هل غير التطبيع موقف المغاربة من فلسطين ؟


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم  / مهدي مبارك عبد الله

من المؤكد بان لأنظمة والحكومات تستطيع توقيع اتفاقيات تطبيع مع العدو الصهيوني لكنها لن تستطيع مطلقا تغيير الرأي العام الشعبي المقاوم في اغلبه لفكرة التطبيع ونهج التقارب مع اسرائيل وهذا ما ظهر جليا في معظم الدول المطبعة والذي تجسد بصور واشكال مختلفة من الرفض والسخط والغضب والاحتجاج

الرباط استأنفت علاقاتها بتل أبيب نهاية السنة الماضية حيث اصبحت رابع دولة عربية بعد كل من البحرين الإمارات السودان توافق على التطبيع مع إسرائيل في ما سمي وقتها بـ ( الاتفاق الإبراهيمي ) ومنذ ذلك التاريخ بقي التطبيع مسألة ( حكومية فقط ) محصورة في البروتوكلات وبعض اجهزة الدولة الرسمية ولا دخل للشعب المغربي فيه وإن كانت بعض الفئات المعزولة رحبت به لكنها تبقى حالات شاذة ومعزولة و ( الشاذ لا يقاس عليه ) فمعظم المغاربة ينظرون للاحتلال الصهيوني والمطبعون معه على انهم وجهان لعملة واحدة وان ( مبررو التطبيع ) أكثر تصهيناً من الكيان الصهيوني في حد ذاته

بعد اندلاع الأحداث الأخيرة بالأراضي الفلسطينية بفعل ( معركة سيف القدس ) عادت القضية الفلسطينية إلى زخمها من جديد داخل الرأي العام المغربي بتعاطف وتضامن كبير كقضية وطنية مركزية شأنها شأن القضايا الوطنية المغربية الأخرى حيث قادت شعلتها ( الجبهة المغربية لدعم فلسطين ) المناهضة للتطبيع كما رفع العديد من المغاربة شعارات جريئة لطرد ممثل الكيان الصهيوني وفسخ اتفاق التطبيع احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة

لا شك ان القطاع السياحي المغربي تأثر كثيرا بجائحة كورونا وضمن سياسة استغلال الحدث ارسلت اسرائيل بعد مرور 7 أشهر على تطبيع العلاقات مع المغرب رحلة تجارية الى مدينة مراكش حملت وفداً يضم ( 100 سائح اسرائيلي ) جرى استقبالهم ( رسميا بمدينة مراكش ) بالتمر والحلوى والشاي بالنعناع والأهازيج فضلا عن الفرق الموسيقية الفولكلورية والبهرجة الإعلامية المفبركة

وفي المقابل انطلقت أصوات غالبية المغاربة بالاحتجاج على هذه الزيارة بإطلاق حملة واسعة على مواقع السوشيال ميديا واخرى ميدانية وإعلامية تحت شعار ( لا مرحبا بالصهاينة في بلدي ) ولا ( للغزو السياحي الصهيوني ) للمغرب ولا ( للتطبيع وان بلادنا ) ليست ( مركباً سياحياً لراحة القتلة مجرمي الحرب الصهاينة )

وقد وصف العديد من المناهضين للتطبيع ما حصل من احتفاء مستهجن بهؤلاء السياح الصهاينة لا يعدو أن يكون يمثل موقف الأقلية من اصحاب المكاتب السياحية المتأملين أن ينقذ ذلك السنة السياحية الكاسدة وينعش القطاع بعد الركود الذي أصابه طوال فترة كورونا وان هذا الاستقبال وبهذه الصورة لا يمثل إرادة الشعب المغربي ولا يشرفه هو وأولاده وأجداده

وان وصول هذا الفوج السياحي الصهيوني الى مراكش كان بمثابة عملية حكومية مكشوفة أخرجت بشكل رديء لـ ( جريمة تطبيعية مرفوضة شعبيا ) على المستوى السياحي وان الرفض الشعبي العارم لها يمثل رسالة واضحة بأن المغاربة الاحرار يرفضون استقبال المجرمون الصهاينة المحتلين العنصريين قتلة الأطفال في فلسطين والقدس

لا أعتقد أن الشعب المغربي بكل أطيافه مال نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني رغم وجود فئة قليلة ومعزولة جعلت من الهوية في صراعها مع الثقافات الأخرى مطية للهرولة نحو التطبيع مع دولة الكيان المغتصب للأرض والغاصب لحياة الفلسطينيين والمدنس لمقدسات الأمة الذي قتل مئات الضحايا من الأطفال والنساء ودمر الشجر والحجر واباد الحرث والنسل

في قصة مشابهة لسيناريو الفيلم الكوميدي المصري ( السفارة في العمارة ) رفض سكان مجمعات بالعاصمة المغربية الرباط تأجير شققهم لرئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي لدى بلادهم ( ديفيد جوفرين) فبعد طول عناء عثرت الشركة المكلفة بتأجير سكن لجوفرين على المكان المناسب داخل مجمع سكني بمنطقة ( طريق زعير ) الراقية بالرباط الا ان أصحاب الشقق رفضوا وبشكل قاطع أن يؤجروا عقاراتهم للدبلوماسي الإسرائيلي فور معرفتهم بهويته وهي ليست المرة الأولى التي يصطدم بها الدبلوماسي المذكور برفض المغاربة لوجوده بينهم

ولا بد ان نشير هنا كيف اجبر المغاربة هذا ( الدبلوماسي الدخيل على بلادهم ) بصفته ممثل للكيان الاسرائيلي بتعليقاتهم وبالضجَّة التي أثيرت حوله على سحب تغريديته على تويتر باعتبارها مشينة بل وتعدياً على شؤون المغرب الداخلية وسيادته والتي انتقد فيها رئيس الحكومة المغربية ( سعد الدين العثماني ) على تهنئته الشعب والمقاومة الفلسطينية عقب توقيع اتفاق الهدنة والذي وصفه بالانتصار للشعب الفلسطيني ومقاومته الشامخة

الشعب المغربي الأبي بكل قواه الحية والمناضلة أجمعت على رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل ووجدت فيه تناقض صارخ مع ( الكرامة الوطنية للشعب المغربي ) الذي ينادي في كل يوم بمقاطعة تل ابيب ويردد في كل تظاهراته التاريخية ان ( فلسطين أمانة والتطبيع خيانة ) خاصة بعد المجازر الإسرائيلية المتكررة في غزة واستعداد عدد من الأنظمة العربية للانخراط في مسلسل التطبيع المذل

يذكر ان استطلاع جديد للرأي العام اشار الى أن 88% من مواطني المغرب يرفضون اعتراف بلدهم بإسرائيل لا نها تمثل بقايا ( الاستعماري والأبارتهايد ) الذي يبرز الآن بأكثر أشكاله تطرفاً وعنصريةً واستهتاراً بالقانون الدولي والمواثيق الدولية
العلاقات المغربية مع اسرائيل لا تزال على ارض الواقع تفتقر للشرعية الشعبية إذ عارضتها ولا تزال الغالبية الساحقة من القوى والأحزاب والنقابات والمنظمات الممثلة للشعب المغربي والتي اكدت بقوة واصرار التزامها الثابت بالقضية ( المركزية الفلسطينية ) وبدعم الشعب الفلسطيني في نضاله الوطني نحو انتزاع حقوقه غير القابلة للتصرف وعلى رأسها ( حق العودة والتحرر الوطني وتقرير المصير ) و لطالما اعتبر المغاربة إسرائيل عدوتهم كما هي عدوة للإنسانية و لكل شعوب المنطقة

التطبيع مع اسرائيل كما رفضه من قبل الشعب المصري والأردني وبقي حبيس السفارات والحفلات واللقاءات السرية ها هو الشعب المغربي الشقيق يرفضه ويحارب بضراوة تغلغل الشركات الإسرائيلية في القطاعات الزراعية والسياحية وصناعة الأدوية والمجال الرياضي والثقافي والأكاديمي

شعوب المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج مدعوة لتصعيد وتكثيف حملات المقاطعة ورفض كل اشكال التطبيع مع اسرائيل وتأكيدها على أن النضال الفلسطيني المشروع يهدف الى مقاومة نظام الاستعمار والاستيطان والأبارتهايد الإسرائيلي الصهيوني وكل أشكال الظلم والاضطهاد وهو ليس ضد أي ( دين أو عرق او لون )

وهذا ما يؤكده انخراط عشرات الشخصيات والمنظمات اليهودية التقدمية الرافضة للصهيونية والداعية لمقاطعة إسرائيل ووقف كل اشكال التطبيع معها وفرض العقوبات عليها والزامها بأنهاء الاحتلال واحترام القوانين والقرارات والمواثيق الدولية
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.