الجامعة… منبر للعلم أم حلبة للمصارعة؟

محامي محمد صدقي الغرايبة
==
نبحث عن قاعة فيها محاضرة وليست حلبة مصارعة ففي ضوء المشاجرات الجماعية في اروقة الجامعات الاردنية لم تعد بعض الجامعات بحاجة إلى استحداث تخصصات جديدة، فلدينا فعلاً قسم غير رسمي لكنه نشِط جدًا ربما يعادل “بكالوريوس في فنون العراك التطبيقي”، وهو تخصص يُدرَّس عمليًا في الساحات أكثر مما يُدرَّس نظريًا في القاعات.
الجامعة التي وُجدت لتكون منبرا وبيتًا للعلم والحوار، تحولت في بعض الأيام إلى ساحة نزال جماعي، تتطاير فيها الكراسي أكثر مما تتطاير فيها الأفكار، وتُستخدم فيها الزجاجات كوسائل إقناع سريعة بدل الحجج المنطقية.
المشاركون في هذه المشاهد عادةً ليسوا من رواد المكتبة، ولا من المهتمين بكتابة البحوث، بل من أولئك الذين يعتقدون أن “الهيبة” تُكتسب بالعنف لا بالعلم، وأن الصوت العالي بديلٌ عن الوعي.
طلاب يعرفون أماكن الكافيتيريا أكثر من أماكن المختبرات، ويحفظون أسماء رجال الأمن أكثر من أسماء الأساتذة.
أما الأسباب؟ فحدّث ولا حرج:
نظرة لم تعجب أحدهم (جحرة) اوكلمة في لحظة غضب وربما تعليق ساخر على فيسبوك او بسبب مباراة كرة خاسرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل وأحيانًا أخر … من أجل فتاة جلست بجانب آخر وكأن الجامعة تحولت إلى مسلسل تركي بعنوان “حب وحرب في كلية الأعمال”!
مشهد متكرر يبدأ بابتسامة وتنتهي بقصة تراجيدية، يشارك فيها الجميع من الطلبة إلى الإدارة إلى الأمن الجامعي، وتنتهي دائمًا بعبارة خالدة: “لم نكن نقصد، لكنها تطوّرت!”
النتائج مؤلمة ومحفوظة في الذاكرة أقساها فصل الطلبة من الجامعة، وضياع مستقبلهم جراء لحظة طيش وإصابات وعاهات دائمة بسبب “نقاش أكاديمي” خرج عن السيطرة.
وبيانات رسمية مكرّرة تدعو إلى ضبط النفس ونبذ العنف وحقد جامعي يتوارثه الطلبة على مرّ الزمان، فيتحول كل فوج جديد إلى وريث لعداوة قديمة لا يعرف حتى سببها.
ولعل الحل في اجتثاث هذه الظاهرةً ليس فقط في تشديد الحراسات بل في إعادة تعريف معنى أن تكون طالبًا جامعيًا وفي تنشئة الجيل من المدرسة على هذا الامر وإعادة النظر في معايير القبول الجامعي بحيث يكون حسن السلوك من أولوياتها
فالجامعة ليست ساحة لإثبات الفحولة ولا ميدانًا لتصفية الحسابات، بل مكان تُصقل فيه العقول لا الأيادي وحتى ذلك الحين، سيبقى بعض الطلبة يدرسون مادة اختيارية اسمها “كيف تبدأ مشكلة وتنتهي بفصل جماعي؟”
دمتم بخير
المحامي محمد الغرايبه