ألا يستيقظ النيام ؟


الشاعر الدكتور محمد القصاص

=

بقلم الدكتور محمد القصاص

الأحداث الخطيرة التي تتفاقم في الشرق الأوسط ، والتي طرأت مؤخرا ، كما هو معروف بمؤامرة صهيونية بحتة ، وبكل ما فيها من تداعيات وكوارث تعود على السلم المجتمعي بالويلات ، لم تكن لتقع لولا جرائم إسرائيل وغطرستها وعدم امتثالها لأبسط قواعد الانضباط والأخلاق والأعراف الدولية ، وعدم احترامها للإنسان وحقه في الحياة ، هي دولة عنصرية تبطن العداوة والبغضاء دائما للبشرية جمعاء .
الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة ودول أوروبا مجتمعة ، تعرف كنه إسرائيل وتعلم أنها تسعى دائما لإثارة الفتن والحروب والقتل في جميع أنواع المعمورة ، لا يردها عما تفعله أي سلطة في الدنيا ، لا الأمم المتحدة ولا القوانين ولا الأعراف الدولية ، ولم تلتزم يوما حتى بأبسط قواعد الأخلاق والعلاقات الإنسانية .
إنها دولةٌ نشأت قامت على التوسع والاحتلال والعدوان ، واستطاعت بعقليتها الخبيثة أن تجرَّ وراءها كل تلك الدول ، ومهدت لها بأساليب مختلفة ، كي تنساق وراء إجرامها وعدوانها على أي دولة ترى فيها لديها شيئا من الطموح أو الرغبة بأن يكون لها دولة ونظام سياسي ومكانة في هذا الوجود ، ولم يردعها عن تماديها وتطاولها على حريات الدول والشعوب منذ نشأتها أي رادع .
إن هذا هو طبع اليهود منذ القدم ، ومنذ انبعاثِ الرسل ومجيئهم بدياناتٍ وكتبٍ سماوية جديدة مثل المسيحية والإسلام، حيث أضمرت العداء الصريح للمسيحية والإسلام منذ من العهود القديمة ، إلا أنَّ معاناة الإسلام والمسلمين منهم كانت أكثر واشدّ إيلاما ، إذ كانت شرذمة من اليهود تعيش معهم وبين ظهرانيهم في المدينة المنورة آنذاك.
وإذا ما أمعنا النظر بقليل من التفكر التروِّي ، نجد أنَّ الصهيونية التي كانت فيما مضى شوكة في حلوق الأوروبيين في القرن الماضي في مختلف أصقاع أوروبا ، لم تكن مقبولة إلى الحد الذي يجعلهم يرضون عنهم كمواطنين شرفاء ، بل هم عرفوهم أكثر من خلال تاريخهم الملطخ الأسود ، منذ أن كانوا في ألمانيا كمواطنين ألمان ، وعندما اشتعلت نار الحرب العالمية الأولى ، واجهت جيوش ألمانيا ما واجهت من خيانات اليهود وغدرهم ، حيث تحولوا إلى جواسيس وعملاء للجيوش المهاجمة ، ولدى اكتشافهم من قبل الجيوش الألمانية ، كان جزاؤهم هو ما عرفناه من خلال ما حلَّ بهم من مآسي ، بما عرف بما سمي لاحقا بمأساة (الهولوكست) وهو مصطلحٌ له دلالاته وتفسيراته .
فهو عبارة عن حجم الاضطهاد الممنهج الذي تولت تنفيذه الدولة الألمانية بغرض قتل حوالي ستة مليون يهودي من قبل النظام النازي والمتعاونين معه ، وهذا هو الجزاء الأوفى لعناصر خانت وطنها وبلدها آنذاك .
وباختصار شديد ، هنا جاءتْ فكرة التخلص من العنصر اليهودي وإبعاده عن المجتمعات ، وتهجيره إلى أمكهنة آخرى خارج أوروبا ، بعد أن خَلُصَ السياسيون في تلك البلدان إلى أنَّ إمكانية التعايش مع أبناء هذه القومية مستحيلة وصعبة ، ولا يؤمن جانبها ، لأنهم جبلوا على الخيانة والغدر ، وخير دليل على ذلك هو خياناتهم لدولتهم التي ولدوا فيها كمواطنين أصليين مثلهم مثل بقية الألمان ، حيث نالوا جزاهءم بمأساة (الهولوكست) .
لكن حظَّ فلسطين الحبيبة كان تعيسا ، حيث اختارت بريطانيا فلسطين كمكان يمكن أن يُخصص لهؤلاء الشرذمة ، ومن هنا كان وعد بلفور هو اللبنة الأولى وحجر الأساس ، الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
وبريطانيا .. كما يعرفها الجميع ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثالثة ، كانت وما زالت دولة انفطرت على كراهية العرب ، ولذلك فقد نقضت الكثير من الوعود والمعاهدات مع العرب ، ولم تف يوما بوعد أو تلتزم بعهد قطعته مع العرب .
وكم أتمنى أن يستيقظ العرب من سباتهم ، وأن يحذروا كل الحذر من غدر الإنجليز ومؤامراتهم وخبثهم ، بل وكم أتمنى أن يقطع العرب كلَّ علاقاتهم مع بريطانيا المتآمرة الخبيثة الظالمة التي هي أشد عداوة وكفرا من اليهود أنفسهم .
واليوم وفي ظلِّ الأحداث التي حدثت في الشرق الأوسط ، واستمرت لأكثر من ست وسبعين سنة وما صاحبها من كوارث وحروب إبادة ، هي بالتأكيد بسبب الأطماع التوسعية لليهود ونهمهم وإصرارهم على ممارسة الخيانة والغدر الذي هو من طبيعتهم وشيمهم ، بل ومن أخلاقياتهم ، والأمثلة على هذا كثيرة لا متسع لذكرها هنا .
ونستذكر هنا بأنَّ سنتين مضتا على مهاجمة قطاع غزة ، عاث الجيش الصهيوني فيها فسادا ودمارا وقتلا ، حيث بلغ عدد الشهداء أكثر بكثير من خمسين ألف شهيد ، والمصابين أكثر من مائة وثلاثين ألف مصاب ، معظم هؤلاء من الأطفال والنساء والشيوخ .
وما زال اليهود المتجبرون المجرمون ، يمارسون كل أنواع الجرائم بما فيها ا لقتل الممنهج والتجويع وتدمير المستشفيات والمدارس والجامعات، وكل القطاعات الحيوية في القطاع ، وإجبار أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة أن يعيشوا مرغمين تحت القصف والدمار والتل والتجويع ، تمشيا مع رغبة ترامب في محاولة تهجيرهم من أرضهم وبيوتهم قسرا للمرة الثانية ، حيث أنهم قد هجروا في المرة الأولى من أراضيهم المغتصبة المحتلة في حيفا ويافا والقدس ، منذ أكثر من سبعين سنة ، عاشوا وصبروا على أنواع شتى من العيش المرّ ، على أمل أن يعودوا لأراضيهم في يوم من الأيام بآلامٍ وأحلامٍ لم تتحقق ، رغم الانتظار الطويل والمحاولات ، إلا أنَّ كلَّ هذا باء بالفشل الذريع نظرا لمجريات الأحداث المرة ومساندة الدول العظمى لهذا العدوان المغتصب المحتل .
وتبعا لذلك لم يعد هناك من أمل لهم ، إلا باللجوء إلى المقاومة واستخدام السلاح والاستشهاد ، ومحاولة طرد الغزاة المرتزقة بالقوة والاستشهاد ، لأنهم لم ينصاعوا لأي قرارات أممية عادلة مطالبة بإنصافهم ، وإعطائهم ولو جزءا من حقوقهم المشروعة على أرضهم المغتصبة ووفي أوطانهم المحتلة .
والعالم الإسلامي للأسف كان وما زال منشغلا ، بأمور جانبية بعيدة عن صلب القضية الأساس بعدا ليس له نهاية ولا حدود .
إلا أنني وبعد الأحداث الحالية ، ونشوب الصراع بين إيران والصهيونية المتعدية التي بدأت عدوانها على دولة إيران منذ فجر الجمعة الماضي الموافق 13 يونيو 2025 بشكل مباغت ومفاجيء ، ومن خلال موقف دولة إيران البطولي ، أستطيع أن أستعيد الآمال الكبيرة لكل مفكر عربي في هذه الأمة ، بأن إسرائيل لم تعد تلك القوة المسيطرة على هدفة قياد هذا العالم ، وإنما هي حقا نمر من ورق ، وإن تعددت جرائمها وارتكبت من الجرائم ما ترتكب ، بل وإن هزيمتها بإذن الله أصبحت قريبة ومؤكدة ، وتحرير الأرض والعرض اصبح ممكنا للغاية .
بنفس الوقت فإن ما يؤسف له حقا أنْ ظهرت في هذه الأيام وبعد هذه المواجهات ، بعض الِأقلام المضلِّلة والآراء السقيمة ، التي لا تنم عن وطنية صادقة مخلصة تجاه القضية الفلسطينية التي هي قضية كل إنسان مسلم ، بل وغير المسلم لأنها قضية عادلة ، وأخذت تشكك في صدق مواقف المقاومة وحقهم المشروع بالدفاع عن ديارهم بالمقاومة والصمود ، وإصرارهم على التحرير رغم تضحياتهم الكبيرة بأرواحهم وممتلكاتهم وأسرهم وبكل مقومات الحياة لديهم .
أما هؤلاء المشكِّكون فإمَّا أن تكون انتماءاتهم ملوثة ومعادية لكل ما تحمله قضية المواطنة من معانٍ سامية وإما أن يكونوا منهزمين من الداخل ، متناسين بهذا حجم كل تلك المآسي والتضحيات التي قدمها الشرفاء على مدى أكثر من سبعين سنة مضتْ ، بالرَّغم من محاولات الأمم المتآمرة للتوسط والتدخل لدى الكيان الصهيوني الغادر للإنصياع للقرارات العادلة من أجل إعادة الحق إلى أصحابه وإنهاء الصراع والنزاعات في الشرق الأوسط ، ليعود الشرق الأوسط كمنطقة نظيفة بعيدة عن الحروب والنزاعات والاقتتال ، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تثمر عن أية نتائج إيجابية .
حتى الاتفاقيات الأخيرة التي أصبحت معروفة لدى الجميع مثل اتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة ، التي كانت أملا وحيدا للفلسطينيين ولشعوب المنطقة كلها ، ليعم السلام في فلسطين والمنطقة ، تمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم على تراب فلسطين ، وعلى حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، لكن نوايا إسرائيل التوسعية الخبيثة لم ترَ في تنفيذ تلك الاتفاقية ما يحقق أحلامها بالتوسع والاحتلال ، فراحت تماطل وتراوغ منذ عام 1992 وحتى هذا التاريخ ، ولم تترك مجالا أو فرصة لتحقيق بنود تلك الاتفاقية على مبدأ يحتكم للعدل والحقِّ ، ولم يكن للمحاولات أي اعتبار في هذا الوجود البغيض .
والفلسطينيون كانوا وما زالوا ، لم يطالبوا بأكثر من هذا كي يقيموا دولة لهم ذات سيادة على جزء من فلسطين المغتصبة ، وأما غطرسة اليهود بقيادة (النتن ياهو) وتعنته وأطماعه ، بعثرت كل تلك الآمال ، وكأنها ألغت كل تلك الاتفاقيات وعمدت إلى الاستمرار في عنادها من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى بالتوسع واحتلال مزيد من الأراضي والأقطار العربية المجاورة .
واليوم وبدخول دولة قوية مثل إيران على خط المواجهة مع العدو الصهيوني يجعل من القضية الفلسطينية قضية حية ، ذات أبعاد وأطرٍ جديدة ، يجب الالتفات لها ، ومحاولة دعمها والوقوف معها ، تفاديا لحدوث صراع كبير أو حرب عالمية ثالثة قد تحرق الأرجاء والأقطار وتأكل الأخضر واليابس .
وأنا هنا حقيقة أقدر موقف إيران المشرف ، وموقف جماعة أنصار ألله الشجاع حيث قدموا للقضية الفلسطينية ما قدموا من تضحيات ، يسجل بأحرف من نور ، على صحائف مشرفة ، وبعد أن أصبح العالم العربي برمته عاجزا عن تقديم أي نوع من الدَّعم أو المساعدة حتى ولو بالآراء أو المواقف المشرفة .
لكن المؤسف أن أرى من حولنا أناسا يتشدقون ويُفتون بما لا يعرفون ، ويهذون بآراء لا يجرؤ عليها سوى أناس لا ينتمون إلى الإسلام بصلة ، لدرجة أني شككتُ ببعضهم وظننت بأنهم رجالٌ تلموديون ، تتلمذوا وتخرجوا من الجامعة الإسلامية في (تل أبيب) ، وبعضا آخر أراهُ يشكِّك في موقف إيران من القضية الفلسطينية ، وهي الدولة التي هوجمت على حين غرة ، بمؤامرة وغدر فاضح بمباركة من أكبر دولة في العالم ، تلك الدولة التي بنيت على باطل منذ أن أصبحت دولة عظمى ، لا يهمها عدلٌ ولا يهمها حقُّ ولا يهمها أن تعيش شعوب الأرض بحرية وديموقراطية وسلام ، وهي تسمي نفسها بالدولة الديموقراطية ، وهي بعيدة كل البعد عن الديموقراطية وعن الأخلاق وعن العدالة الاجتماعية .
أما بعض الإعلام العربي (هداه الله) ، انحرف ببوصلته عن الصواب ، وكأنه اليوم من إعلام الأعداء المضلل ، حيث أنَّ كثير من الذين يسمون أنفسهم بالإعلاميين ، يستبقون الأحداث ، ويضعوا تصوراتهم الخاطئة ، فيكونوا بذلك أداة توجيه وإرشاد ممتاز للعدو ، عما يجب أن يفعلوه وما لا يفعلوه في تعاطيهم مع الأحداث بعدوانهم علينا وعلى أراضينا ومقدراتنا كلها .
نعم إنَّ بعضهم في ضلالة تامة يفتقرون إلى الوعي بما يقولون ، ولا يدركون أنَّما يقولونه قد يُتَّخذُ من قبل العدوِّ كدليل أو مبررٍ أو توجيهٍ مفيد للغاية وإلى حدٍّ بعيد لما يجب أن يفعلوهُ . وهذه الخدمة المجانية لم تأتِ من فراغ بل تأتِ من عدم وعي ومعرفة وإدراك لما يقومون به .
وكم أتمنى أن يدرك جميعنا على كل الصُّعد والمستويات ، أننا اليوم كلنا في خندق واحد لا فرق بين كبير أو صغير أو بين عظيم أو حقير ، فالكلُّ سواسية والكلُّ عليه المسئولية الكبرى ، لأن الكلَّ أصبح اليوم في دائرة الخطر ، ولم يعد لدينا متسع من الوقت لنهرف بما لا نعرف ، وعلينا أن ننتبه لمحاولات العدوِّ البائسسة القائمة على التفرقة واختراع الفتن ، فهو دائما يحاول جاهدا لزرع الفتنة بين أقطارنا وشعوبنا وقياداتنا ، وعلينا ألا نفوِّت الفرصةَ الآن لننتبه إلى ما هو قادم ، ونكونَ شرفاء أوفياء وطنيين ، مخلصين لأوطاننا ومقدراتنا ، وعلينا أن ننزِّه أنفسنا عن التمادي في الطعن والتشكيك بكل من يقف معنا أو يساعد في درءِ المخاطر عنا وعن أوطاننا وعن شعوبنا ومقدراتنا ، والله الموفق ،،،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.