إشارات على قرب وقف الحرب في غزة: حسابات نتنياهو تتغير

المحامي الدكتور هيثم عريفج
تزداد المؤشرات في الآونة الأخيرة على اقتراب وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، في ظل تغير ملموس في الحسابات السياسية لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو. فبعد الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على إيران، والذي نجح من خلاله في توجيه رسالة ردع حربية، بات نتنياهو يعيش لحظة سياسية نادرة من الزخم الشعبي، قد يسعى لاستغلالها للذهاب نحو انتخابات مبكرة في توقيت يناسبه.
إن هذا الزخم، سواء على الصعيد الأمني أو الشعبي، قد يشكل نافذة فريدة لنتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، لن تكتمل دون إنهاء الحرب في غزة وتحقيق “نصر” يمكن الترويج له انتخابيًا، يشمل استعادة الأسرى الإسرائيليين وتحقيق إنجازات عسكرية أو سياسية يمكن تسويقها أمام الداخل الإسرائيلي.
ومن الدوافع الإضافية التي قد تدفع نتنياهو إلى وقف الحرب، رغبته في تجنب الملاحقة القضائية في قضايا الفساد التي تلاحقه منذ سنوات. فليس خافيًا أن من أسباب إطالة أمد الحرب لم تكن فقط للبقاء في السلطة، رغم أن ذلك هدف مركزي له، بل أيضًا كمحاولة لتأجيل أو تعطيل المسار القضائي ضده. واليوم، بعد الإنجاز الذي يدّعي تحقيقه في إيران، يبدو نتنياهو أقرب من أي وقت مضى إلى صفقة داخلية قد تعفيه من هذه القضايا، وهو ما يُعد سببًا إضافيًا لقبوله بوقف إطلاق النار في هذا التوقيت.
في هذا السياق، لم تعد تحالفات نتنياهو مع رموز اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ذات جدوى استراتيجية. بل باتت هذه الشخصيات عبئًا متزايدًا على استقرار حكومته، في ظل تصاعد النقد الدولي والداخلي للخطاب التحريضي والسلوك المتهور الذي يمثله هذا التيار. وقد يدفع نتنياهو، بدافع الحفاظ على ما تبقى من الدعم الدولي أو لتهيئة المناخ لانتخابات قادمة، نحو فك الارتباط معهم أو تقليص نفوذهم تدريجيًا.
من جهة أخرى، لا يبدو مستبعدًا التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يُغيّر ملامح الحكم في قطاع غزة، سواء من خلال دور معزز للسلطة الفلسطينية، أو عبر صيغة إقليمية – دولية جديدة تضمن ترتيبات أمنية وإنسانية مستدامة. مثل هذا الاتفاق سيكون عنصرًا أساسيًا في مخرج لحكومة نتنياهو، ويسمح بوقف العمليات دون الظهور بمظهر المتراجع.
خلاصة القول، إن نتنياهو الذي كان يتمسك بإطالة أمد الحرب كوسيلة لبقائه في السلطة، يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى خيار وقف الحرب، ليس بدافع إنساني أو استجابة للضغوط الدولية، بل بدافع المصلحة السياسية المباشرة. وإذا صدقت التقديرات حول اقتراب حل تفاوضي في غزة، فقد نشهد تحولًا كبيرًا في المشهد الإسرائيلي الداخلي، عنوانه “الذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظل نشوة الانتصار”.