إيران بعد الضربات الأمريكية: هل بدأ العدّ التنازلي لنهاية النظام؟


د .سمير عبدالرحيم الزغول

=

في تطور غير مسبوق منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، تواجه إيران اليوم واحدة من أخطر اللحظات في تاريخها الحديث. فلم يعد السؤال المطروح “هل سيسقط النظام؟”، بل تحوّل إلى: “متى؟ وكيف؟ وبأي ثمن؟”. تتقاطع الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة مع أزمات اقتصادية خانقة، وتمزقات داخلية عميقة، لترسم ملامح مرحلة جديدة تتجه فيها الجمهورية الإسلامية نحو منعطف وجودي قد لا تخرج منه إلا متغيرة جذريًا… أو منهارة تمامًا.

من الاحتواء إلى التصعيد

تتسارع وتيرة التطورات داخل إيران وخارجها. الضربات الإسرائيلية، التي استهدفت منشآت نووية ومراكز تابعة للحرس الثوري، جاءت متزامنة مع ضربة أمريكية نوعية استهدفت مفاعلات نووية حساسة، يُعتقد أنها كانت جزءًا من المرحلة المتقدمة في برنامج التخصيب. هذا التصعيد العسكري لا يحمل فقط طابعًا استراتيجيًا، بل يمثّل رسالة مزدوجة: أولًا، بأن الخطوط الحمراء الدولية قد تم تجاوزها من قِبل طهران ولن تمرّ بلا رد، وثانيًا، أن النظام الحاكم لم يعد قادرًا على حماية ما يعتبره “منجزاته السيادية”.

وبحسب تسريبات أمنية غربية، فإن الضربات الأمريكية الأخيرة طالت مواقع في نطنز وفوردو، ما أدى إلى شلل مؤقت في البنية التحتية للبرنامج النووي، وأظهر هشاشة الدفاعات الجوية الإيرانية، التي يهيمن عليها الحرس الثوري. داخليًا، زادت هذه الضربات من تآكل صورة النظام أمام الشعب، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات عميقة: ما جدوى هذا التحدي المستمر للغرب إذا كانت نتيجته مزيدًا من العزلة والانكشاف الاستراتيجي؟

الداخل يغلي: مجتمع على شفا الانفجار

الشارع الإيراني، المنهك بفعل العقوبات الدولية، والتضخم الجامح، وانهيار الخدمات، يبدو أقرب ما يكون إلى الانفجار. وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادثة غامضة لم تُطفئ نار الصراع بين التيارات المحافظة والمتشددة، بل زادتها اشتعالًا، وأظهرت هشاشة المؤسسة السياسية.

الجيش الإيراني، بدوره، ليس في وضع مستقر. تتحدث تقارير عن تذمر داخل القوات النظامية من تغوّل الحرس الثوري، وتردّد في قمع الاحتجاجات الشعبية، إلى جانب مخاوف من الانزلاق في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. كل هذه العوامل ترسم ملامح مرحلة ما قبل الانهيار، لا سيما في ظل فقدان الريال أكثر من 80% من قيمته، وبلوغ البطالة بين الشباب نسبًا قياسية.

المعارضة تقترب من لحظة الحسم

في الوقت ذاته، تتعاظم حركية المعارضة الإيرانية، سواء في الداخل أو في الشتات. لم تعد الدعوات التي يُطلقها رموز مثل رضا بهلوي مجرد شعارات عاطفية، بل باتت تعبّر عن تنسيق فعلي بين تيارات متعددة: قومية، ملكية، علمانية، وإسلامية إصلاحية. بل وتشير بعض التسريبات إلى اختراق هذه المعارضة لبعض مفاصل الدولة العميقة، وحتى داخل المؤسسة العسكرية.

هذا الزخم لا يُعبّر فقط عن ضعف النظام، بل عن تبدّل في المزاج الشعبي الإيراني، الذي فقد الثقة بوعود الإصلاح، وسئم من لعبة الانتخابات الشكلية. ومع اتساع رقعة التذمر الشعبي، تبدو البلاد وكأنها تقف على حافة انفجار اجتماعي، قد يتحول إلى ثورة جديدة، ولكن هذه المرة ضد النظام الثوري ذاته.

بين الفوضى والفرصة: سيناريوهات ما بعد السقوط

رغم التفاؤل النسبي لدى بعض القوى المعارضة بإمكانية سقوط النظام، إلا أن غياب رؤية واضحة للمرحلة التالية يثير القلق. فهل تكون إيران القادمة أقرب إلى حالة فوضوية شبيهة بليبيا أو سوريا؟ أم أن ثمة فرصة حقيقية لبناء دولة مدنية ديمقراطية تمثل تطلعات الإيرانيين؟

السيناريوهات المستقبلية تعتمد إلى حد كبير على ثلاثة عناصر رئيسية:
1. وحدة المعارضة: لا تزال المعارضة الإيرانية مشتتة بين تيارات متعددة، وتفتقر إلى قيادة موحدة ورؤية جامعة.
2. موقف المؤسسة العسكرية: إذا انقسم الجيش، أو ظل مواليًا للحرس الثوري، فإن أي انتقال للسلطة سيكون عنيفًا وداميًا.
3. التدخلات الإقليمية والدولية: لكل من واشنطن، وتل أبيب، وموسكو، وبكين، مصالح مباشرة في مستقبل إيران، وقد تتحول هذه المصالح إلى عائق أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي.

نهاية عهد… وبداية مجهولة

لا يمكن القول إن النظام الإيراني قد سقط بعد، لكن المؤكد أنه يمر بأضعف مراحله منذ أربعة عقود. ومع تصاعد الضغوط من الداخل والخارج، تبدو البلاد وكأنها دخلت منطقة اللاعودة. لكن سقوط الأنظمة لا يعني تلقائيًا ولادة مستقبل أفضل. فنجاح أي انتقال سياسي مرهون بوجود بديل منظم، وقادر على إدارة الدولة وتجنب سيناريوهات الفوضى والانهيار.

إيران اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة: إما أن تتحول إلى نموذج لدولة حديثة تنتمي لعصرها، أو أن تسقط في أتون صراع قد لا يقتصر على حدودها، بل يمتد ليزلزل الإقليم برمته

2 تعليقات

  1. مهند ياسر سالم حداد - عرجان - عجلون يقول

    اعتقد دكتور ان كل المؤشرات تقول انهم سيجتمعون قريباً كلهم بالأسد في منفاهم بروسيا.

    السؤال ما هي خطة واستراتيجية الدول العربية هل ستغتنم هذه الفرصة التاريخية التي ستأتيهم على طبق من ذهب لإعادة تشكيل المنطقة كاملة.

    ايران تحتل الأراضي العربية التي تسمى الأحواز العربية والتي تمتد من عبادان حتى بندر عباس على طول الساحل الشرقي للخليج العربي بما يقدر ب 375,00 كيلومتر مربع وهي توازي مساحة فلسطين 16 مره وتحتوى على 90% من الثروات النفطية لإيران ، هل هنالك خطط لدعم قيام هذه الدولة ودعم استقلالها!؟

  2. شواخ عليوي يقول

    وهذا ليست في ايران فقط وانما على مستوى العالم
    كثر الحطب وكثروا جامعيه والطقس حار وشعله من يد لايخاف الله تحرق جمال الحياة

    وفقك الله دائما

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.