الارباك الليلي في غزة جرس الانذار قبل الانفجار


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم /  مهدي مبارك عبد الله

الإرباك الليلي هي مسيرات ليلية تنظمها مجموعات شبابية فلسطينية قرب حدود غزة مع إسرائيل تستخدم خلاها القنابل الصوتية و الإطارات المشتعلة وتبث الاغاني وتقام حلقات الدبكة الفلكلورية وترديد الأهازيج الوطنية والثورية بصوت مرتفع ومزعج عبر مكبرات صوت ضخمة ( ليس ذلك مزحةً أو فيه مبالغة في التوصيف ) بعدما اصبحت الأغاني الوطنية سلاحاً فتاكاً يستغل نقطة ضعف جنود الاحتلال ويرهق اعصابهم وقدرات احتمالهم

مع حلول ساعات الليل الأولى يبدأ الشبان والفتية بقرع الطبول واطلاق الألعاب الناريةً ورمي الحجارة والزجاجات الحارقة باتجاه الجنود المحتمين في غرف محصنة كما يسلطون أشعة الليزر صوب اعينهم لإرباكهم والتأثير على رؤيتهم فضلا عن عمليات اخرى لقص السلك الفاصل وتطيير البالونات الحارقة التي تحمل موادً مشتعلة لحرق حقول ومحاصيل الصهاينة وكذلك اطلاق قنابل تحمل مواد وروائح سامة فوق الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنين بهدف تسميمها كما تفعل إسرائيل مع الغزيين في حقولهم ومزارعهم

والبعض يلقى عدة قنابل يدوية صوت ومفرقعات مصنوعة من مواد بدائية وهم يرتدون الاقنعة الواقية لحمايتهم من استنشاق ابخرة الدخان والغاز المسيل للدموع الذي تطلقه القوات الإسرائيلية وكل ذلك بهدف إزعاج جيش الاحتلال وسكان المستوطنات المتاخمة للحدود احتجاجا على استمرار الحصار على قطاع غزة منذ 15عام حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في بقعة جغرافية ضيقة ومكتظة اضافة الى العديد من المطالب الأخرى لتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها عام 1948وكذلك لتحقيق عيشهم بحرية وكرامة

وحدات الإرباك الليلي تمارس بشكل منظم مجموعة اساليب نوعية للمقاومة الجديدة باعتبارها اسلحة فعالة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين لإجبارهم على هجر المستوطنات ابتدعها شباب غزة لتضاف الى عدة وحدات سابقة وأهمها ( وحدة الكوشوك ) ووحدة ( الطائرات والبالونات الحارقة ) ووحدة ( قصّ السلك ) ووحدة ( الدعم والمساندة ) وغيرها من الوحدات والأساليب المبتكرة التي اصبحت تمثل مشكلةً حقيقيةً لقوات الاحتلال يعجز عن مواجهتها

هذه التجمعات تضم المئات من الشبان والفتية مهمتهم خلق أجواء القلق والخوف والإزعاج للمئات من سكان المستوطنات وجنود الاحتلال المتمركزين على الحدود القريبة من غزة والذين يراقبون الحدود من فوق أبراج عسكرية عالية ومن خلف التلال والسواتر الرملية على طول الحدود مع القطاع وهوما دفع القادة الاسرائيليين بعد تصاعد الفعاليات وزيادة تأثيرها بالتهديد بشن عملية عسكرية انتقامية على غزة في الوقت الذي ترى فيه حركة حماس هذه التصريحات مجرد محاولات إعلامية لإظهار البطولة والقدرة أمام الشعب الإسرائيلي بعد هزيمة معركة القدس

مجموع الأنشطة والفعاليات والاحتجاجات والمظاهرات غير العسكرية والتي تهدف الى الضغط على إسرائيل لرفع حصارها عن القطاع واعادة الاعمار تلقى الدعم والتوجيه من كافة فصائل المقاومة في غزة والتي أعطت الضوء للمتظاهرين بتنظيم مسيرات الإرباك الليلية ردا على القيود الاقتصادية الإسرائيلية التي تفرضها إسرائيل على القطاع للضغط على حماس للإفراج عن عدد من الجنود الإسرائيليين الرهائن وتسليم رفات جنود آخرين مقابل ذلك تخطيط المقاومة لزيادة تلك الفعاليات في قادم الأيام في حال لم يلمس سكان غزة أي تحسينات جدية على حياتهم بما في ذلك إقرار آلية الإعمار وبما فيه تحويل مستوطنات الغلاف لمنطقة غير قابلة للحياة وجعل المستوطنين والجنود لا يذوقون طعم النوم وقلب حياتهم الى جحيم لا يطاق طوال ساعات الليل وهم يشعرون بالإرباك والخوف بلا سكينة ولا أمان

وحدة ( وعد التحرير ) التي اكتسبت خبرة طويلة بعد سنوات من العمل منذ انطلاق مسيرات العودة عام 2018 هي من يشرف على تنظيم المتظاهرين المشاركين في الفعاليات والاحتجاجات تحت قيادة ( غرفة العمليات المشتركة ) التي تسير أعمالها بناءً على توافقات بين قادة فصائل المقاومة العسكرية والسياسية في غزة حول استخدام كافة الوسائل الشعبية للضغط على إسرائيل للتعبير عن مدى الظلم الذي يلحق بأبناء غزة حيث ينظم المتظاهرون هذه الفعاليات والأنشطة في آنٍ واحد كل ليلة في محافظات القطاع الخمس وذلك لخلق حالة من الهلع والخوف لدى جميع الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من حدود غزة وكذلك لتشتيت قوات الاحتلال جغرافيا في تلك المساحات الواسعة والمتوترة بحيث يصعب عليهم التصدي والمواجهة

وحدات الإرباك الليلي هي عمل منظم وبداية لمرحلة متطورة من الاحتجاجات والمسيرات الشعبية السلمية المتواصلة في غزة ومعظم الفعاليات تبدأ في العادة بإشعال الإطارات وإلقاء القنابل الصوتية المحلية الصنع باتجاه القوات الإسرائيلية وهو ما أجبر حكومة الاحتلال على إصدار عدة قرارات لتعزيز ومضاعفة قواتها على حدود غزة وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر إنجازاً واضح للمقاومة حيث نجح فعليا شباب غزة في استنزاف قوات الاحتلال على الحدود طوال الوقت

يلحظ المتابع ان التوترات ازدادت حدة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة بسبب التقدم البطيء في المحادثات المتعلقة بإعادة إعمار قطاع غزة برعاية مصرية بعد العدوان الاخير على غزة حيث يعتبر المنتفضون بان معركة سيف القدس لا تزال مستمرة وانهم سيواصلون نضالَهم المشروع حتى استعادة جميع حقوقهم المغتصبة وستقوم المقاومة بحمايتهم والرد على أي عمل أحمق قد يرتكب ضد الشباب الموجودين على طول الحدود قد يعرضهم للأذى
مطالب المتظاهرين تتلخص في رفع الحصار والظلم عن ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال بناء ميناء بحري يخدم حياتهم دون قيد أو شرط والسماح بوصول المساعدات القطرية كما كان الحال قبل اشتباكات مايو الماضي بالإضافة إلى توسيع نطاق الصيد إلى أكثر من 12 – 15 ميل

كذلك إعادة بناء ما دمره العدو الإسرائيلي خلال المعارك الأخيرة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون أي تدخل اسرائيلي حيث تضغط حركة حماس عبر الاحتجاجات للحصول على المزيد من التنازلات والتسهيلات الإسرائيلية ورفع القيود الإضافية التي فرضتها على غزة وإعادة فتح معبر كرم أبو سالم التجاري بشكل كامل لإدخال المعدات ومواد البناء والبضائع وزيادة حصة المياه العذبة لقطاع غزة بكمية 5 ملايين متر مكعب وانه مازال في جعبة حماس كثير من الأدوات التي تستطيع بها قلب الطاولة على راس الاحتلال

جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه صعوبة في مواجهة التظاهرات الليلية ويتعامل بقوة مفرطة مع الأنشطة التي تنفذها و( حدة الإرباك الليلي ) بغزة حيث يبدأ بإطلاق القنابل المضيئة في السماء لإنارة الطريق للقنَّاصة الإسرائيليين وبعد تحديدهم الأهداف بين المتظاهرين يعمد القناصة الى القاء قنابل الغاز المسيل للدموع واستهداف المشاركين بالذخيرة المطاطية والحية ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء وإصابة آلاف آخرون

وبشكل مميت في مسيرات العودة منذ 30 آذار 2018 و غالبا ما يرد الجيش الاسرائيلي على البالونات الحارقة القادمة من غزة بسلسلة غارات جوية على القطاع كان أخرها استهداف موقع عسكري لحماس في خان يونس واكثر ما يخشى منه الاحتلال هو عمليات التسلّل الجماعي التي قد تحدث تحت غطاء التظاهرات الليلية بهدف الوصول للمستوطنات المحاذية للقطاع وتنفيذ عمليات خطف لجنود او مستوطنين

اخيرا اظهرت نتائج المواجهات الليلية بانها ستبقى كبيرة وخطيرة وثقيلة على جيش الاحتلال سيضطر معها لإبقاء عيون جنوده مفتوحة دائماً وتقلص ساعات راحتهم والدفع بقوات إضافية لمراقبة الى الشريط الحدودي للتعامل مع أي حدث أمني طارئ بعدما تمكنت وحدات الإرباك الليلي في أن تبقي الاحتلال داخل دوامة كبيرة لا يبدو في الافق القريب نهاية لها بدون تحقيق المطالب الشرعية للفلسطينيين
mahdimubarak@gmail.com

شكرا لكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.