هل تبني اسرائيل مفاعل نووي جديد ؟


مهدي مبارك عبدالله

=

 

نشرت مؤخرا منظمة دولية غير حكومية معنية بوقف انتشار الأسلحة النووية

صور أقمار صناعية تظهر بأن إسرائيل منخرطة في اعمال بناء جديدة في موقعها
النووي ديمونا في منطقة ( صحراء النقب ) الذي بدأ نشاطه لأول مرة في
منتصف ستينيات القرن العشرين وفي ضوء تكهن العديد من الخبراء النوويين
ووكالات الاستخبارات العالمية بأنه إذا تم إيقاف تشغيل مفاعل ( ديمونا
القديم ) بحكم انتهاء عمره التشغيلي منذ فترة طويلة فان إسرائيل ستحتاج
حتما إلى بناء مفاعل نووي جديد لإنتاج مادة ( البلوتونيوم ) اللازمة
كوقود لتغذية مخزونها الاستراتيجي المكون من 80 رأساً نووياً

 

وفي المقابل فقد اعتبر بعض العلماء والخبراء هذه الفرضية غير مرجحة (
بناء مفاعل جديد ) لأن تصنيع عنصر البلوتونيوم يعتبر طويل الأمد وقد
أنتجت إسرائيل بالفعل منه ما يكفي لتلبية احتياجاتها الحالية أو
المستقبلية وقد افترضوا بأن المفاعل الحالي إما ان يكون مغلق فعلياً أو
تم إيقاف تشغيله مع التأكي بعدم القدرة على الوصول للحقائق بسبب سياسة
الغموض النووي التي تعتمدها إسرائيل في هذا المجال والتي تقوم على الصمت
والتضليل هرباً من الضغوط الدولية وبدعوى أن سياسة الغموض تتمتع بمزايا
عدة ولا تنطوي على الأخطار الكثيرة

 

وامام ذلك اذا كانت اسرائيل فعلا لا تحتاج الى بناء مفاعل نووي جديد
فماهي الاعمال الانشائية والخرسانية التي تقوم بها في المكان وقد توصل
بعض المحللين المختصين ان اسرائيل تقوم بأنشاء معمل نووي جديد لإنتاج
المزيد من مادة ( التريتيوم ) وهي منتج ثانوي مشع سريع التحلل يستخدم
لتعزيز القدرة المتفجرة لبعض الرؤوس الحربية النووية بحيث يجعل التفاعل
الانفجاري أكثر فاعلية كما أنها تستخدم في القنابل النيوترونية المصممة
لقتل البشر مع تقليل مساحة الانفجار في اطار تحسين اسرائيل لقوة ترسانتها
الحالية

 

ووفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية الملتقطة والتي تشير الى ان أن بناء
المفاعل الجديد قد بدأ في أواخر عام 2018 أو أوائل عام 2019 وهذا يعني أن
العمل قد تم على الأرجح منذ حوالى عامين كما تبين الصور الحالية بشكل
أساسي ان هنالك اعمال للتنقيب ووجود مبنى كبير ومحصن وان العملية تسير
ببطء شديد بسبب عدم اتخاذ قرار بين صانعي السياسات الإسرائيليين حول ما
إذا كان سيتم إغلاق المفاعل القديم أو نتيجة لقيود الميزانية المالية
التي تمنع تسريع وتيرة البناء

 

والسؤال المهم الذي ينبغي طرحه اليوم لماذا أصبحت الصور متاحة للعامة
الآن فقط وبعد عامين من إنشاء المبنى في الحقيقة ان الامر يعود للخلاف
الجوهري بين إسرائيل والرئيس الأميركي جو بايدن حول إحياء المفاوضات
النووية الإيرانية ومواصلة نتن ياهو تصوير إيران على أنها التهديد النووي
الإقليمي الوحيد وان اسرائيل قادرة على التصعيد والمنافسة والمفارقة انه
ورغم خطورة ما يجري في مشروع ديمونا فلا أحد يشكك في حق إسرائيل المطلق
في صنع أسلحة نووية أو تحسين قدرة ترسانتها الفتاكة فالإسرائيليون يحفرون
في الموقع حفرة بحجم ( ملعب كرة قدم ) لغايات لا زالت مجهولة وتثير
الكثير من الشكوك في حين يركز المجتمع الدولي بأسره على أن برنامج طهران
النووي سيكون بمثابة الكارثة الوشيكة على المنطقة والعالم مما يؤكد مبدأ
الكيل بمكيالين ( إسرائيل لها الحق اللامحدود في امتلاك هذه الترسانة
الهائلة وأنها ستحافظ عليها بشكل مسؤول وامن بينما لا يحق لإيران حتى
الحصول على سلاح نووي واحد لآنها ستفجّر العالم ومرة اخرى نتسائل ما الذي
فعلته إسرائيل لتستحق مثل هذه المصداقية العالية وما الذي فعلته إيران
حتى تعامل بمثل هذا المستوى من العدوانية والتشكيك

 

من المعلوم ان رئيس الوزراء الإسرائيلي النتن ياهو يعاني من هوس
الكراهية لبرنامج إيران النووي وهو لا يرغب ان يكون أول زعيم إسرائيلي
يسمح لعدو بالانضمام إلى النادي النووي العالمي كما يظهر أنه الأكثر
حرصاً على تطوير الطاقة النووية منذ عهد ديفيد بن غوريون الذي أسس
البرنامج النووي الاسرائيلي في خمسينات القرن الماضي والذي اعتبر في حينه
قضية مقدسة من أجل البقاء ومواجهة الدول المحيطة

 

وقد أبدى النتن ياهو اهتماماً كبيرا بالمشروع النووي وألقى العديد من
الخطب التي هدد فيها إيران بالتدمير النووي وهو يؤمن كسابقيه من رؤساء
الحكومات بضرورة امتلاك اسرائيل قوة ردع نووي موثوق بها لإبقاء أعدائها
تحت السيطرة كعنصر أساسي في الاستراتيجية الجيوسياسية ووسيلة لإبراز
القوة وضمان الهيمنة الإقليمية ولهذا أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق
مناحيم بيغن بشن هجوم على مفاعل تموز النووي العراقي كما وجه رئيس
الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بشن هجوم على مفاعل نووي سوري
محتمل كان يجري بناؤه سرا في صحراء سوريا الشرقية

 

لقد تعاملت الدول الكبرى بمنطق ازدواجية المعايير مع المشروعين النوويين
الإسرائيلي والإيراني رغم أنَّ الأول يحمل سمات عسكرية واضحة والآخر يحمل
سمات سلمية ولا يوجد دليل على توجهاته العسكرية وعليه تعرضت إيران
للعقوبات والتضييق بقرارات أممية وأحادية حيث أصدر مجلس الأمن الدولي ستة
قرارات بشأن قضية إيران النووية رغم التزامها التام بالمواثيق الدولية
والمعاهدات الخاصة بإنتاج الطاقة النووية واستخداماتها وتوقيعها على
معاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي اللذين سمحا لكل دولة
بامتلاك الطاقة النووية السلمية وواجب الدول النووية الكبرى تسهيل
ومساعدة الدول على اكتساب هذه الطاقة وبموجب ذلك اصبح من حق ايران بناء
منشأة نووية لتخصيب اليورانيوم لاستعمالها لأغراض سلمية وفي المقابل
امتنعت إسرائيل عن ذلك وقد تغاضت الدول الكبرى في معظم الأحيان عن
المشروع النووي الإسرائيلي العسكري بل وحمته ورعته

 

لا يخفى على كل متابع ان الولايات المتحدة وإسرائيل لعبتا دور الشرطي
القذر وبأسلوب البلطجة والابتزاز فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني
حيث استخدم الرؤساء الأميركيون سياسة التهديد والتخريب السري
والدبلوماسية العامة لتعزيز سياسة محاصرة وتقييد إيران بينما دعت إسرائيل
وبشكل علني إلى شن هجوم عسكري مباشر على طهران فضلا عن استخدامها
البرمجيات الخبيثة السرية لتدمير أجهزة الطرد المركزي لليورانيوم في
إيران مع معاضة الولايات المتحدة للانضمام لأي هجوم عسكري على إيران على
الرغم من ضغط اسرائيل المستمرة بهذا الشأن وان الرئيس بايدن اليوم ومن
خلال التجارب السابقة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لا يثق بنتن
ياهو ويعرف كذبه وتزيفه للحقائق اتجاه البرنامج النووي الايراني

 

جميع تقارير الوكالة الدولية للطاقة لم تحسم مسألة سعي إيران أو
امتلاكها أو حيازتها سلاحاً نووياً وكل المنشآت الايرانية تخضع لمراقبة
المفتشين بشكل كامل وهي تتعاون بشكل كامل مع الوكالة من دون أن توقف
أنشطتها المشروعة ولا توجد أي قرينة تدين إيران في هذا المجال وأفظع ما
اكتشف هو أنها أخفت لسنوات تطور مشروعها النووي عن الوكالة ولم تعلن عن
بعض منشآتها بشكل كامل أما الباقي الافترضات فهي تقارير غير موثقة بثتها
وكالة الاستخبارات الأميركية أو المعارضة الإيرانية أو الموساد
الإسرائيلي أو الإعلام الغربي من دون أي دليل أو سند

 

وانطلاقاً من منظار قانوني بحت يعتبر برنامج إيران النووي برنامجاً
سلمياً ومشروعاً من الناحية القانونيّة ومتلائماً مع ما نصت عليه معاهدة
عدم الانتشار النووي ولا يخالف نصوص المعاهدة بأي شكل

 

منذ عام 1968رفضت إسرائيل التوقيع والانضمام إلى المعاهدة الدولية لمنع
انتشار الاسلحة النووية لأسباب متعلقة بأمنها ومستقبلها في المنطقة وبدعم
أميركي مباشر ولا تزال الوحيدة في المنطقة التي لم تنضمّ بعد إلى تلك
المعاهدة وتبدي عدداً من التحفظات والانتقادات عليها ورغم القرارات
العديدة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تدعوها للانضمام
إلى المعاهدة من دون إبطاء وإلى عدم تطوير أو إنتاج أو اختبار أو الحصول
على أسلحة نووية بأية صورة لا تزال اسرائيل ترفض إخضاع جميع منشآتها
النووية للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدما أصبح عالم
الردع العسكري غير التقليدي هاجساً لكل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة
منذ العام 1949

 

طيلة الوقت لم تكتفِ الإدارات الأميركية المتعاقبة نفسها بمطالبة إسرائيل
بالتوقيع على تلك المعاهدة بل ذهبت تلك الإدارات إلى أبعد من ذلك حين
أشارت أكثر من مرة إلى تفهم واشنطن امتلاك إسرائيل أسلحة غير تقليدية ومن
الأمثلة على ذلك، تصريحات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما رفض
الإعلان عن امتلاك إسرائيل لسلاح نووي ( من دون ذكر المخاطر التي تهدّدها
) وذلك خلال المؤتمر الثامن لمراجعة معاهدة حظر الانتشار في عام2010 وقد
تحدت إسرائيل مرارا وبشكل سافر كافة قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية
العامة للأمم المتحدة ولم تعطِ المجتمع الدولي أية تأكيدات عن طبيعة
استفادتها من منشآتها النووية التي لم يسمح للمفتشين الدوليين بزيارتها

 

لقد بات واضحا منذ زمن بعيد ان السلاح النووي الإسرائيلي أكبر سر معلن في
العالم وفي حكم المؤكد أن إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار
الشامل ولديها قدرة وخياراً نووياً يتضمن تصنيع القنابل والرؤوس النووية
والذرية بمعزل عن أي رقابة أو التزام بالميثاق الدولي الخاص بمنع انتشار
السلاح النووي المبرم في عام 1968 أو أي قوانين ومعاهدات اخرى والادلة
بهذا الخصوص لا تعد ولا تحصى ومشروعها النووي الجديد واحدا منها في وقت
اصبح فيه العالم يخضع لقانون القوة لا قوة القانون

mahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.