الباشَواتُ يَتَصَدَّرونَ المَشهَدَ، هل من رَسائِلَ تُريدُ الدَّولةُ أن تُوصِلَها؟!


منذر محمد الزغول

=

عَوَّدَتنا الدَّولةُ الأردنيَّةُ أن تَخرُجَ علينا في كثيرٍ من الأوقاتِ والأحيانِ بقَراراتٍ قد تَكونُ في ظاهِرِها صارِمَةً وجادَّةً، لكن قد تَحمِلُ في طيَّاتِها الكثيرَ من الرَّسائلِ، وقد يكونُ في هذهِ القَراراتِ العِلاجُ والبَلسَمُ وتَصحيحُ المَسارِ بعد أن تكونَ الأمورُ قدِ اتَّخَذَت مَنحَنَياتٍ أُخرى لم تَكُن تَدورُ بخلَدِ أصحابِ القَرارِ والمُراقِبينَ للمَشهَدِ.

حَقيقةً، مَرَّت الدَّولةُ الأردنيَّةُ بكثيرٍ من الأزماتِ والتَّحدياتِ عبرَ تاريخِها، وبِحَمدِ اللهِ تعالى كانت تَخرُجُ من كلِّ ذلكَ أقوى مِمَّا كانت، بِفَضلِ بعضِ القَراراتِ الحازِمةِ التي كانت تتخذها  في الوقتِ والزَّمانِ المُناسِبَينِ.

قد يكونُ حَلُّ المجالِسِ البَلديَّةِ ومَجالِسِ المُحافَظاتِ قبلَ وقتِها المُحَدَّدِ بفترةٍ طويلةٍ، فيهِ كثيرٌ من السَّلبياتِ والغُبنِ الذي لم نكن نُحِبُّ أن تَصِلَ لهُ الدَّولةُ أو يَصِلَ لهُ مَن جاءَ بانتِخاباتٍ ديمقراطيَّةٍ نَزيهَةٍ، لكنَّني في هذا المَقالِ لن أَخوضَ في تَبِعاتِ هذا القَرارِ الجائِرِ، بل سأُحاوِلُ تَسليطَ الضَّوءِ على الرَّسائلِ التي تُريدُ الدَّولةُ أن تُوصِلَها من خلالِ تَعيينِ قادةٍ كِبارٍ كانوا يَعملونَ في جَيشِنا العَربيِّ الباسِلِ، ووَصَلَ العديدُ منهم إلى مَناصِبَ حَسَّاسَةٍ وكَبيرَةٍ في الجَيشِ، وكانَ لهُم بالطَّبعِ صَولاتٌ وجَولاتٌ في مَيادينِ الشَّرفِ والرُّجولةِ، ومِنهُم الكثيرُ أيضاً مِن تَرَكَ وراءَهُ في الجَيشِ إرثا كبيرا سِجِلًّا حافِلًا من العَملِ والإنجازِ في خِدمةِ الجَيشِ والوَطنِ.

أُولى هذهِ الرَّسائلِ التي أَتوقَّعُ أنَّ الدَّولةَ تُريدُ إيصالَها، أنَّ الأُردنَّ يَزخَرُ بوجودِ قادةٍ كِبارٍ على دَرَجةٍ عاليةٍ من الخِبرةِ والكَفاءَةِ، وهُم رَهنُ إشارةِ الوَطنِ وجاهِزونَ للعَودةِ لخِدمةِ الوَطنِ في أيِّ زمانٍ ومَكانٍ، لذلكَ عندما انحَرَفَت البُوصَلَةُ في كثيرٍ من المَواقِعِ، وخاصَّةً فيما يَتعلَّقُ الأمرُ بِوزارةِ الإدارةِ المَحليَّةِ وبلديَّاتِها المُنتَشِرَةِ في كافَّةِ مُحافَظاتِ المملكةِ، تَمَّ الاستِعانَةُ بضباط الجيش الكبار لتَصحيحِ المَسارِ، وهُم بالفعلِ قادِرونَ على ذلك، رغمَ أنَّ خِبراتِهم العَمليَّةِ في الحياةِ المدنيَّةِ قد تكونُ غيرَ كافِيَةٍ، لكن بالطَّبعِ التَّأهيلَ والتَّدريبَ الذي اكتَسَبَهُ ضُبّاطُ الجَيشِ الكِبارُ داخِلَ وخارِجَ الأُردنِّ، يَسمَحُ لهم بتَولِّي أيِّ مَنصِبٍ مَهما كانَ.

من الرَّسائلِ الأُخرى التي أظُنُّ أنَّ الدَّولةَ تُريدُ إيصالَها أيضاً، أنَّ الدَّولةَ ستَبقى قويَّةً، وهي كذلكَ. فَعِندَما تَعهَدُ الدَّولةُ إلى باَشَواتِ الجَيشِ بتَولِّي المَناصِبِ المدنيَّةِ، وخاصَّةً البَلديَّاتِ وغَيرِها، فَهي رِسالَةٌ هامَّةٌ جِدًّا بأن يَكونَ على رأسِ الهَرمِ الوَظيفيِّ في هذهِ المَناصِبِ رِجالٌ أَشدَّاءُ لا تَأخُذُهُم في الحَقِّ لَومَةُ لائِمٍ، ليَتَمكَّنَ الوَطنُ من مُواصَلَةِ مَسيرَتِهِ بكُلِّ قُوَّةٍ وعَزيمَةٍ.

أمَّا الرِّسالَةُ الأهمُّ التي أَتَوقَّعُ أنَّ الدَّولةَ تُريدُ أن تُوصِلَها، فهي لِكُلِّ شَخصٍ مُنتَخَبٍ، بأن يتقٍ الله وأن  لا يَذهَبَ بَعيداً في استِغلالِ مَنصِبِهِ، فهَذا المَنصِبُ لم يَرِثْهُ عن الآباءِ والأجدادِ كي يَتَصَرَّفَ فيهِ كَيفَما يَشاءُ، وهذا المَنصِبُ بالطَّبعِ ليسَ مِلكاً لِهذا الشَّخصِ المُنتَخَبِ، بل هو مُؤتَمَنٌ عليهِ. وهُنا تَتَجَلَّى العَقيدَةُ العَسكريَّةُ، فَقَلَّما نَسمَعُ عن أَشخاصٍ عَمِلوا في الجَيشِ، وخاصَّةً مِمَّن وَصَلوا إلى رُتَبٍ ومَناصِبَ عُليا ، استَغَلُّوا مَناصِبَهم وسَخَّروها لِخِدمَتِهم وخِدمَةِ الأصدقاءِ والأقارِبِ. لِذلِكَ قد يَتمكَّنُ باَشَواتُ الجَيشِ من التَّغييرِ كثيراً في المَناصِبِ المدنيَّةِ، ويُؤَسِّسوا لِمَرحَلَةٍ جَديدةٍ، عُنوانُها الأَمانَةُ والنَّزاهَةُ والرُّجولَةُ في اتِّخاذِ القَراراتِ التي تَصُبُّ في صالِحِ الوَطنِ والمُواطِنِ.

على كُلٍّ، هذهِ قِراءَةٌ سَريعةٌ في الرَّسائلِ التي تُريدُ أن تُوصِلَها الدَّولةُ بالاستِعانَةِ ببَشَاواتِ الجَيشِ لإدارةِ الكثيرِ من بلديَّاتِ المملكةِ، مُتَمَنِّيًا على الدَّولةِ أن تَتَّخِذَ هكذا قَراراتٍ بتَعيينِ ضُبّاطِ الجَيشِ والأجهزةِ الأمنيَّةِ الكِبارِ كوزراءَ في الحُكوماتِ الأردنيَّةِ ومَناصِبِ الدَّولةِ العُليا، لأنَّ ذلك من شأنِهِ أن يُعيدَ الهَيبةَ لمَناصِبِ الدَّولةِ، وأن يُحقِّقَ العَدالَةَ والنَّزاهَةَ التي لطالما حَلِمنا بها، والأهمُّ أنَّ مَن تَرَبَّى في مَيادينِ الشَّرفِ والرُّجولَةِ، لا يُمكِنُ أن يَقبَلَ بأَنصافِ الحُلولِ، ولا يُمكِنُ أن يَقبَلَ بأن يُجَيِّرَ المَنصِبَ لهُ ولِحاشِيَتِهِ وأقارِبِهِ وكُلِّ مَن يَدورُ في فَلَكِهِ.

 

والله من وراء القصد.

 

بقلم / منذر محمد الزغول 

ناشر ومدير وكالة عجلون الاخبارية ،،

التعليقات

  1. كرم سلامه حداد يقول

    مع احترامي وتقديري لضباط وافراد قاوانتا المسلحة واجهزتنا الامنيه الا انني لا اتوافق كثيرا مع الاخ منذر الزغول المحترم بما اورده اعلاه,
    فيا سيدي معظم الذين تم تعيينهم سواء في الادارة المحلية للبلديات او غيرها, خدموا مددا طويله عسكريين وضباط كبار نكن لهم كل تقدير لانهم من اهلنا واقاربنا وديرتنا الاردنية الرائعة, ولا يوجد بيت اردني الا ويضم رجلا عسكريا او اكثر.
    … الادارة العسكرية تختلف عن الادارة المدنية, فمثلا يصعب على اعتى مسؤول مدني مهما كان من الرتب والمناصب ان يتولى قيادة سرية او لواء او فرقة, لان طريقة الادارة العسكرية بما عرف عنها من الحزم,والجد,والضبط والربط والنظام الدقيق والتدريب والاسلحة والدورات العسكرية لن يتقنها ادخن شنب مدني,
    … هذا لا يعني العكس للعسكريين, ولكن ايضا في كل مواقعنا المدنية ذات المسؤولية هناك اعمال ومهن, وتنظيم ,وافراز, وعطاءات وطرق …الخ من الاعمال المدنية قد لا يتقنها العسكريين ايضا,
    … لذلك ارى ان يكون تعيين المتقاعدين ضمن نطاق ضيق وفي المجال الاقرب لعملهم العسكري , لان مرونة الحياة والوظائف المدنية لا تتجاوب مع الحياة العسكرية , فالامر العسكري وجب التنفيذ بدون مناقشة, بعكس ما يتلقاه الموظف المدني من تعليمات واوامر الذي باستطاعته ان يقول لمديره:اعلى ما بخيلك اركبه, وهذا مرفوض في الحياة العسكرية,
    … لا احد ينكر ان لدينا كفاءات مدنية بمعظم التخصصات قادرة على ادارة اكبر الموسسات والمنشأت ,والمهم ان يعطى القوس باريها, ويتم تعيين الاكفأ والاجدر,وليس القريب والنسيب ,لان مثل تلك التعيينات للاقرباء والانسباء والمحاسيب احبطت الالاف الموظفين في اجهزة الدولة مما كان احد الاسباب الرئيسه في ترهلها,
    … قناعتي المدني مدني والعسكري عسكري ,

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.