الحكومة البرلمانية المقترحة للمملكة الأردنية الهاشمية


د.عبدالله محمد القضاة

بقلم /د .عبدالله محمد القضاه

النظام السياسي لكل دولة يعكس بالمجمل التاريخ والثقافة الخاصة بها، وفي الاردن ، فنظام الحكم نيابي ملكي ، السلطة التنفيذية تناط بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور، ولايوجد نص دستوري يلزم الملك بتكليف رئيس حزب الأغلبية المنتخب، أو رئيس ائتلاف الأحزاب التي تحظى بالأغلبية في مجلس النواب بتشكيل الحكومة ؛ ولايوجد نص يمنع من ذلك . بالمقابل فإن الدستور الاردني منح سلطة لمجلس النواب بمنح الثقة للحكومة التي يعينها الملك ؛ والحكومة التي لا تحصل على ثقته وجب عليها الاستقالة بنص الدستور.

وفي خضم الحديث عن إطلاق حوار وطني لتنفيذ التوجهات الملكية حول الرغبة في الشروع في عملية تطوير التشريعات الناظمة لعملية الإصلاح السياسي ، تثور عدة تساؤلات حول مستقبل الحكومات البرلمانية في الأردن لعل أهمها: هل هناك قناعة لدى رأس الدولة في التحول نحو الحكومات البرلمانية؟ وهل الحكومات البرلمانية تعني أن تتشكل الحكومة من مجلس النواب فقط؟ ثم، ماهو تأثير الحكومات البرلمانية على مبدأ الفصل بين السلطات وبالتالي كفاءة الإدارة العامة الأردنية؟و أخيرا هل من الأنسب إرتباط قيادة الجيش بالملك أم برئيس الحكومة كما يطالب البعض؟.

في ورقته النقاشية الثانية المنشورة في 16 كانون الثاني/يناير 2013 يقول الملك “مسار تعميق ديمقراطيتنا يكمن في الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب الحكومة” ويضيف الملك في نفس الورقة ” سنباشر بإطلاق نهج الحكومات البرلمانية، ومن ضمنها كيفية اختيار رؤساء الوزراء والفريق الوزاري. وبالرغم من أن التجارب الدولية المقارنة تشير إلى الحاجة إلى عدة دورات برلمانية لإنضاج هذه الممارسة واستقرارها، إلا أن ما يحدد الإطار الزمني لعملية التحول الديمقراطي هذه هو نجاحنا في تطوير أحزاب سياسية على أساس برامجي، تستقطب غالبية أصوات المواطنين، وتتمتع بقيادات مؤهلة وقادرة على تحمل أمانة المسؤولية الحكومية”.

والذي نخلص اليه من تحليل ماجاء في الورقة النقاشية الثانية ان هناك قناعة وتفكير ملكي بالتحول نحو الحكومات البرلمانية ، لكن الحكومات السابقة لم تتبنى اي خطة تنفيذية ضمن جدول زمني لهذا التحول ، كما انها لم تبادر في تطوير قانوني الاحزاب والانتخاب بالشكل الذي يسهم في تطوير احزاب سياسية على اساس برامجي لتخدم عملية التحول.

والسؤال الثاني : هل الحكومات البرلمانية تعني أن تتشكل الحكومة من مجلس النواب فقط؟ هذا الشكل هو السائد في الأنظمة البرلمانية كما هو الحال في المملكة المتحدة مثلا ، وعلينا أن ندرك أن هذا النمط يناسب الدول الحزبية والتي لايستطيع أي مواطن أن يترشح للبرلمان إلا من خلال إجراءات طويلة تضمن خبرته الحزبية وموافقة الحزب على ترشيحه وفي حال نجاحه قد يحضى بحقيبة وزارية أن كان ضمن الأغلبية النيابية أو ائتلاف الأغلبية في البرلمان ، وفي غير ذلك سيكون ضمن حكومة الظل التي تشكلها الأقلية في البرلمان.

في الأردن فإننا نأخذ بالنظام النيابي من النوع البرلماني الذي له ثلاثة اركان رئيسية هي: ثنائية السلطة التنفيذية حيث تتكون من رئيس الدولة الملك ومجلس الوزراء، والثانية وهي المساواة بين السلطتين لا تتبع احداهما الاخرى وتستمد كل منهما اختصاصاتها من الدستور، والثالثة التعاون والرقابة المتبادلة لأن الفصل بين السلطتين مرن وليس تاما وبينهما مظاهر من الرقابة المتبادلة لتحقيق التوازن المنشود.، والدستور لايلزم ولا يمنع تشكيل الحكومة البرلمانية.

 

مبدأ الفصل بين السلطات واحدًا من المبادئ الأساسية في النظم السياسية الديمقراطية، بحيث لا تهيمن سلطة؛ وبالتالي تستبد؛ على غيرها من سلطات الدولة، وهناك نموذجين للفصل بين السلطات الفصل التام والمطلق كما في النظام الرئاسي، والفصل المرن المعتدل الذي يقوم على التوازن والتعاون بين السلطتين والرقابة المتبادلة بينهما كما في النظام البرلماني، وهناك اجماع على ضرورة استقلال السلطة القضائية، عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في النموذجين.

 

وفي ضوء ما سبق؛ ماهو النموذج الأنسب للدولة الأردنية في تطبيق الحكومات البرلمانية؟ هل ستتشكل الحكومة من أعضاء مجلس النواب؟!، وبالتالي تتم عملية توزيرهم ؛ أم هل يطلب من الأغلبية النيابية في مجلس النواب ترشيح رئيس الحكومة وأعضائها من خارج المجلس؟!، ثم؛ ألا تتعارض عملية توزير النواب مع مبدأ الفصل بين السلطات؟!، وكذلك الإخلال بمبدأ الاعتماد على الكفاءة في إدارة شؤون الدولة؟! وهل السماح للوزراء بالترشح لعضوية مجلس النواب لا يشكل إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص؛ على اعتبار أن الوزير يستخدم نفوذه لتحقيق الفوز بعضوية مجلس النواب؟!!.

 

قد يتساءل البعض: لماذا لاننتقل مباشرة الى حكومة برلمانية منتخبة ” أن تتشكل الحكومة مباشرة من مجلس النواب” ، أرى أن هذا الشكل يعكس نمط الصدمة بالتغيير السياسي، وهذا ينعكس سلبا على كفاءة الإدارة العامة الأردنية، فالحزب صاحب الكتلة الكبرى بمجلس النواب سيشكل الحكومة؛ حيث يستحوذ الحقائب الأساسية والسيادية وتتقاسم باقي الأحزاب/الكتل الحقائب الأخرى، والسؤال: هل ستتولى الحكومة البرلمانية تعيين القيادات الإدارية في مؤسسات القطاع العام وفقا لمعياري المواطنة والكفاءة أم وفقا لمعيار الولاء الحزبي؟!.

الذي نخشاه في الأردن؛ في حال الأخذ بهذا الشكل ، أن يسود نظام المحسوبية؛ أومايسمى بنظام”الغنائم، Spoil System”، وهذا النظام عانى منه الشعب الأمريكي في القرن التاسع عشر كثيرا؛ حيث كانت الأحزاب السياسية بعد الفوز في الانتخابات تعطي الوظائف الحكومية للناخبين كمكافأة ، وكحافز للاستمرار في الولاء للحزب؛ وفي الوقت ذاته فإن الجدير بالوظيفة يحرم منها لعدم انتمائه لحزب سياسي منتصر!!!.

ولحماية القطاع العام من أي أثر سلبي للإنتقال للحكومات البرلمانية، نقترح على الحكومة؛ وعلى وجه السرعة؛ أن تبادر إلى تعديل نظام الخدمة المدنية بالشكل الذي يحقق الفصل بين النشاط السياسي والخدمة المدنية؛ من خلال إضافة نصوص تضمن إختيار وتعيين القيادات الإدارية في مؤسسات القطاع العام على أساس الجدارة غير الحزبية؛ ومن ذلك حصر عملية الترشيح والتنسيب بمجلس الخدمة المدنية واللجان الفنية التي يمكن أن تنبثق عنه، وفقا لمعايير موضوعية تعتمد التنافس وتكافؤ الفرص لمجموعة المتقدمين بحيث يلتزم مجلس الوزراء بالتعيين من ضمن التنسيبات الواردة من المجلس؛ مع ضرورة إعتماد منهجية وطنية ملزمة لمؤسسات القطاع العام تعتمد الجدارة والتنافسية في إختيار القيادات الإدارية على إختلاف مستوياتها؛ وتقيمها وفقا لمعايير الانجاز والرؤية المستقبلية لهذه القيادات.
الإصلاح المنشود مطلب وطني؛ ولكن؛ يتوجب أن يكون تدريجيا ومتوازنا يلبي إحتياجات كافة الفئات المجتمعية دون أن يكون على حساب فئة معينة؛ ومن حقنا أن نحمي مؤسساتنا الوطنية حتى لاتصبح غنائم يتقاسمها البرلمانيون!!!.

أعتقد أن نموذج الحكومات البرلمانية القابل للتطبيق في الأردن يكمن في المحافظة على الفصل بين السلطات وذلك بعدم توزير النواب لتمكينهم من ممارسة دورهم في الرقابة والمساءلة من جهة وضمان وصول الكفاءات الوطنية للمناصب الوزارية من جهة اخرى؛ وبما أننا لا نؤيد أن يصبح النائب وزيرًا لابد أيضا أن نضمن الا يصبح الوزير نائبًا، لانه من يصبح وزيرًا قد يستغل موقعه ليصبح نائبًا، ويستفيد من الوزارة كي يقدم خدمات حصرية لناخبيه، وبعدها يترشح للنيابة، فهل هذا جائز أخلاقيا؟!، فحتى تكون العملية عادلة يجب أن تطبّق بالاتجاهين، وإذا ما أراد الوزير أن يترشح للنيابة عليه ان يستقيل وبعد سنتين يحق له الترشيح؛ على أن يضاف نص دستوري لضمان الإلتزام بهذا النهج مستقبلا.

 

وبقي تساؤلا: كيف سنصل إلى الحكومة البرلمانية في ظل هذا الطرح؟! ، أي تشكيل حكومة برلمانية تعكس مبدأ ‘ الشعب مصدر السلطات’ من غير التعارض مع مبدأ ‘الفصل بين السلطات’، والمنهجية برأيي؛ أن يتم التشاور مستقبلا مع الكتل النيابية لإختيار رئيس الوزراء والوزراء بحيث تتولى كل كتلة ترشيح عدد من الأشخاص المؤهلين لتولي الحقائب الوزارية التي تكون من نصيب هذه الكتل”على أن يتم ترشيح أسماء غير برلمانية “؛ على اعتبار ان كل كتلة ستحصل على عدد من الحقائب يتناسب وحجم تمثيلها بالمجلس؛ وفي ضوء التشاور بين الكتل من جهة وبينها وبين الرئيس المكلف من جهة اخرى يتم التوافق على تشكيلة الحكومة البرلمانية؛ وفي حال حصول حزب سياسي على اغلبية نيابية مستقبلا يتولى تشكيل الحكومة أيضا بالتشاور مع الملك والأقلية النيابية لضمان العدالة وحقوق الأقلية التي تتولى في هذه الحالة تشكيل حكومة ظل تراقب أداء الحكومة الرسمية؛ وبهذه الطريقة نتوصل إلى نموذج ديمقراطي اردني فريد يحقق الحوكمة السياسية والإدارية التي تجمع مابين إرادة الشعب وكفاءة الإدارة .ولابد من دسترة هذا النموذج.

والتساؤل الأخير في بحثنا : هل الأنسب إرتباط قيادة الجيش بالملك أم برئيس الحكومة كما هو الحال في الدول البرلمانية العريقة ؟ ، الصحيح ان لكل دولة خصوصيتها وثقافتها ، والاردن دولة تعتبر حديثة في عمرها السياسي، كما انها دولة تواجه تحديات دولية واقليمية، وديمومتها تعتمد على استقرارها ، هذا اولا ، وثانيا وهو الأهم ، ان هناك تجربة مريرة عاشتها المملكة عام 1956 عندما فاز الحزب الوطني الاشتراكي ب 12 مقعدا وتكليف الملك حسين – رحمه الله – رئيس حزب التضامن الوطني سليمان النابلسي تشكيل حكومة اشتراكية تعتبر اول حكومة برلمانية في تاريخ المملكة، وهذه الحكومة بدأت بعملية تسيس للجيش والتعاون مع قيادات عربية ضد نظام الحكم، ولولا رعاية الله ، ثم التفاف الشعب والجيش خلف الحسين لنجح الانقلاب العسكري تماما كالذي حدث في مجزرة قصر الرحاب في بغداد ضد الهاشميين ،واعتقد ان العقل المدبر للانقلابين كان عربيا بدعم أجنبي .

الخلاصة ، اننا في الاردن ، نريد ديمواقراطية ، وتداول سلمي للحكومات ، لكننا لانريد ان نخلق فرصة لقوى اقليمية حالية او محتملة للسيطرة على قرارنا الوطني ، وحتى يتحقق ذلك ، لابد من ترك مؤسسة العرش والمؤسسة العسكرية خارج اللعبة السياسية ، وفي غير ذلك فليتنافس المتنافسون.

abdqudah@gmail.com
*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ، مدير عام معهد الادارة العامة سابقا.

شكرا لكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.