البعد الإستراتيجي للإستقلال

د.عبدالله محمد القضاة
لايكمن البعد الاستراتيجي لإستقلال المملكة الأردنية الهاشمية في نيل الحرية ورفع العلم الوطني فقط، بل في القدرة على بناء دولة القانون والمؤسسات ، والحفاظ على الإستقراروالأمن في وجه العواصف، وتنمية الاقتصاد والمجتمع رغم شح الإمكانات، وانتهاج سياسة خارجية حكيمة ومتوازنة أكسبت الدولة دوراً ومكانة أكبر من حجمها الجغرافي والديموغرافي. والاستقلال، بهذا المعنى، ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو مشروع وطني مستمر يتطلب التكيف الدائم مع المتغيرات، ومواجهة التحديات بإرادة صلبة ورؤية واضحة، للحفاظ على المنجزات وتعزيز منعة المملكة وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إستقلال المملكة الأردنية الهاشمية في الخامس والعشرين من أيار عام 1946 يمثل حدثاً محورياً ونقطة إنطلاق إستراتيجية في تاريخ الدولة الأردنية الحديثة. لم يكن الاستقلال مجرد إنهاء للانتداب البريطاني وتحقيقا للسيادة الاسمية، بل كان بداية لمسيرة طويلة وشاقة لبناء دولة قادرة على الصمود والتطور في محيط إقليمي مضطرب ومليء بالتحديات. يتجاوز البعد الاستراتيجي للإستقلال مجرد التحرر السياسي، ليمتد إلى تشكيل هوية وطنية جامعة، وبناء مؤسسات راسخة، وتطوير اقتصاد وطني، وصياغة سياسة خارجية متوازنة تضمن للأردن مكانة فاعلة ومؤثرة على الساحتين الإقليمية والدولية.
لقد شكل الاستقلال نقطة البداية لعملية بناء الدولة الأردنية الحديثة وتثبيت أركانها على أسس وطنية. فقد تمثل البعد الاستراتيجي الداخلي في عدة محاور رئيسية؛ لعل أهمها:
أولاً: ترسيخ سيادة الدولة وبناء مؤسساتها: كان الهدف الاستراتيجي الأول هو ترجمة الاستقلال السياسي إلى واقع مؤسسي. انطلق الأردن في بناء مؤسسات الدولة الدستورية، التشريعية، التنفيذية، والقضائية. وشكل دستور عام 1952، علامة فارقة في إرساء قواعد الحكم الديمقراطي وتحديد الحقوق والواجبات، وظل الإطار الناظم للحياة السياسية مع تعديلاته اللاحقة. كما تم بناء جهاز إداري وبيروقراطي لتسيير شؤون الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين.
ثانياً: الحفاظ على الأمن والاستقرار: في منطقة تعد من الأكثر اضطراباً في العالم، كان الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي يمثل أولوية استراتيجية قصوى وشرطاً أساسياً للتنمية والبقاء