الاحتلال الصهيوني لا يفهم إلا لغة الرصاص


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم //  مهدي مبارك عبد الله

قال الله تعالى في سورة البقرة ( وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) وقال خالد ابن الوليد رضي الله عنه ( الأمة التي يتسابق أهلها للجهاد لن تذق طعم الهزيمة أبدا )

في عملية نوعية ومتقدمة نفذها صباح يوم الأحد 21/11/2021 المجاهد البطل الشيخ فادي محمود أبو شخيدم في عمق مدينة القدس المحتلة قرب أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة ( باب السلسلة ) خاض فيها اشتباك مسلح أدى إلى مقتل المستوطن الاسرائيلي الياهو كي 26 عاما وهو مهاجر جديد من جنوب افريقيا كان يعمل مرشدا في حائط المبكى

اضافة الى إصابة ثلاثة آخرين بينهم الحاخام ( أهارون يهودا بن طوفا ) الذي اصيب بجراح خطيرة وقد واصل الشهيد أبو شخيدم اشتباكه مع قوة من حرس الحدود الإسرائيلية وأصاب اثنين منهم إلى أن استشهد خلال الاشتباك بعد استهدافه من قبل مجندتين تواجدتا في نفس المكان

العملية البطولية كانت كحد السيف لقاطع في ردها الطبيعي على تصاعد إرهاب جنود الاحتلال ومستوطنيه وجرائمه المتمادية وامعانه في العدوان وسياسات الهدم والتهجير التي طالت أهل القدس وهي دليل متجدد على قوة وديمومة وحيوية الروح النضالية والثورية وتمسك الشعب الفلسطيني بالمقاومة كنهج قادر على ردع الاحتلال وكسر عنجهيته حتى تحرير الأرض والمقدسات كما كان في توقيتها رسالة تحذير واضحة للعدو المجرم وحكومته المتغطرسة بضرورة وقف الاعتِداءات والعمليات الإرهابية بحق ابناء الشعب الفلسطيني من قتل واعتقال وتدمير للبيوت وتجريف للمزروعات والا سيدفع الثمن غاليا وان جرائمه لن تبقى دون رادع وأن سيف القدس لا يزال مشرعا بيد المجاهدين

الهجوم المباغت والجريء أذهل دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية وجندل قواتها بعدما أوقع فيهم قتلى وجرحى وهو ما سيجعلها بلا شك تغير كافة القواعد الأمنية التي كانت تعتمدها لضبط عمليات المقاومة خاصة وانه جاء بعد ستة أشهر من الحرب الأخيرة ( سيف القدس ) وبعد ثلاثة أيام فقط من عملية طعن لشرطيين جندي ومجندة في قوات حرس الحدود في شارع حجاي قرب مدرسة عطروت هكوناهيم في البلدة القديمة بالقدس حيث استشهد خلالها المنفذ برصاص شرطة الاحتلال وكذلك بعد اربعة أيام من تصريحات برتي باتيل وزيرة الداخلية البريطانيّة باعتبار حماس حركة إرهابية وهو القرار الاستعماري الذي يهدف إلى تكريس الاحتلال والتنصل من حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية التي كانت لندن السبب المباشر في ضياعها

لقد تجسدت في العملية كل معاني القوة والتحدي المباشر للعدو الصهيوني الذي لا زال عاجزا عن ردع الثوار الفلسطينيين عن التصدي والمقاومة والاستشهاد وامكانية وصولهم الى جنوده من نقطة الصفر دون وجود أي إنذارات تحذيرية وقائية او معلومات استخبارية مع تزايد حالة الرعب والقلق لدى المؤسسة الأمنية الصهيونية من احتمالية وجود هجمات اخرى قريبة قد تكون أكثر خطورة من هذه العملية بعد هذا الفشل الذريع لتكون مقدمة لعمليات مماثلة بعد اظهار الانحِياز الغربي العلني للحِصار والعدوان الصهيوني ووضع حركة حماس على قائمة الإرهاب

القدس المحتلة وضواحيها شهدت طوال الشهور الماضية وسائل مقاومة مختلفة للاحتلال كان أبرزها عمليات الطعن والدهس لكن الاشتباك المسلح من نقطة الصفر نوع جديد يعيد ذاكرتنا لسنوات طويلة حين تغيرت وسائل المواجهة بأكملها مع دولة الاحتلال من خلال تصعيد العمل المقاوم ضد جنود الاحتلال في كافة أماكن التماس

ليعلم العدو الصهيوني ان القدس المحتلة بخصوصيتها ستظل تقاتل بسواعد ابطالها المناضلين حتى طرد المحتل وعلى كل من يمتلك السلاح الانتفاض في وجه الاحتلال وتحويل نهاره وليله الى جحيم ونارا تحرق جنوده وقطعان مستوطنيه بعدما تغولوا ضد أهل القدس وسلوان والشيخ جراح والضفة الغربية وغيرها مع ضرورة الايمان المطلق بان خيار المقاومة الشاملة بكافة أشكالها وعلى رأسها ( المقاومة المسلحة ) هو القادر على لجم الصهاينة ووقف عدوانهم والتصدي لمحاولاتهم المستمرة في تدنيس ساحات المسجد الأقصى

الشهيد أبو شخيدم 42 عام الذي بدد بفدائيته صمتاً طال على جرائم الاحتلال ومستوطنيه هو أسير محرر سابق من سجون الاحتلال حاصل على ماجستير في الشريعة الإسلامية يعمل مربيا ومدرسا للتربية الإسلامية واللغة العربية في مدرسة الراشيدية بالقدس ويعتبر من رواد وشيوخ المسجد الأقصى المبارك وأحد أعلام المرابطين في ساحاته كما عمل خطيبًا لعدد من المساجد في مدينة القدس إضافة لكونه أحد وجهاء وأعلام وقادة حركة حماس في مخيم شعفاط وقد تنكر خلال العملية بزي مستوطن يهودي من ( طائفة الحريديم ) واستخدم سلاح اتوماتيكي حديث من طراز ( برتا M112) وليس كما اشيع انه نسخة من رشاش نوع ( كارلو غوستاف) البدائي والمصنع محليا

بعض المصادر الاعلامية العبرية ذكرت ان عملية اطلاق النار نفذها شابين أحدهما أطلق النار على مستوطنين وقوات من حرس الحدود والآخر حاول طعن بعض أفراد الشرطة الإسرائيلية بعد إصابتهما لكنه لم يتمكن وفر من المكان

عقب العملية عززت شرطة حرس الحدود الاسرائيلية قواتها ورفعت من حالة التأهب في القدس من منطلق مخاوفها من قيام مهاجمين بتقليد منفذ عملية اطلاق النار خاصةً وأنها وقعت في محيط المسجد الأقصى ( المحور الرئيسي الذي قد يؤدي إلى اشتعال الأوضاع ) وهو ما يثير المشاعر الدينية والوطنية لدى الفلسطينيين ولهذا اخذت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعين الاعتبار امكانية تدهور الوضع إلى موجة من العمليات الفردية الخاطفة وسعي مزيد من الشباب المحتقن للسير على خطى منفذ العملية وتأثير ذلك على ساحة الضفة الغربية ناهيك عن صعوبة إحباط الهجمات بالقدس بسبب أن المنفذين يحملون ( الهوية الزرقاء ) التي تمكنهم من التنقل بحرية في كافة الاماكن

حقيقة لا يمكن وصف السعادة الغامرة التي اجتاحت جميع بيوت الفلسطينيين بعد هذه العملية البطولية باستثناء من ربطوا مصيرهم بوجود المحتل على أرض فلسطين والسبب الكامن وراء تلك السعادة هو أن الشيخ فادي خطط جيداً لنجاح هذه العملية من حيث عدم ترك أفراد عائلته للمحتلين وايهام المحتلين بنيته مغادرة البلاد ثم التخفي بارتدائه زي يشبه ملابس المستوطنين قبل استخدامه سلاحه القاتل لإيقاع الأذى في المحتلين من قتلى ومصابين ولم تكن خاتمة قتله دون إيلامٍ عدوه

نتائج وارتدادات وتداعيات هذه العملية البطولية ستكون أشد على المحتلين في المستقبل كون الشيخ المنفذ لم يكتفِ بحث الناس على ضرورة الصدام ومواجهة المحتلين الظالمين بالكلمة وإنما مارس ذلك عمليا بالرصاص ولم يقبل أن يكون قائداً خطيباً فقط بل أراد أن يرسم معالم الطريق للشباب الثائر بدمه الطاهر وروحه الزكية

وفق أبلغ دروس التربية والقدوة الحسنة حينما يخترق القائد الصفوف نحو المقدمة حتى إذا ما شاهده جنوده ثارت فيهم الحمية ومضوا على ذات الطريق التي مضى عليه بعدما شاهد بأم عينيه كيف تنتهك أسس العقيدةٍ وتدنس المقدساتٍ ويهان المسلمين فيها وفي محيطها حيث لا تنفع المواعظ والخطبٍ مع قتلة الأنبياء والمرسلين ولا بد من التعامل باللغة التي يفهمها هؤلاء المحتلون الغاصبون التي تنطلق عبر فوهة البنادق فما فرضه المحتلون المجرمون بقوة البندقية لا يمكن إفشاله او الرد عليه إلا بفعلٍ مثله أو أكثر شدة وضرارة خاصة وان الاحتلال لا يتأخر ولا يتردد يوميا في قتل الفلسطينيين فلماذا هم يتأخرون عن قتل جنود ومستوطنوا عدوهم غاصب حياتهم وارضهم

لقد حاولت اسرائيل على مدى سنوات احتلالها الطويلة للأرض الفلسطينية وبشتى الوسائل خلق جيل من الشباب الفلسطيني الذي لا يعرف إلا نزواته ومصالحة الخاصة باللهو والعبث ولا يهتم بالشأن الوطني والقومي ( متحلل من نخوته ومروءته ) وغير متسمك بتعاليم دينه الإسلامي ومن غير أهداف سامية تعزز علاقته بأرضه وقضيته فإذا بالمقاومة الفلسطينية تخرج عليهم من فوق وتحت الأرض لترسم معالم الطريق للأجيال ولتعيد للشباب الفلسطيني ثقته بنفسه وبقدراته وتزرع فيهم روحه الجهاد و الإيمان بالحق الذي لا يضيع طالما حمل صاحبة السلاح وقاتل عدوه بصلابة وعنفوان

ولهذا فأننا نتوجه بعد هذه الملحمة العظيمة بنداء لأحرار وشرفاء الامة في فلسطين والعالم بان يعلموا أولادهم حب الوطن ومقاومة الاحتلال مهما كان سلاحهم وضيعا وقدراتهم ضعيفة فهذا العدو لا يفهم إلا لغة الرصاص ولا يخشى إلا ضربات المقاومين الذين سجلوا أعظم الانتصارات والبطولات في ساحات الوغى ولم يفرطوا بالحقوق والثوابت الفلسطينية والسعي الحثيث لتحرير القدس والأقصى والأسرى

كما نقول في ذات الوقت لكل فلسطيني لا زال يعلق آمالا على وهم السلام إن هذا الوهم و الزيف قد تبدد ولم يبق لكم إلا المقاومة كـ ( خط سياسي وعسكري وحيد ) ينبغي الاجماع عليه بعد أن سقط القناع الأمريكي – الاوروبي وكشر الذئاب عن أنيابهم تمهيداً لغرزها في جسد القضية الفلسطينية المنهك بالجراح والخيانة وان تعلموا بان هذا العدو الظالم لا يفهم إلا لغة الرصاص والقوة والعمليات الفدائية وان سلاح المقاومة هو السبيل الوحيد لتحرير كامل الأرض التي استولى عليها بالقوة وما ( أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) ولكم في ثورات الشعوب الف عبرة

اخيرا ان إسرائيل التي قامت على عقلية الجبروت والسطوة العسكرية ولا تجيد إلا لغة المَدافع والصواريخ والقنابل والرصاص ولا يمكن الرد عليها إلا بنفس اللغة والمنهج حتى لو لم يكن هناك تكافؤ في الموازين والقوى وعلى جميع الفلسطينيين التكاتف في حالة مقاومة شعبية شاملة ضد الاحتلال ونظام التمييز العنصري الصهيوني الذي ارتكب ولا يزال الجرائم النكراء ضد المواطنين العزل في الضفة الغربية والقدس بعدما قام قبل ذلك بإحراق المدنيين الأبرياء وهم أحياء في حروبه المتواصلة على قطاع عزة المحاصر واستخدم الأسلحة المحرمة دولياً ومنها قنابل الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية في وحشية اجرامية لم يشهد مثلها التاريخ مما يستدعي من المنظمات الحقوقية العالمية والمجتمع الدولي التدخل لحماية الفلسطينيين الأبرياء

رحم الله شهيد القدس الشيخ المجاهد فادي ابو شخيدم الذي لم ينتظر استجابة الناس لدعوة خطبه بمواجهة الظالمين حيث مضى يسبقهم ممتشقا سلاحه في صباحٍ ثوري أشرقت شمسُ القدس فيه فانعكس الشعاع من سلاحه ليلامس قبة الصخرة المشرفة وينطلق بعدها إلى أبصار كل المسلمين الحالمين بسجدة في رحاب المسجد الأقصى المبارك بعد تحريره وتطهيره من دنس الغاصبين الصهاينة ان نصر الله ات لا ريب فيه

mahdimubarak@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.