أزمة الموالاة في الأردن


جهاد المومني

بقلم / جهاد  المومني

الازمة الحقيقية في الاردن اليوم هي ازمة الموالاة لا ازمة المعارضة على فرض ان في الاردن موالاة ومعارضة، والمأزق الذي تعيشه الموالاة الاردنية عميق بالرغم من تستره بالصمت وحالة من السكوت الشامل على جبهة طالما كانت نشطة وضاجة باصوات الموالين باخلاص وهم السواد الاعظم من عامة الناس والمثقفين والسياسيين والتجار ورجال الاعمال والطلاب والمهنيين، والصمت بحد ذاته إعلان هزيمة يعانيها كل من لديه الف سبب للكلام لكنه لم يعد يجد الكلمات، وكلما كتب سطراً شطبه حتى لا يُفهم خطأً أو هم بالحديث دخل في حسبة التبعات وكيفية فهم الآخرين لكل كلمة يقولها، فيتراجع ويعيد حسابته ليكتشف ان الصمت هو اسلم وسيلة للبقاء على قيد الموالاة دون خسارة اي طرف بما في ذلك المعارضة نفسها، اي الامساك بالعصا من منتصفها رغم خطورة الظرف والحاجة الى الحسم وسرعة الاختيار ولا مجال فيه للحياد .

يا له من شعور فظيع حين يفقد الموالي ثقته بانه على صواب ويخضع لامتحان الشك بوقوفه في المكان الصحيح ومع الاشخاص الذين يرعون مصالحه ويأتمنهم على مستقبل أطفاله، هذا احساس مميت واخطر ما فيه ان يتحول الى شعور باالبلادة واللامبالاة بل والى ندم مؤلم على حقيقة باتت وهماً وأمل خاب، وليس للأمر علاقة بالمكاسب والمنافع، فمن الحقائق الغريبة في الاردن ان الموالي ليس هو المستفيد من ولائه، وليس هو من يحقق المكاسب ويحصد المنافع، بل على عكس المنطق في كل دول العالم الشبيهة ببلدنا، فان المعترضين والمحايدين هم أكثر الاردنيين استفادة من كرم الدولة وعطاياها، الخيبة ناجمة عن هزيمة الأمل امام الاحباط والتشاؤم، بل وحتى الخوف من المستقبل الذي يبدو اليوم ضبابياً اكثر من اي زمن مضى يتذكره الاردنيون، ومن يقول اننا تجاوزنا ظروفاً أصعب يجهل ما تخفيه صدور الناس وما يحيط بالاردن من مخاطر لا تقابلها الدولة بتبديل خطط المواجهة باخرى ولا بأشخاص لم يختبروا من قبل، فما من امل بالتغيير والاصلاح والتخلي عن صيغة ادارة الدولة كما لو كانت محمية ولم تصبح امارة ثم مملكة نيابية مستقلة ذات سيادة، وما من امل بتجاوز عتبة العائلات والسلالات والمنابت والاصول الى دولة مدنية تديرها ثلاث سلطات ويحكمها الدستور .

من المؤسف والمخزي أن تصبح اسماء الجامعات التي يتخرج منها الطالب هي التي تقرر ما سيكون عليه الخريج في مستقبل الدولة الاردنية، ومحبط لدرجة القهر أن يفقد الكثيرون الثقة والامل بأنهم مهما حققوا من نجاحات اكاديمية ومهنية وعملية لن يكون لهم التقدير الذي يستحقونه من دولتهم لان جيناتهم وليست الكفاءة هي المعيار الأول لاختيار الاشخاص لادارة الدولة، لا اهمية للكفاءة والقدرة وامتلاك البرنامج فيمن يقع عليهم الاختيار، لان بقية القوم مجرد رعايا وعوام وجمهور متفرج وظيفته المواطنة الصالحة التي تعني توارث الاخفاقات والازمات الاقتصادية والمديونية وبطبيعة الحال الامراض والفقر والاحباطات .

هنا مأزق الموالاة الحقيقي، فهي المقيدة الى التزامها بمثاليات لم تعد تقنع احداً، لا الأمن والأمان ولا محبة الناس التي قامت على اساسها الدولة ولا زالت، فأي مواطن بسيط بات على يقين ان من يهدد الامن ليس معارضا يائسا يخرج للاحتجاج او معترضا غاضبا انقطعت عنه المغلفات، وانما مسؤول فاسد ووزير مهمل وقرار غير مفهوم لا تستطيع حتى الحكومات التي تتخذه تفسيره او الدفاع عنه، هذا هو المازق الذي نعيش تفاصيله كل يوم فلا يحرك فينا حس الموالاة بصوت عال، ولا يستنفر جحافل المستفيدين للرد والدفاع عن الدولة وعن النظام بل وحتى عن قراراتهم الفاسدة التي اتخذوها في يوم من الايام، رؤساء حكومات ووزراء ومتقاعدون كبار من السياسة والجندية والبزنس جلهم تحولوا الى مرحلة الانتظار On hold حتى لا تفوتهم فرصة مهما كانت ضعيفة، مع المعارضة او مع الموالاة غير مهم، لا ايمان بالدولة ورسوخها وبقائها ولا اعتراف بجميلها وما قدمته في سرائها، اليوم والدولة تعبر زمن الضراء بفعل فاعلين، فانها تترك وحيدة رغم الحاجة الى كل جهد وقول نافع وموقف شجاع لحمايتها من كيد الكائدين، واليوم بلغت الجرأة على نظامها مستويات لا سابق لها وأصبح الخوف من مخلفات الماضي وفقدنا هيبة القوانين والنظام العام، تبلدت احاسيس الناس وقلة منهم فقط تخاف من تجارب الآخرين المفجعة ومن نتائج الفوضى اذا فقدت الدولة السيطرة، ولا احد يحسب حساب المستقبل لأن الحاضر بحد ذاته مخيف، ولن ينفع بعد الان مسكّن التذكير بحكاية ما جرى في بلدان أخرى لحث الارديين على دخول الملاجئ او التزام الصمت، فحين يتساوى الحال داخل وخارج السجن يفضل الكثيرون مهاجع محروسة وطعاما بالمجان .

تعاني الموالاة اليوم من فقد الالهام لتدبيج الخطابات وتسجيل الفيديوهات للرد على من يرونها نفاقاً و (تسحيج )، فبعد الف مقال يدافع فيها كاتب عن الدولة يجد نفسه يخسر شعبيته اولاً ثم وظيفته لحساب كاتب حاقد سليط اللسان تخاف الدولة بمؤسساتها من عدد تعليقات التأييد لما يكتب ويقول، وعدد (اللايكات ) التي يحققها على حساب البلد وسمعته بل وسيادته . وعلى عكس المعارض فإن (السحيج ) لا يملك حرية التعبير حتى عن عتبه المؤدب فكيف بغضبه، بينما يتمتع المعارض بكامل حريته ليقول ما يشاء بلا خوف ولا وجل وبطبيعة الحال بلا خجل، حتى أن بعض المسؤولين ممن لا يزالون في مناصبهم يبثون غضبهم من خلال بعض المعارضين ويزودونهم بمعلومات ووثائق سرية لأن القاعدة في الاردن لم تعد كما كانت ( كل من في الحكم يجب ان يكون موالياً ) والا فليغادرها، وهذه قاعدة ديمقراطية ثابتة، فالحكومة تقابلها معارضة خارج السلطة ولا تعشعش فيها من خلال جواسيس لها، وبعض المسؤولين يعتقدون انهم أكبر من الدولة ولا يخضعون لحسابات الولاء مطلقاً عند اختيارهم ولا تقبل التوصيات الامنية بعدم تعيينهم في اي طاقم وزاري، لانهم ليسوا من الفئة التي يشملها نظام حسن السلوك الذي تم شطبه لفتح ثغرة في الجدار الأمني، وان معيار وجودهم في السلطة يرتبط بالسلالة وليس بأي معيار آخر .

بعد كل هذا والكثير غيره، كيف لا تلوذ الموالاة بالصمت وتحتفظ بما تبقى من ماء وجهها واحترام بين الناس على قاعدة ( إن كنت لا تستطيع تغيير الباطل فلا تدافع عنه وذلك أضعف الايمان ).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.