أرقام تكلفة الطالب المدرسي صماء


الدكتور رشيد عبّاس

الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس

قبل أيام قرأت تصريح صادر عن وزارة التربية والتعليم كان مفاده بالنص: (تكلفةَ الطالب الواحد تتراوح بين 450- 1300 دينار سنويا، متضمنة عدة أمور منها ملكية المدرسة وعدد الطلبة وكلف تشغيلية أخرى إضافة إلى رواتب المعلمين) انتهى الاقتباس, ولعدم وجود تفصيلات واضحة حول هذا الأرقام, فإنني اطرح جملة من التساؤلات من أبرزها:

كيف تم حساب تكلفة الطالب الواحد؟ هل تكلفة الطالب الواحد متساوية في جميع المراحل الدراسية ؟ ما هي الاشياء التي تدخل في حساب تكلفة الطالب الواحد؟ كيف يمكن لنا تخفيض تكلفة الطالب الواحد؟ ثم ما العلاقة بين تكلفة الطالب الواحد والناتج التعليمي؟

اعتقد جازماً أن مثل هذا التصريح لا يفيد بشيء على الاطلاق أن لم يتم ربطة بالناتج التعليمي ككل, ويبدو أن وزارة التربية والتعليم لم تتنبه بعد للعلاقة العضوية بين التكلفة والناتج التعليمي كما هو حاصل في كثير من دول العالم من حولنا, كيف لا وميزانية التعليم تحسب بدقة عالية بشيء اسمه ناتج التعليم, حيث أن وميزانية التعليم تحسب وفق ناتج التعليم المتوقعة كل (12) سنة ثم تقسّم الميزانية على العدد12 لينتج نصيب كل سنة منها ثم تقسّم على عدد الطلبة, مع اخذ بعين الاعتبار بعض المستجدات الطارئة.

أن ميزانية التعليم لدينا والتي يقع ضمنها (تكلفة الطالب) مشوّهة تماماً ويعتريها هدر مالي جسيم, بمعنى انها غير محسوبة بدقة عالية وفق معايير ناتج التعليم الذي تسعى الدولة الوصول اليه, من هذا المنطلق وصلنا إلى حالة من الانسداد التعليمي من حيثُ التكلفة التعليمية العالية جداً من جهة, ومن حيثُ نواتج تعليمية ذات المستويات الضعيفة جداً وغير مطلوبة للسوق المحلي والاقليمي من جهة أخرى.

بصراحة وربما الصراحة تقلق البعض, في هذا الاطار بالذات لم نبني نموذج يربط بين تكلفة الطالب الواحد مع الناتج التعليمي, ولم نستفيد من نماذج الدول الأخرى في هذا الاطار أو ربما على الاقل تكييف نماذج الدول الأخرى لتتلاءم مع تكلفة التعليم العام بشكل عام مع نواتج التعليم التي حددتها الدولة في ضوء سوق العمل ومستجداته.

تصريح وزارة التربية والتعليم مؤخراً حول تكلفةَ الطالب الواحد تتراوح بين 450- 1300 دينار سنويا، تصريح أصم, بمعنى أنه لا يمكن لنا أن نفهم منه اية شيء بالذات فيما يخص نواتج التعليم التي تسعى الدولة الوصول اليها, والتي تتعلق بمحددات نظام التعليم كحاجات سوق العمل, ومواكبة سوق العمل, ومنافسة سوق العمل, واستيعاب مستجدات سوق العمل, والتطورات العالمية لسوق العمل وغيرها من محددات نظام التعليم الأخرى.

في هذا الإطارة لا يمكن لنا أن نحكم على هذه التكلفة (450- 1300) دينار سنويا كونها عالية أو منخفضة أو.. دون أن نربط ذلك بمحددات نظام التعليم التي تسعى الدولة لتحقيقها عبر سنوات التعليم المدرسي, حيث أن ميزانيات التعليم ينبغي أن توضع لتحقيق برامج الدولة التنموية, وخلاف ذلك  نقع في مربع الهدر والضياع المالي دون أية فائدة.

آن لنا أن نقف على تكلفة الطالب المدرسي بتفصيلاتها الدقيقة, ضمن ميزانية التعليم العام, في ضوء محددات نظام التعليم للدولة, وأن الكلف الصماء للأسف الشديد لا يمكن أن تبني عليها الدولة أية تنمية أو تحديث يذكر.. فالتنمية والتحديث يتطلبان قيم غير صماء محسوبة بدقة عالية وبمحددات واضحة المعالم وبطرق علمية وليست تقديرية عشوائية.

أن تكلفة الطالب المدرسي المعلنة والتي لا نعلم كيف تم احتسابها.. فإن كانت أقل من القيمة المطلوب نقع في مشكلة, وإن كانت أكبر من القيمة المطلوب نقع في مشكلة أيضاً, ثم إن كان لمناطق دون أخرى نقع في مشكلة, وإن كانت بلغة التقدير نقع في مشكلة, وإن كانت بلغة خارجة عن محددات نظام التعليم للدولة مصيبة كبرى.

لا افهم كيف تم احتساب كلف الطالب المدرسي في ضوء وجود مختبرات حاسوب, ومختبرات علوم, ومكتبات, ومراسم, وغرف الرياضة, ومشاغل المهني.. مغلقة تماماً أو ربما شبه مغلقة, ولا أعرف كيف تم احتساب كلف استخدام الطالب المدرسي لمواد وأدوات هذه المرافق غير المفّعلة والمساندة للغرف الصفية, وهل تكلفة الطالب المدرسي في المداس الكبيرة يختلف عن تكلفة المدار الصغيرة مع اختلاف المرحلة؟ ثم هل تكلفة الطالب المدرسي في مداس الذكور تختلف عن تكلفة مدارس الاناث مع اختلاف المرحلة؟

أن عدم قدرة وزارة التربية والتعليم على تفصيل تكلفة الطالب المدرسي والتي تقع ضمن ميزانية وزارة التربية والتعليم, يدعو دون أدنى شك إلى القلق والاستنفار ويدعوا إلى كثير من المراجعات الدقيقة كون كثير من برامج التحديث والتنمية تتأثر بذلك.. نعم أن حساب تكلفة الطالب المدرسي تحتاج إلى خبراء حقيقيين لارتباط  ذلك بنواتج التعليم العام والتي تسعى الدولة الوصول اليها, وأن الأرقام الصماء لا تخدم بأي شكل من الاشكال برامج التنمية والتحديث التي تنشدها الدولة وتطمح اليها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.