هل يجرؤ الاحتلال على اغتيال السنوار ؟


مهدي مبارك عبدالله

بقلم / مهدي مبارك عبد الله

في البداية لابد ان نشير بان التهديدات الإسرائيلية باستهداف قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية ليست وليدة اللحظة وإنما هي تصريحات فارغة وأسطوانة مشروخة اعتدنا عليها منذ سنوات وهي تعبر في مضمونها الدقيق عن أزمة متفاقمة يعيشها الاحتلال ولا يمكنها أن تنال من إرادة وصمود الشعب الفلسطيني أو ان تخيف قادته الذين يعتبرون أنفسهم مشاريع شهادة مؤجلة حيث يلبسون اكفانهم كل ساعة استعدادا للرحيل

بعد انتهاء عملية سيف القدس / حارس الأسوار في 21 / 5 / 2021 هدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غنيتس باغتيال يحيى السنوار 59 عام رئيس المكتب السياسي وبقية قادة الحركة في حال ظهورهم علنا وفي تحدي صارخ على سؤال احد الصحفيين له الا تخشى على حياتك من هذا التهديد قال السنوار إنني لا أخاف اسرائيل وبعد انتهاء لقائي هذا سأعود الى بيتي مشيا على الأقدام ولدى غانتس الوقت الكافي ومعه 60 دقيقة لاتخاذ القرار وتجهيز الطائرة وإخراجها لقتلي ولن يُرمش لي جفن وانا اتذكر ما حفظته من الشيخ أحمد ياسين أن الموت في سبيل الله هو أسمى الامنيات التي ننتظرها بلهفة وشعف والسؤال المطروح لماذا لم يتم استهدافه في حينه ان كان هنالك جدية في التهديد

اليوم ومع اقرار المنظومة السياسية الاسرائيلية بالإخفاقات الامنية والاستخباراتية في مواجهة العمليات المتواصلة وبعد خطاب السنوار الأخير الذي ألقاه في غزة مطلع الأسبوع الماضي وهدد فيه إسرائيل وتوعدها برد قاس في حال استمرت الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى وطالبها بوقف عمليات القتل والانتقام بحق الفلسطينيين الأبرياء

مقابل ذلك انطلقت دعوات صريحة في الصحافة العبرية من قبل جنرالات سابقين وخبراء وصحافيين وجنرالات متقاعدين وأعضاء في الكنيست تطالب بتوجيه ضربات لكل من يقف خلف أي هجمات تستهدف إسرائيل وضرورة اغتيال يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة حتى ان عضو الكنيست إيتمار بن غفير طالب الجيش الإسرائيلي بألقاء قنبلة على منزله وجعله ورجاله يدفعون الثمن حتى لو كان على إسرائيل خوض معركة جديدة في غزة بادعائهم أن نشاطاته وتصريحاته العلنية شكلت إلهاماً وتحريضاً مباشراً على تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل لهذا يجب إزاحته عن الساحة ومعاقبته لردع غيره ووقف موجة العمليات المتصاعدة بحسب ظنهم الخاطئ

وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة قامت بعد ذلك بنشر الشريط الذي ظهر فيه السنوار وهو يدعو الشباب الفلسطينيين في جميع المناطق المحتلة بما فيهم المواطنون العرب في إسرائيل الى حمل السكاكين والسواطير والخروج إلى البلدات اليهودية وتنفيذ عمليات فردية متقدمة وقد ربط العديد من قادة الشؤون الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وغيرهم من المحللين بين الخطاب الأخير للسنوار وعملية مدينة إلعاد الأخيرة شرق مدينة تل أبيب الساحلية وسط إسرائيل التي قتل فيها ثلاثة إسرائيليين وأصيب 4 آخرون في 3 مواقع مختلفة فيما لاذ المنفذان بالفرار كما أكدوا ان ما حدث في الهجوم جاء مطابقاً لدعوة السنوار بتنفيذ العمليات بالفؤوس والبلطات والسكاكين وما يتوفر من أسلحة نارية وبيضاء وأدوات قاتلة أخرى

التهديدات الإسرائيلية باغتيال السنوار او غيره من قادة الفصائل لن تثني ابطال المقاومة وكافة أبناء الشعب الفلسطيني في الدفاع عن ارضهم وحماية مقدساتهم ووقف الاستهانة والاستهتار بمشاعر الامتين العربية والإسلامية واعتبار الاقصى حق اسلامي تاريخي وثابت لا يخضع لأي تقسيمات او مساومات إضافة الى المطالبة بتحرير الأسرى وحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدودها الشرعية الكاملة وعاصمتها القدس الشرقية وهذا هو العهد والقسم والميثاق فـ ( التهديد بالتهديد والرأس بالرأس والرعب زيادة )

التحريض الاعلامي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والمقاومة وقادتها مستمر بوتيرة عالية ويقوده غالبية كبيرة من الصحافيين الإسرائيليين وهو أسلوب مبطن للهروب من الإخفاق والفشل السياسي والعسكري حيث تعالت الأصوات بالرد على العمليات الفدائية وهبة الفلسطينيين الجديدة بالتحريض الإسرائيلي باغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار وهو ما يجسد العجز الأمني في وقف امتداد العمليات الفردية التي باتت توجع الاحتلال وتقض مضجعه وتثبت ان المقاومة الفلسطينية مستمرة بكافة اشكالها كرد قوي ومباشر على استمرار الاحتلال وجرائمه البشعة في كل الاراضي المحتلة

معلوم بان الاغتيال قرار سياسي يأتي في ظروف موضوعية معينة وهذا ما تحدث عنه بعض المعلقين والصحافيين الإسرائيليين ومن أجل اغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار يجب أن يتخذ قرار بشن الحرب ضد قطاع غزة واختيار توقيتها وهنا نستحضر عملية اغتيال القائد احمد الجعبري والتي أدت الى اندلاع حرب شرسة استمرت أسبوع بعد ان توقعت القيادة الإسرائيلية ان الردود عليها ستكون محدودة بمدة 24 ساعة فقط

الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة بينيت المعرضة للانهيار في أي لحظة بعض المراقبين يمنحونها مهلة حتى نهاية الشهر الجاري وقد تصمد بصعوبة بالغة لأخر العام وفي ظل ما تعانيه ضعف وهشاشة وانقسامات داخلية وفقدان الامن والاستقرار مع تصاعد العمليات النوعية التي اصابت العمق الإسرائيلي فأنها لا تملك فعليا إمكانية شن عملية عسكرية على غزة ولذلك فان تنفيذ التهديد باغتيال السنوار امر مستبعد لكن من الممكن أن يكون الهدف إعادة الاعتبار لسياسة الاغتيالات التي لا أحد يعرف اين ستتجه الأمور من حيث تبعاتها وتردداتها

العمليات الفردية غير المتوقعة والردود الثأرية والانتقامية السريعة التي لم يتم مواجهاتها بشكل رادع هزت المنظومة السياسية والأمنية الاسرائيلية والأخطر أنها ارعبت اركان المجتمع المدني والتقديرات الإسرائيلية تقول انها سوف تستمر حتى نهاية العام الجاري على غرار هبة السكاكين في العام 2015-2016 رغم التلويح المتكرر بتجديد سياسة الاغتيالات

الحكومة الإسرائيلية لم تعلن رسمياً التخطيط لاغتيال السنوار ولا أعتقد أنها ستقدم على ذلك ولكنها في اطار التغطية على جرائمها واخفاقاتها بعدم قدرتها على منع العمليات الفردية خاصة عملية العاد وللهروب من الفشل فهي تصب جام غضبها بالتحريض الممنهج ضد السنوار رغم ان عمليات الطعن قديمة لكنها لا تريد التفكير للحظة واحدة سوى بالانتقام وتحميل طرف اخر المسؤولية عن تقصيرها وعجزها وستعمل بكل قوة من أجل احتواء الهبة الفلسطينية الجديدة من خلال القمع والقتل وتخفيض عدد العمال الغزيين الذين يسمح لهم بالعمل داخل الخطّ الأخضر وحتى وقف إدخالهم تمامًا كرسالة عاجلة للضغط على قادة حماس للتهدئة ووقف العمليات لكن مع كل ذلك ستظل يداها مكبلة امام شن أي عدوان عسكري على القطاع

إسرائيل تعتبر زعيم حركة حماس في القطاع يحيى السنوار مدبر رئيسي لما وصفتها بأعمال إرهابية وهي تعتبر نفسها حرة للعمل في القطاع لكبح جماح ما تسميهم بالإرهابيين بحسب زعمها غير الصحيح وأن الكلمة التي القاها السنوار مؤخرًا برهنت على أنه من أكبر الداعين والمحرضين على الإرهاب

الحقيقة الراسخة ان كل من يعتقد بأن اغتيال السنوار سينهي موجة الهجمات هو مخطئ وأن إسرائيل تعيش في وضع مشابه لانتفاضة السكاكين لكن أكثر فتكاً وان العمليات سوف تستمر خلال الفترة المقبلة بل وسوف تزداد عنفا واتساعا وان اغتيال السنوار لن ينهيها بل سيؤدي إلى الدخول في حرب فورية تنهال فيها الاف الصواريخ على كل المدن والمواقع الحيوية الإسرائيلية

لم تظهر حتى الساعة أي معلومات واضحة حول المنفذين وفيما إذا هم نشطاء في حماس أو تنظيم آخر ولا توجد جهة واحدة مسؤولة يمكن الإشارة إليها والعمل ضدها وحماس لم تعلن مسؤوليها عن تنفيذ الهجوم لكنها رحبت به كباقي الفصائل وعدته ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين كما حدث في الهجمات الأخيرة من الموجة الحالية وانه لا توجد أي صلة بين دعوة رئيس حركة حماس في القطاع لتنفيذ هجمات وبين هجوم العاد لأنه قبل دعوته بكثير كانت هناك هجمات دموية مماثلة

التحريض على الشعب الفلسطيني ومقاومته وقادته لغة مستمرة منذ 74 عام في الاعلام العبري والمناهج الدراسية والتصريحات السياسية والبرامج الانتخابية وفي كل تفاصيل حياة الصهاينة القائمة على القتل والأسر والنفي والاغتصاب وسرقة الارض والحقوق وهي تتصاعد في أعقاب كل عملية للمقاومة حيث يتقمص المحتلون المجرمون دور الضحية وكأنهم الطرف المجني عليه وليس الجاني

على الاحتلال قبل فوات الأوان ان يلجم صبيانه المستوطنين وجنوده المستهترين عن المسجد الأقصى تجنباً لنشوب حرب دينية محتملة هو الخاسر الأكبر والوحيد فيها اذا اندلعت حيث لا زالت الجماعات الاستيطانية تزيد من حالة الاستفزاز والاحتقان في المنطقة بدعواتها لاقتحام وتدنيس المسجد الأقصى بالتزامن مع الأعياد اليهودية وذكرى تأسيس كيان الاحتلال الإسرائيلي في 5 أيار من كل عام الذي قام على أنقاض فلسطين التاريخية بعد نكبة عام 1948 والأخطر هنا ان المستوطنين الصهاينة يعتقدون أن الوقت الحالي في ظل حكومة عاجزة وفاقدة الاهلية هو الانسب لهم لبناء هيكلهم المزعوم مكان المسجد الأقصى

التصريحات المتوالية بأعاده العمل بسياسة الاغتيالات ما هي الا محاولات إسرائيلية فاشلة لطمأنة المستوطنين المذعورين وهي لا تخيف المقاومة وقادتها بل تزيدهم إصرار وعناد في الدفاع المستميت عن القدس والأقصى وان تنفيذ أي جريمة بحق أي من قادة المقاومة سيجعل الأراضي المحتلة كاملة على موعد مع حرب جديدة لن يكون للاحتلال طاقة على مواجهتها وربما تبقى مشتعلة حتى زوال المحتل عن آخر شبر من أرض فلسطين

الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية جربوا نهج الاغتيالات كثيرا وفي هذه المرحلة بالذات هنالك معادلة ثابتة على الأرض وهدنة وتفاهمات غير مكتوبة وضامنين وراعين اقليميين ودوليين لها ولهذا لم ينفذ الاحتلال أي عملية تصفية منذ اغتيال أحمد الجعبري عام 2012 وان أي حماقة قد يرتكبونها اليوم باستهدافهم أي قائد من قادة المقاومة سيفتحون على انفسهم أبواب جهنم التي ستحرق مطاراتهم وموانئهم ومدنهم وجنودهم ومستوطنيهم

الهجمات التي نفذها فلسطينيون داخل مدن إسرائيلية منذ 22 اذار الماضي في أخطر موجة تصعيد منذ 7 أعوام أدت الى مقتل 18 إسرائيلي وقد نفذت إسرائيل خلال السنوات الماضية العشرات من عمليات الاغتيال بحق القادة الفلسطينيين بمختلف الفصائل من منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي فتح والجبهة الشعبية والجهاد والاقصى ولجان المقاومة وكتيبة جنين وحركة حماس حيث راح ضحيتها معظم قادة الصف الأول ومن ضمنهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 2004 ورغم ذلك ظلت الحركة على خطها المقاوم بل زادت إصراراً عليه وتمسكا به

يذكر ان يحيى السنوار قضى في سجون الاحتلال 23 عام وأُطلق سراحه في تبادل للأسرى بين حركة حماس وإسرائيل عام 2011 ضمن صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وهو اول رئيس لجهاز امن حماس وكان له دور كبير في تصفية الجواسيس والعملاء وتجنيد الشباب في صفوف المقاومة وتوريد الاسلحة ويشغل حاليا منصب رئيس الحركة في قطاع غزة للمرة الثانية منذ انتخابه خلفا لإسماعيل هنية

أخيرا إذا لا قدر الله حيدوا السنوار ففي فلسطين ملايين الشباب الذين سيكملون المشوار مع هؤلاء الأبطال الذين ظهروا من العدم ولم يسجل لهم أي سوابق أو انتماءات وهم يعبرون الحدود والجدران وفي أيديهم الطاهرة الرشاشات والمسدسات والفؤوس والسواطير يزعون بها الإحباط والانهزامية في اعماق الكيان الصهيوني فلا نامت اعين الجبناء عرب وعجم وفرنجه ممن انبطحوا وطبعوا وركنوا للمحتلين والغاصبين اليهود الملاعينmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.