اغتيال الناشط نزار بنات مرة ثانية !


مهدي مبارك عبدالله

بقلم //  مهدي مبارك عبد الله

استهلال : يقال بان الحاكم المستبد في بداية استبداده يعمد الى اعداد وتهيئة مجموعة من الأشخاص من المسؤولين ورجال الامن والمخابرات وغيرهم كأدوات تنفيذية يمتهنون تلفيق التهم لأي شخص ينتقد نهجه وافكاره فضلا عن قيامهم بتصفية المؤثرين من المعارضين لبرامجه وسياساته

في الجانب الاخر يقوم ذات الحاكم المستبد بتشكيل مجموعات خاصة من الاتباع والمطبلين والمتسلقين من جميع الفئات ليخلعوا عليه صفات التبجيل والعظمة وينشروا انجازاته ومأثره الوهمية عبر نظم قصائد المديح والغزل وتقديم الخطابات الاستعراضية وصناعة الروايات المزورة وصياغة الاحداث المصطنعة حول ( البطل والزعيم والقائد والرمز ) حتى وصل حال البعض منهم الى حد التلذذ بالعبودية المذلة والاستمتاع بهذا الانقياد الأعمى بكل ما فيه من قسوة وجور

في خطوة مستغربة فهمت انها لكسب الوقت وبدون اي مسوغ قانوني سليم تزامنت مع حلول الذكرى السنوية الأولى لمقتله وعدم احراز أي تقدم او الوصول الى تسوية في ملفه أفرجت هيئة ( قضاء قوى الأمن الفلسطينية ) بموجب تنسيب من النائب العام العسكري عن رجال الأمن الـ 14 الموقوفين بتهمة الضرب المفضي إلى الموت والتسبب بمقتل المرشح السابق لانتخابات المجلس التشريعي الناشط والمعارض السياسي نزار بنات 43 عام اثناء اعتقاله والاعتداء عليه بالضرب المبرح بعد اقتحام عناصر من الامن الوقائي الفلسطيني لمنزل أحد أقاربه كان يتواجد فيه بالمنطقة الجنوبية من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية بتاريخ 24 / 6 / 2021

المتهمون الموقوفون تم منحهم ( إجازة مؤقتة من التوقيف والحبس الاحتياطي ) حتى تاريخ 3 تموز المقبل بضمان جهاز الأمن الوقائي بأن يحضروا أوقات المحاكمة وان اخلاء سبيلهم جاء بحجة متابعة أوضاعهم الصحية وإجراء الفحوصات اللازمة لهم بعد ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا نتيجة الاكتظاظ في مراكز تأهيل وإصلاح الجنيد وأريحا وهذا مجرد كلام ( تبريري لخلق الاعذار ) والغريب ان معظم الاخبار وشهود الحال أكدوا انه لم يتم الإفراج عن موقوفين آخرين بقضايا أخرى لنفس السبب وان ابن عم الراحل نزار المدعو (عمار بنات ) والشاهد في قضية قتله ما زال معتقل في السجن بحجة التطاول على السلطة ولم يفرج عنه مما يعني ان القرار صمم على مقاسات المعنيين فقط

أطلاق سراح رجال الامن المتهمين بكفالة دون أمر من محكمة مختصة اجراء غير سليم قانونيا لأنه ليس من اختصاص النائب العام إطلاق سراحهم وإعطائهم إجازة دون قرار محكمة ولهاذا ادانت عائلة بنات الخطوة واعتبرت بموجبها أن ( العدالة قد ماتت ) فيما رأت مؤسسات حقوقية عديدة ايضا أنها غير قانونية أدت الى انتشار التخوف من التلاعب وعدم النزاهة وانعدام الشفافية او تحقيق العدالة لعائلته التي طالبت القضاة الفلسطيني بالانسحاب من هذه المسرحية الدموية الظالمة ( اللحظة المصيرية في حياة الدول والشعوب لا تقبل التردد او الاخفاء او المناورة بل تحتاج الجرأة والشجاعة والاعتراف بالخطأ )

عدم الاهتمام بقضايا المساءلة والمحاسبة من قبل الأجهزة المختلفة في السلطة ما هو إلا نتيجة لغياب الإرادة السياسية الجادة تجاه تفعيل المساءلة وفق مبدأ سيادة القانون والذي لا يحتاج إلا لقرار سياسي يؤكد الالتزام بما ورد في القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات الصلة والاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص

أصبح معلوم للجميع ان استمرار التسويف والمماطلة المقصودة والتباطؤ الموجه في إجراءات المحاكمة المتعلقة بالأشخاص المتهمين بقتل بنات بات يشكل قلق حقيقي على إجراءات محكمة عادلة في هذه القضية وعدم وجود رغبة جادة في كشف حقيقة وفاته وإدانة جميع المتهمين بها وبما يؤكد ان اغتياله كان بقرار سياسي وليس عن طريق الخطأ حيث اكدت التقارير الطبية تعرضه للضرب في مختلف أنحاء جسده وفقا لما كشفه تقرير الطب الشرعي فقد ظهرت في حينه على جثته بعض الكدمات والسحجات والخدوش وغيرها

موت الناشط بنات المباشرة وقع بسبب الاختناق جراء غازل الفلفل الذي تعرض له وهي وفاة غير طبيعية بعكس ما أعلنت السلطة التي فشلت في الدفاع عن نفسها بأنه توفي نتيجة ( فشل حاد في القلب ) لا تصدقوا أن بنات توفي بنوبة قلبية مفاجئة فالعديد من التسريباتٍ والوثائق والفيديوهات والتفاصيل الدقيقة حول عملية الاغتيال كشفت على رؤوس الاشهاد عكس ذلك ورغم مرور سنة كاملة على مقتلة لم تحدد السلطة الفلسطينية وهي تطلق صراح المتهمين اسم القاتل بعد وفي ذات الوقت تطالب وبشدة محاسبة ومحاكمة الجندي الصهيوني قاتل الصحفية الراحلة شيرين ابوعاقلة ( اليس من يفرج عن المتهمين بالقتل بدون حكم او عقوبة هو شريك في الجريمة )

الشعب الفلسطيني المكلوم فقد بمقتل بنات وسفح دمه غيلة صوتا وطنيا حرا وامينا وجريئا اعتبر من أهم المدافعين عن حرية الكلمة والرأي والتعبير ومن أشد منتقدي السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وعليه على الجميع المطالبة بمحاكمة المتهمين وعلى الفصائل والمؤسسات القانونية ان تأخذ دورها للوصول للعدالة الناجزة حتى لو احتاج الأمر الى اللجوء للمحاكم الدولية والمجتمع الغربي والامريكي لأثبات ان الأموال التي تدعم بها السلطة تستخدم لقتل الناشطين والمعارضين بدلاً من انفاقها في اقامة المشاريع التنموية المخصصة لها

حالة الاستياء والاحتجاج والسخط والغضب الكبيرة سادت مواقع التواصل الاجتماعي بعد إطلاق السلطة الفلسطينية سراح المتهمين بقتل الناشط السياسي المعارض نزار بنات بكفالة حضورهم جلسات المحاكم حيث اعتبروا أن ما يجري اليوم مرفوض بكل المقاييس وان السلطة من خلال ذلك تتلاعب بالقضية وتماطل فيها وهي غير جادة بمحاكمة القتلة وقد علق الكثير منهم بـعبارة ( من أمن العقاب أساء الأدب ) كما تسألوا بحيرة بالغة هل هكذا تتحقق العدالة لنزار بنات بعدما ثبت قتله ظلما وبلطجة وعنترية

عائلة بنات رفضت في وقت سابق وبإصرار شديد عرض قدمته السلطة الفلسطينية عبر وسطاء معروفين بدفع مبلغ 10 مليون دولار وتقديم 30 وظيفة لأبنائها بعضها عليا من أجل إغلاق ملف القضية لاسيما على المستوى الاقليمي والدولي

بعيدا عن المكابرة والمعاندة والادعاء ولعلعة الحناجر الجوفاء لا سبيل للخروج من هذا المستنقع المهلك الا ان تقوم السلطة الفلسطينية من جديد بمراجعة كافة الإجراءات والتدابير المتخذة بشأن ملابسات وظروف مقتل الناشط والمعارض السياسي بنات والاعتراف الكامل بالمسؤولية عن قتله وتقديم اعتذار رسمي لعائلته وتوفير سبل الإنصاف والجبر لها وبما يشمل تقديم التعويضات المادية واظهار الحقيقة وتقديم كافة المسؤولين عن الحادثة للمحاكمة العادلة والنزيهة وكذلك توفير ضمانات محاكمة عادلة حتى للمتهمين انفسهم واحترام الحق الشعبي في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير ووقف ملاحقات المواطنين جراء ممارستها

لقد بات من الضروري والملح ان تفهم السلطة الفلسطينية قيادة وحكومة ان ملف نزار بنات بوصفه يشكل انتهاك جسيم لحقوق الإنسان إن ( بقي حاله على ما هو عليه ) سيرحب به كثيراً على طاولة المحاكم الدولية كـ ( جريمة ضد الإنسانية ) كما يمكن أن يكون محل ترحيب ايضا من قاضٍ في لندن أو قاضية في بروكسل أو في برلين أو مدريد او غيرها وبتعاطف كبير وجدية فائقة واحكام مغلظة

واقع الحال المرير في قضية الراحل بنات يستدعي إعادة النظر في قرار الافراج عن المتهمين والتوقف عن التدخل في مسار العدالة واحترام استقلال القضاء فلا ( يعقل مطلقا ان يتم تشكيل لجنة تحقيق من نفس السلطة التي نفذت جريمة القتل )

أيها لراحل المغدور نزار نقول لك وانت ترقد في لحدك قرير العين في حفظ ربك وبكل صدق وامانة من لم ينصفوك وأنت حي يوم كانت كلماتك تسقط عليهم مدوية كالرصاص ومزلزلة كالبركان وجارفة كالطوفان حيث كنت تصدح بها من اجل وطنك وحريته ومستقل اجياله لن ينصفوك وأنت ميت ومن ظلمك لم يفهم مقاصدك ومرؤتك ومن اتهمك لم يقرأ تاريخك وفكرك ومن جار عليك بسطوة اجهزته الأمنية لم يعرف وطنيتك واخلاصك ولهاذا لم ينصفك ولو بالقليل لان ( العدالة والظلم لا يجتمعان في قدر واحد ) ولا يمكن للقاتل المجرم أن يكون القاضي والحكم في اعدل قضية وبأسواء طوية

نختم بخير الكلام بما قاله رب العالمين في مصير الطغاة الظالمين ممن انتهكوا الحرمات وسفكوا دماء الأبرياء وساموهم سوء العذاب في الحياة والممات ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) تذكروا يا أحباء واسرة واهل نزار بنات أن الله فوقهم وأنه سوف يقتص منهم ويريكم فيهم ما يشفي غليل صدوركم ويهدئ نفوسكم بعد خيبة املكم في تحقيق العدالة والانصاف ان الله عزيز ذو انتقامmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.