الأسباب الحقيقية وراء خفض فرنسا التأشيرات المغاربية


مهدي مبارك عبدالله

=

 

بقلم  / مهدي مبارك عبد الله

قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية منتصف العام القادم قررت باريس الضغط لترحيل عدد من المهاجرين غير المرغوب بهم طارقة بذلك باب ملف الهجرة الذي يعتبر أحد أهم العناوين الشائكة في مشهد الحملات الانتخابية

ضمن قرار وصف بانه غير مبرر وليس مناسب في توقيته ومضمونه اتخذ بهدوء أعلنت الحكومة الفرنسية صباح الثلاثاء 28 / 9 / 2021عن تشديدها شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بذريعة ان الدول الثلاث رفضت إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين يقيمون في فرنسا من مواطنيها وهوما يبطئ فعالية عمليات الترحيل من الأراضي الفرنسية عند صدور القرارات في هذا الصدد

حسبما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال الذي اعتبر القرار جذري وغير مسبوق ولكنه ضروري كما قال في نبرة واضحة تشبه الوعيد لقد وجهنا تهديدات ( للدول المغاربية ) والآن سوف ننفذ تهديداتنا لأنه عندما لا يتحرك ملف المهاجرين غير الشرعيين بعد فترة معينة من قبلهم علينا اذا تطبيق القوانين

وهو ما استنكرته الرباط على لسان وزير خارجيتها ناصر بوريطة والذي اعتبر القرار غير مبرر لمجموعة من الأسباب في مقدمتها ان المغرب كان دائماً يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأشخاص بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم بين تسهيل تنقل الأشخاص سواء الطلبة أو رجال الأعمال وما بين محاربة الهجرة السرية غير النظامية والتعامل الصارم حيال الأشخاص الذين هم في وضعية غير قانونية في فرنسا واعطاء التعليمات الواضحة لتسهيل عودة المواطنين المغاربة الى بلادهم

حيث بلغ عدد وثائق جواز المرور ( تسمح للمواطنين بالعودة لبلادهم ) التي منحتها القنصليات المغربية خلال 8 أشهر من السنة الحالية 400 وثيقة ولهذا فان اعتماد هذا المعيار ( تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب) قرار متسرع وغير مناسب وان المشكلة في ذلك تترتب على السطات الفرنسية التي لا تفرض على المسافرين من اراضيها إجراء نتيجة الاختبار السلبية المطلوبة لوباء كورونا الـ ( بي اس ار ) ولهذا لا يمكن للمغرب أن يستقبل مواطنين غير حاصلين على تلك الفحوصات كاجراء احترازي مهم

اما فيما يتعلق بالجزائر فقد قالت وزارة الخارجية الجزائرية ان القرار غير مقبول باعتباري احادي الجانب وإنها تأسف لقيام السلطات الفرنسية بتقليص تأشيرات مواطنيها عشية سفر وفد جزائري إلى باريس بهدف بحث وتعزيز التعاون في إدارة الهجرة غير النظامية بين البلدين

اما بخصوص تونس فقد اعلنت الرئاسة التونسية عن أسفها لقرار باريس تخفيض عدد التأشيرات المخصصة للتونسيين الراغبين في السفر إلى فرنسا وفي بيان للرئاسة قال إن الرئيس قيس سعيد تحادث هاتفيا مع الرئيس الفرنسي ماكرون بخصوص قرار تخفيض التأشيرات وقد أعلمه الاخير بأن هذا الإجراء قابل للمراجعة

ووفقا لوسائل إعلام فرنسية بلغ عدد الذين صدر بحقهم أمر مغادرة الاراضي الفرنسية 14272 مواطناً مغاربياً من بينهم 7731 مواطناً جزائرياً لم يرحل منهم إلى الآن سوى 22 شخصاً و3301 مغربي لم يرحل منهم سوى 88 إضافة إلى 3424 تونسياً لم يرحَّل منهم إلا 131

بالمقابل بلغ عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الدول الثلاث مجتمعة سنة 2020 حوالي 63 ألف تأشيرة وبالتالي لن تمنح باريس حسب قرارها الأخير من الآن فصاعداً سوى 31.5 ألف تأشيرة أي ما يعني حرمان أكثر من 4363 جزائرياً و9290 مغربياً و4570 تونسياً منها

عمدت الحكومة الفرنسية إلى تطبيق هذه القوانين بإنقاص عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني المغرب والجزائر إلى نصف عدد تلك الممنوحة لهم سنة 2020 والى 30% بالنسبة لتونس بالمقابل لم يلق هذا القرار ترحيباً من اليمين الأكثر تطرفاً من ماكرون حيث وصف جوردان بارديلا نائب رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الأمر قائلاً ومع كل ذلك لم ينجح ماكرون في تنفيذ الوعد الذي قدمه خلال حملته الرئاسية سنة 2017 القاضي بتنفيذ الأمر بمغادرتهم للأراضي الفرنسية بشكل تام وان هذا القرار لا يرقى إلى تحقيق أهدافه كاملة

الرئيس إيمانويل ماكرون هو شخصيا من اعطى الاوامر بتقليص التأشيرات الممنوحة للجزائريين عام 2019 لوقف تدفق الهجرة غير النظامية ولي ذراع الحكومات المغاربية من أجل الرضوخ إلى إرادة فرنسا بترحيل المهاجرين ونتيجة ذلك اصبح نصف المغاربة محرومون من تأشيرة فرنسا

من المفيد هنا ان نفهم بان الحكومة التي يديرها حزب ماكرون ( الجمهورية إلى الأمام ) طالبت بقضية متوافق عليها من قبل جميع الأطراف وحتى لدى اليمين التقليدي والمتطرف وهو ما سيستخدم في الحملة الانتخابية للرئيس الحالي وان اقتراب موعد الانتخابات هو ما دفع الحكومة بسرعة إلى اتخاذ هذا القرار وان إعلان خفض التأشيرات جاء في اليوم الذي عرضت فيه المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة مارين لوبن مسودة مشروعها لاستفتاء على الهجرة وهو ما يعتبر أسلوبا انتخابيا صرف لكسب المزيد من الأصوات على عكس ما قام به ماكرون والحكومة

ورغم صوابية القرار من الناحية السيادية والادارية والتنظيمية ورغم عدم اعلان ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية بعد الا ان كل هذا في الواقع لا ينفي بأنه يدخل في إطار الاستعراض الانتخابي للرئيس ماكرون وضمن محاولاته الحثيثة لاستمالة الرأي العام وجلب أصوات اليمين المتطرف عبر هذه القرارات بعدما اصبح في الأيام الأخيرة يلعب بورقة الهجرة ويلح على أنها خطر يجب مواجهته

هذا القرار بكل تأكيد ليس وليد الصدفة والدليل هو ان ظروف استقبال المهاجرين غير الشرعيين المهينة خلال السنوات العشر الأخيرة اصبحت قاسية وغير انسانية حيث يفترش معظمهم الشوارع أو يعيشون في مخيمات مزرية وفرنسا تريد بذلك تمرير رسالة للمهاجرين ومن ورائهم مفادها أن فرنسا لم تعد أرض استقبال مريحة للمهاجرين وطالبي اللجوء سوف ينتظرهم واقع أسود عبر سن أنظمة جديدة تحارب وجودهم وتضرب عرض الحائط بكل القوانين التي تم التصويت عليها خلال السنوات الماضية والتي كانت تدعمهم وتصب في مصلحتهم

ويرى بعض المطلعين ان القرار جاء بصورة انتقامية وتصعيدية لمحاولة الضغط على الجزائر بكل الوسائل بالنظر لما خسرته باريس من صفقات اقتصادية بسبب مغادرة الجزائر العديدة من الشركات الفرنسية بعد خسارتها لصفقات تجارية كبيرة

الامور بين فرنسا والدول المغاربية لا تحتاج الى مزيد من التوتر والاحتقان والشحن العدائي واثارة مشاعر الكراهية المتبادلة فالعلاقات بين باريس والرباط طغت عليها قضية بيغاسوس وهو اسم ( برنامج التجسس الذي صممته شركة أن اس أو غروب الإسرائيلية ) والذي اتهم المغرب باستخدامه ضد فرنسا وهو ما نفته المغرب مما أدى إلى تسجيل العديد من الدعاوى القانونية لا سيما في فرنسا

كما في ذات الوقت تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية حالة من التوتر الشديد منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم على خلفية ملف الذاكرة والجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 – 1962 ) وقد زاد الاستعداء والتعقيد بعد تصريحات الرئيس ماكرون الاستفزازية الاخيرة حول الرئيس الجزائري تبون حين قال ( أرى أنه عالق داخل نظام صعب للغاية ) ( تبون محاصر داخل النظام العسكري )

اضافة الى ما قاله ماكرون بخصوص الماضي التاريخي لفرنسا في الجزائر وبأنه يرغب في إعادة كتابة التاريخ الجزائري باللغتين العربية والأمازيغية لكشف تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك الذين يعيدون كتابة التاريخ اليوم كما تساءل ماكرون بسخرية هل ( كانت هناك أمة جزائرية ) قبل الاستعمار الفرنسي وهو ما دفع الجزائر الى استدعاء سفيرها في فرنسا للتشاور وفي قرار لاحق اغلقت الاجواء الجزائرية امام الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل إطار ( عملية برخان ) وبدأت بحملة اعلامية جارحة ضد فرنسا ورئيسها

كأن ماكرون لم يكفيه ما اصابه وبلاده من خيبات ونكسات وهزائم في الداخل والخارج في جملة من الازمات المتلاحقة بحيث اصبح يمسي على ازمة ويصبح على اخرى سواء في افريقيا وليبيا ولبنان وانسحابه المفاجئ من مالي اضافة الى صفعة الغواصات وما يتبع ذلك من تضارب في ادارة الية التحالفات الدولية والضعف الدبلوماسي في علاقاته مع بعض الدول حول مصالح فرنسا في المحيطين الهندي والهادي ومالي والساحل الافريقي ومشكلته الاخيرة مع امريكا واستراليا والذي كان بمثابة ناقوس الخطر لفرنسا

السؤال الاخير المطروح بهذا الصدد الم يحن الوقت بعد لهذه الدول العربية المغاربية ان تمارس سيادتها على اراضيها وان تدافع عن حقوق مواطنيها بتفعيل سياسة المعاملة بالمثل أي فرض شرط الحصول على الفيزا لكل الفرنسيين القادمين اليها وعدم تركهم يسرحوا ويمرحوا انى شاءوا بدون ربطهم بتحديد الإقامة فقد اصبح الامر خطير وسلبيا على كرامة ومكانة وسمعة المواطنين المغاربة

mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.