بدر 1 ) الذي وصف حينها بأنه ( جحيم عسقلان ) فيما كشفت القسام عن صواريخ من طراز سجيل( 40) وصواريخ ( كيو20 ) غير محدودة المسافة كما إدخل الجناح المسلح لحماس صواريخ A نسبة إلى رائد العطار أحد قادتها في عمليات قصف تل أبيب والقدس المحتلة والتي أحدثت أضرارًا جسيمة في مختلف المواقع المستهدفة

وحسب العديد من التقارير الاستخبارية الدولية لا ( نعلم مدى دقتها ) فإن فصائل المقاومة في قطاع غزة المحاصر تمتلك ما بين 15 و20 ألف صاروخ بأمدية مختلفة ضمنها تلك التي تصل إلى مدى بعيد حتى تل أبيب وحيفا وبعدها مع العلم بان صناعة الصواريخ الفلسطينية غير مكلفة وهي وفق تقديرات خبراء لا تكلف أكثر من بضعة مئات من الدولارات مقابل أضعاف ذلك الرقم لكل صاروخ تطلقه القبة الحديدية وقد تمكنت فصائل المقاومة من ابتكار وسيلة جديدة في استخدام مقذوفات إسرائيلية لم تنفجر أو انفجرت بشكل جزئي وإعادة استخدام المواد المتفجرة فيها في صنع الصواريخ وهو ما تبدى بشكل واضح في عام 2018 مع جولة تبادل القصف التي حصلت وقتها

بلا ريب شكل دخول المقاومة الفلسطينية في جولة التصعيد الحالية مفاجآت كبرى بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي والمراقبين في المنطقة بعد التطور الكبير في القدرات الصاروخية لها وتغلبها على منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية المخصصة لاعتراض هذه الصواريخ وعدم وقوفها عند حدود مستوطنات الغلاف القريبة من قطاع غزة ووصولها الى ضربت العمق الإسرائيلي المحتل عام 1948 بعشرات الصواريخ تجاه تل أبيب وبئر السبع وديمونا وأسدود وتجاوزها حاجز الـ 100 كيلومتر موقعة إصابات وقتلى في صفوف المستوطنين الإسرائيليين وأضرارًا جسيمة في المستوطنات والتجمعات الخاصة بالجنود والمستوطنين على حد سواء مما دعا اسرائيل الى سحب أفراد أكثر من المعامل والمصانع والمدارس لوضعهم في الاحتياط لدعم جبهات القتال والسيطرة على الاضطرابات في مدن الخط الأخضر والضفة الغربية المحتلة

لقد باتت المقاومة تمتلك مخزونا استراتيجيا يمكنها من إطلاق عشرات الصواريخ في الرشقة الواحدة تجاه المدن والأراضي المحتلة وفي المواجهة الاخيرة أعلنت كتائب القسام أنها قصفت تل أبيب وضواحيها بـ 130 صاروخا ردا على استهداف الطيران الإسرائيلي العمارات السكنية في قطاع غزة وهي الضربة الصاروخية الأكبر التي شنتها المقاومة على تل أبيب ولم تكتف بذلك إذ أعلنت أنها استهدفت مدينتي عسقلان وأسدود بـ 137 صاروخا من العيار الثقيل خلال 5 دقائق فقط نتج عنها استهداف خط أنابيب الوقود ( كاتسا ) بمدينة عسقلان الساحلية جنوب تل أبيب واشتعال النار فيه مما دفع صحيفة معاريف الإسرائيلية لعنونة افتتاحيتها بـ ( الدولة تحترق )

ومؤخرا اعلن أبو عبيدة المتحدث العسكري لكتائب القسام عن إدخال الكتائب للصاروخ الأحدث للخدمة في 13 أيار 2021 ( عياش 250 ) وينسب لأحد أبرز قادة الكتائب الشهيد يحيى عياش وذلك باستهداف مطار رامون جنوبا بعدما تم تحويل مسار جميع الرحلات القادمة اليه بعد وقفها في مطار بن غوريون وحتى إشعار آخر بسبب استمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ليكون هذا الصواريخ الأحدث حتى الآن والأبعد مدى حيث يتجاوز (250 كلم ) وبقوة تدميرية كبيرة وقدرة فائقة على تجاوز الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية مثل القبة الحديدية وسواها

وبالتسليم بان القوات الإسرائيلية قادرة بالمخاطرة بحرب برية جديدة لاقتحام القطاع وإعادة احتلاله كما حصل عام 2009 الا ان هناك اعتبارات أخرى لا يمكن لإسرائيل أن تتخطاها منها الخسائر العسكرية التي ستدفعها لتحقيق ذلك في عداد ( القتلى والاصابات والاسرى ) اضافة الى الضغوط السياسية التي ستواجهها من الدول الأوربية والتي قد تتطور الى مقاطعة اقتصادية ناهيك عن فقدان إسرائيل لصورتها التي عملت على تغذيتها عالميا بكونها ( ضحية بين أعداء يريدون إلقاءها في البحر ) وهو ما يوفر لها ملايين الدولارات التي تجمعها من دول وجمعيات في أميركا وأوروبا وغيرها من دول العالم المتعاطفة معها

ورغم ان كل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها اضحت في مرمى صواريخ المقاومة وانها ستطل الكابوس المفجع الذي يقض مضاجع الصهاينة بما حققته من توازن في الرعب الا اننا نؤكد بان المقاومة الفلسطينية ستواصل العمل خلال السنوات المقبلة على زيادة فاعلية صواريخها وتطويرها لتصبح أكثر قدرة على إصابة أهدافها بدقة ونجاح تحضيرا لأي مواجهة عسكرية محدودة أو شاملة مع الاحتلال الإسرائيلي وما شهدته مدن وبلدات الاراض المحتلة هو غيض من فيض وان لدى المقاومة بمختلف فصائلها القدرة الكافية والمستمرة على الانجازات والابتكارات والتطوير التي تفاجئ بها اسرائيل في عقر دارها وتجعل حياة سكانها في خطر ورعب و جحيم لا يطاق طالما ان ( عزة والقدس واهلها والاقصى المبارك ومصلوه ) يتعرضون للعدوان والانتهاكات والحصار والارهاب والاضطهاد فان المخفي يبقى اصعب والقادم أمر واعظم بحول من الله وقدرته
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.