الحقيقة الغائبة يا سيدي


الدكتور رشيد عبّاس

بقلم / الدكتور: رشيد عبّاس

ولذا, فإن الحقيقة الغائبة يا سيدي والتي غيّبها للأسف الشديد فترة من الزمن ثُلّة من أبناء هذا الوطن العزيز.. وأخجلُ إن قلت: أن هؤلاء هم بعض من حظوا بالمواقع الحكومية العليا والوسطى وربما الدنيا في مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها, كيف لا وقد شكّل غياب هذه الحقيقة الغائبة برهة من الزمن نقطة سوداء على صفحة الوطن البيضاء, ليقع عليها بعض اطراف المعارضة والانتهازيون في الداخل والخارج محاولين تعميقها واستخدامها كذريعة لمعارضتهم واحتجاجاتهم على أسلوب وطريقة إدارة الدولة, وقبل أن أتحدث عن حيثيات الحقيقة الغائبة, اسمحوا لي أن أطرح التساؤل الآتي: وإذا ما تم الكشف عن تلك الحقيقة الغائبة, هل بمقدور الدولة وضع منهجية متكاملة للكشف عن تلك الحقيقة الغائبة وتصحيح مسارها؟

كنت يا سيدي والشيء بالشيء يذكر قد قرأت القرآن كغيري أكثر من مرة واحدة, إلا أن واحدة من تلك المرات كانت بهدف تحديد بالضبط السور والآيات التي وردت بها كلمة (العدل) ومن ثم تتبعتُ الأحداث التي ارتبطت بهذه كلمة وتحليل النصوص المتعلقة بذلك لأجد العجب العجاب, وجدتُ يا سيدي أن (الظلم) كان هو السبب المباشر وراء الأحداث المادية والمعنوية السلبية والتي نبذها المجتمع حيث جاءت وقائعها في القرآن الكريم, وأن (العدل) هو الطريق الأوحد في معالجة تلك الاحداث المادية والمعنوية السلبية التي جاءت وقائعها في القرآن الكريم, وأكثر من ذلك وحين دخلتُ على باب العدل كنتُ قد وجدتُ شيء رهيب جدا كان يتعلق بكيفية تطبيق العدل حيث كان من خلال تطبيق نفس المعايير على كافة مكونات المجتمع دون تمييز.

اليوم يا سيدي وبكل صراحة لدينا جملة من المعايير الراقية جداً في جميع مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها, إلا أن المشكلة تقع في عدم تطبيقها من قبل ثلة من المسؤولين بالمواقع الحكومية العليا والوسطى وربما الدنيا في جميع مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها على كافة مكونات المجتمع.. ومن هنا انعدمت وتنعدم الثقة ما بين أفراد المجتمع والدولة, وقد أشرتم يا سيدي لذلك من خلال لقاءكم بشخصيات إعلامية ممثلة لعدة جهات تلفزيونية وإذاعية مؤخراً والتي تؤكد حالة من السخط والسوداوية التي تسود أوساط المجتمع الأردني, حيثً الأحاديث والأقاويل السلبية التي يقوم ببثها وإطلاقها البعض دون ضوابط أو إدراك لمدى خطورتها على الدولة في الداخل والخارج.

الحقيقة الغائبة يا سيدي هي أن العدل في مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها مغيّب تماماً عند بعض المسؤولين بالمواقع الحكومية العليا والوسطى وربما الدنيا, واقصد بالضبط هنا أن المعايير لكل كبيرة وصغيرة موجودة ومصاغة في مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها إلا انها لا تطبق بشكل كامل.. فسقط عندها العدل وحل محلة الظلم على خلق الله, الأمر الذي دفع كثير من مكونات المجتمع الأردني القيام بعمل واجراء مقارنات ساخطة حول إدارة اختيار الأشخاص, وحول إدارة تنفيذ البرامج والمشاريع, وحول إدارة تطبيق التعليمات والانظمة والقوانين, وحول إدارة توزيع موارد وثروات الدولة, وحول إدارة تكافؤ الفرص وعدالتها, إلى غير ذلك من إدارات في مؤسسات الدولة ودوائرها واجهزتها.

والسؤال المهم يا سيدي, هل يمكن (إعادة بناء الثقة) عند بعض مكونات المجتمع الأردني تجاه الدولة؟ الجواب الذي لا يحتمل التأخير.. نعم.

صياغة ووضع منهجية جديدة من خلال دائرة تسمى (دائرة تطبيق المعايير) امر ممكن, بحيث تكون معلنة لجميع مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها, ويكون مهام هذه الدائرة طرح سؤال واحد فقط يدور حول هل طُبقّت معايير.. في موضوع.. وكيف..؟ ومن خلال الإجابة عن ذلك تتم المسائلة القانونية أم لا, عندها ستختفي إشارات الاستفهام الكبيرة لدى مكونات المجتمع حول إجراءات مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها, وستزداد مستويات ثقة المجتمع بالدولة, وسيقبل المجتمع تحديات وظروف الدولة ويقفوا معها جنباً إلى جنب, وسيصبح جميع أفراد المجتمع على مسافة واحدة من تطبيق نفس المعايير, وبالتالي نكون قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من إعادة بناء الثقة تجاه الدولة, وخلاف ذلك سنبقى لا قدّر الله  في حلقة مفرغة.

وبعد..

عبارة (كل شيء على ما يرام) والتي يطلقها من حظوا بالمواقع الحكومية العليا والوسطى وربما الدنيا في جميع مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها, يجب أن تقال بعد تطبيق المعايير على جميع مكونات المجتمع بنفس الميزان.. وليس قبل ذلك.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.