الديموقراطية أولاً


د. عزت جرادات

بقلم / د. عزت جرادات

*هل أصبحت الديموقراطيات في المجتمعات المعاصرة شعاراً ومضموناً  آخر، لقد شاعتْ الديموقراطيات في المجتمعات المعاصرة، متقدمة أو غير متقدمة، وبأشكال متعددة، فأصبح بأمكان أي دولة أن تدعي الديموقراطية، حتى تلك الدول ذات الحكم الشمولي أو الحزب الواحد، وإذا ما تعرّض أي نظام ديموقراطي لأي خلل أو تغيير، يكتشف المجتمع أنه لم تكن هناك أي ديموقراطية، شكلاً أو مضموناً؛ حتى كاد أن يُعلن موت الديموقراطية.

* فظهرت الديموقراطية الليبرالية، باعتبارها آخر نمط للديموقراطية، فهي تحمي حقوق المجتمع بغالبية أو بأقليته، فعندما هوجم مبنى الكونغرس الأمريكي بعد انتخاب الرئيس بايدن، كان ما أزعج النّخب السياسية والثقافية والفكرية هو- الأعتداء على الديموقراطية، فالمجتمع الذي اعتاد الديموقراطية نهجاً وسلوكاً في الحياة الفردية والمجتمعية، يرفض تعطيل مسارها أو إنكار نتائجها، مهما كانت أدواتها، فعّالة عمّالة أو زائفة بطّالة.

*فما هي هذه الأدوات التي إعتادها أي مجتمع لضمان الديموقراطية وحمايتها، يمكن القول أن أهم أدواتها هي المؤسسية والأحزاب وأساليب والأنتخاب التي اعتمدها المجتمع. فهذه المنظومة الثلاثية: المؤسسية والأحزاب وأسلوب الانتخاب، هي الأطار والمضمون في الوقت نفسه لنموّ الديموقراطية وإزدهارها. ويتجلى ذلك، باحترام السلوك المؤسسي الديموقراطي المتمثل باحترام قيم المجتمع، واحترام مبادىء حقوق الأنسان، والرؤى السياسية والثقافية التي تسود المجتمع بما تتضمنه من تعددية وتنوّع ومعطيات فكرية بحرية مسؤولة.

*إن احترام هذه المنظومة من شأنه أن يؤسس لبناء الديموقراطية، ويسهم في تجذّرها في المجتمع وسلوك أفراده ومكوناته الأجتماعية والثقافية والبيئية والحزبية والسياسية. فليس للديموقراطية أجنحة نهبط بها على المجتمع، بل تعيش معه وتتجذّر وتنمو وتزدهر بذلك السلوك المجتمعي الثقافي، فالماجناكارتا أعلنت عام -1215- واينعَتْ بعد قرون من السلوك الديموقراطي، وعصر الحرية السويدية استغرق نصف قرن حتى تجذر في المجتمع وإزدهر عام (1772).

* فالديموقراطية، ومتطلباتها، هي الحلّ وهي الأصل، وما المؤسسية، والاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، وأساليب الانتخاب سوى أدوات أو وسائل، وليستْ غايات بذاتها، وفي مقدور المجتمع المثقف والواعي سياسياً وإجتماعياً وسلوكياً إيجاد أو تطوير تلك الأدوات والوسائل، اذا ما أنطلق من الأصل وهو البناء الديموقراطي، مؤسسياً وسلوكياً…. لتفعيل المنظومة الثلاثية: المؤسسية والتنظيمات المجتمعية وأسلوب أختيار التمثيل أو ما يعرف بالانتخاب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.