الإعدامات الميدانية بين مقتضيات الأمن وواجب العدالة: قراءة قانونية وسياسية

محامي محمد صدقي الغرايبة
=
في الأيام الأخيرة، أثارت مشاهد الإعدامات التي نفذتها المقاومة بحق عدد من العملاء أمام وسائل الإعلام جدلاً واسعًا بين مؤيد يرى فيها ردعًا مشروعًا، ومعارض يعدّها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
ولأن المسألة تتجاوز العاطفة والانحياز السياسي، لا بد من قراءتها بعين القانون والتحليل السياسي معًا.
أولًا: البعد القانوني
من منظور القانون الدولي الإنساني والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإن الحق في المحاكمة العادلة حق مقدس لا يسقط حتى في أوقات الحرب.
تنص المادة (14) من العهد على أن “كل متهم بجريمة له الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مستقلة ومحايدة”. كما تحظر اتفاقيات جنيف تنفيذ أي حكم بالإعدام دون محاكمة تضمن حق الدفاع وحق الاستئناف.
وبناءً على ذلك، فإن أي عملية إعدام تُنفذ خارج نطاق القضاء، وخصوصًا الاعدامات العلنية وأمام الكاميرات، تعد من الناحية القانونية جريمة إعدام خارج القضاء أو انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، حتى لو كان الضحايا متورطين فعلاً في التعاون مع العدو.
القانون لا يُجيز الانتقام، بل يفرض العدالة الإجرائية كشرط لتحقيق الإنصاف.
ثانيًا: المنظور السياسي:
من الناحية السياسية والواقعية، لا يمكن تجاهل الظروف الاستثنائية التي تعيشها المقاومة تحت العدوان والحصار.
فهي ترى نفسها سلطة فعلية مسؤولة عن أمنها الداخلي وعن حماية شعبها من “الاختراقات الأمنية”، وتعتبر العملاء خطرًا وجوديًا يهدد المقاتلين والمدنيين على حد سواء سيما إذا كان هذا العميل قد تعاون فعليا من العدو في وقت الحرب .
في هذا السياق، تُنفذ بعض الفصائل مثل هذه الإعدامات العلنية كرسالة ردع لمن يفكر بالتعاون مع العدو، وكبيان على سيطرتها الأمنية وبسط هيبتها داخل المناطق التي تخضع لسيطرتها .
إلا أن هذه الخطوات،و رغم أثرها التكتيكي الفوري إلا أنها قد تضعف شرعية المقاومة دوليًا، وتمنح خصومها ذريعة كبرى لتشويه صورتها والتشكيك في التزامها بالقانون الدولي الإنساني .
ثالثًا: المنظور الأخلاقي والإنساني
اما لو نظرنا إلى ما جرى من زاوية اخلاقية ومن منظور الضمير الإنساني فلا يمكن تبرير الإعدامات العلنية وامام ااكاميرات بالمطلق حتى وإن وُجدت دوافع أمنية.
فالعدالة وفقا لقواعد الأخلاق الدولية وبقواعد حقوق الانسان التي تغيب وتحضر حسب قوة الدعم الدولي – لا تتحقق بالانتقام، ولا بالعرض العلني للعقوبة، بل بإرساء مبدأ أن الإنسان — أيًا كان جرمه — له حق في الدفاع وفي سماع صوته.
الإعدامات العلنية تُعمّق في اي دولة مهما كانت دوافعها قد يتمخض عنها الانقسام الداخلي كونها تزرع الخوف بدل الثقة، وقد تترك آثارًا نفسية واجتماعية يصعب محوها بعد انتهاء الأزمة .
ما جرى على الارض، وإن كان نابعًا من ظروف أمنية استثنائية، لا يمكن تبريره قانونيًا، لكنه قابل للفهم سياسيًا .
فالفرق كبير بين “التفهم” و”التبرير”.
من مصلحة أي حركة تحرر أن تحافظ على رصيدها الأخلاقي والقانوني، لأن شرعيتها لا تُبنى على القوة العسكرية فقط، بل على احترامها لمبادئ العدالة حتى في أحلك الظروف.
هذا تحليل من واقع قانوني وسياسي وانساني وليس رأي شخصي فربما اكون قد أصبت وربما أكون قد اخطأت والله من وراء القصد .
المحامي
محمد صدقي الغرايبه