هيئة الموارد البشرية ومتابعة الأداء الإستراتيجي


د.عبدالله محمد القضاة

بقلم / د.عبدالله محمد القضاه*

تتباين وجهات نظر خبراء الإدارة الأردنية تجاه دور ديوان الخدمة المدنية في عملية تحديث الإدارة العامة ، حيث يرى فريق منهم ضرورة إلغاء الديوان وترك الأمر للدوائر لتدير مواردها البشرية لوحدها، وينطلق هذا الفريق من فرضية مفادها: أن دور الديوان يقتصر على إدارة عملية التوظيف فقط، علما أن هذه العملية لاتشكل( 20% ) من حجم العمل الفعلي للديوان، وهذا الفريق لا يطرح البديل المؤسسي الذي يمكن أن يكون له دورا مركزيا في تخطيط الموارد البشرية في القطاع العام وإعتماد الهياكل التنظيمية والأوصاف الوظيفية للدوائر والمؤسسات الحكومية ، إضافة إلى مراقبة سياسة التوظيف على المستوى الوطني ، وكذلك متابعة الأداء الإستراتيجي للإدارة العامة؛ خاصة بعد إلغاء وزارة تطوير القطاع العام وقبلها ديوان الرقابة والتفتيش الإداري وعدم وجود مكتب مفتش عام في المملكة.فريق آخر من الخبراء يرى إمكانية تمكين ديوان الخدمة المدنية شريطة تعهيد عملية التوظيف لشركات متخصصة في القطاع الخاص، حيث يتم إعتماد الشواغر والأوصاف الوظيفية من الديوان وترك عملية تعبئة الشواغر لهذه الشركات وفق سياسة عادلة وشفافة ومحايدة تضمن تكافؤ الفرص من خلال عملية الإعلان عن الشواغر في الصحف المحلية ووسائل التواصل الإجتماعي وإجراء الإختبارات التنافسية والمقابلات ، وهذا يعني إلغاء طلبات التوظيف الموجودة في الديوان. وقد تفتقد هذه الرؤية للشمولية في تطبيق سلسلة الوظائف الرئيسة للإدارة التي لن يتمكن الديوان تنفيذها بسبب ضعف تشريعه وإفتقاده للضابطة العدلية.ويرى فريق ثالث؛ وأنا منهم؛ أن تنشأ هيئة للموارد البشرية والتطوير بموجب قانون، كقانون الإدارة العامة مثلا، وتعطى بموجبه هذه الهيئة صفة الضابطة العدلية ، وممارسة الرقابة الإدارية والإستراتيجية غير منقوصة، وتكون من مهامها الإشراف على تخطيط الموارد البشرية على مستوى القطاع العام وتحديد وضبط الطلب على الموارد البشرية وفق أفضل الممارسات الدولية، وكذلك متابعة الأداء الإستراتيجي للجهاز الحكومي ، ويلزم القانون مؤسسات الدولة بتطبيق سياسة وطنية للتوظيف ترتكز عل مبدا الجدارة والإستحقاق وتكافؤ الفرص، وهذا يعني حتما نقل صلاحيات التوظيف للدوائر والمؤسسات العامة، شريطة أن تراقب الهيئة على حسن سير الإجراءات وسلامتها، وتعطى حق إلغاء القرارات الإدارية المخالفة.وبموجب هذا القانون تكون الهيئة الخلف الإداري والقانوني لديوان الخدمة المدنية ، ويمنحها القانون كل متطلبات القوة المؤسسية ومنها ،على سبيل المثال لا الحصر، إعتماد الهياكل التنظيمية والأوصاف الوظيفية للدوائر والمؤسسات الحكومية، ومتابعة الأداء الإستراتيجي لدوائر ومؤسسات الإدارة العامة.وقد يتساءل البعض عن المرجعية الدستورية لإنشاء الديوان ، حيث المادة (120) من الدستور تنص على ” التقسيمات الادارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها واسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك” وبالتالي يتعذر إنشاء ديوان الخدمة المدنية بموجب قانون، ونظامه لايمكن أن يمنحه صفة الضابطة العدلية وبالتالي فهم بهذا التفسير يعيدونا للمربع الأول.الحل الإداري والقانون برأيي هو أن تنشأ الهيئة بقانون يعطيها جميع الصلاحيات الممكنة، وفي نفس الوقت تصدر أنظمة للموارد البشرية إستنادا للمادة (120) من الدستور ، وليس بالضرورة نظاما واحدا، فقد يكون هناك نظاما خاصا للمعلمين، وآخر لأطباء وزارة الصحة، وآخر للوظائف المساندة في الجهاز الحكومي وهكذا، وفي كل الأحوال تعطى الهيئة سلطة الرقابة على تطبيق هذه الأنظمة ، وعندها ستتولى كل وزارة/ دائرة تنفيذ عملية التوظيف بعد أن تأخذ موافقة الهيئة على شواغرها واوصافهم ومواصفاتهم متضمنة أجور الوظائف، ويكون التنافس على شغل هذه الشواغر من خلال الإعلان عنها في المحافظة/ اللواء وضمن إجراءات التوظيف التي يتم تشريعها وبأعلى درجات النزاهة والشفافية التي تعتمد على الكفايات الأساسية وليس الأقدمية وبعيدا عن عملية الدور المعمول بها حاليا.والقيمة الجديدة التي يمكن أن تضيفها هذه الهيئة للعدالة الوظيفية إضافة لما سبق، إتساع مظلة تطبيق رقابتها لتشمل إضافة لجهاز الخدمة المدنية كافة وظائف القطاع العام في جميع الهيئات والجامعات الرسمية،إضافة لأمانة عمان والبلديات، وكذلك الشركات الحكومية المملوكة بالكامل للحكومة أو مؤسسة الضمان الإجتماعي والتي تزيد مساهمة الحكومة و أو الضمان في راسمالها عن (50%)، إضافة لمتابعة الأداء الإستراتيجي للجهاز الحكومي وفق المؤشرات والمستهدفات المحددة مسبقا وتقديم التقارير لمجلس الوزراء بذلك.ومن متطلبات نجاح التوجه اللامركزي في التوظيف، بناء القدرات المؤسسية والبشرية لإدارات الموارد البشرية في الدوائر والمؤسسات العامة لتمكينها من القيام بهذه المهمة بكفاءة وفاعلية، ويمكن تبني خطة للتغيير والتهيئة بدءا بوزارتي الصحة والتربية ليكون الإنتقال تدريجيا ومدروسا ويرافقه خلق ثقافة جديدة داعمة وتوعية إعلامية ممنهجة، وهناك العديد من الأفكار التي يمكن تقديمها للمعنيين عند الطلب.* امين عام وزارة تطوير القطاع العام ، مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا.a.qudah@yahoo.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.